حكايات من الكتب

إبليس


Listen Later

الكتاب يتناول فكرة إبليس أو الشيطان وكيف تطورت هذه الفكرة عبر التاريخ في مختلف الحضارات والديانات. ترى أن معرفة الشيطان كانت بمثابة فاتحة التمييز بين الخير والشر، قبل معرفة الشيطان بصفاته وأعماله. الخير في حقيقته ليس مجرد الابتعاد عن الشر، أو عدم القدرة عليه، بل هو القدرة على الحسن مع القدرة على القبيح، وهو الاختيار المطلوب بعد تفكير. معرفة الخير في الصميم تتطلب عملاً قائماً على علم وبصيرة. يُعرف الشيطان من تاريخه أنه سقط لأنه أنِفَ من تفضيل آدم عليه، وعلى الملائكة أجمعين والجان، لأن آدم مُعرّض للخير والشر ومطالب بالخيرات وممتحن. بينما الملائكة لا يصنعون الشر لأنهم بمنجاة من غوايته، والجان لا يختارون بين نقيضين. وظيفة الشيطان في هذا العالم عُرفت من تلك الآونة، وهي امتحان الإنسان وفتنته وإثبات عجزه أمام الغواية. فضيلة الإنسان الحقيقية هي أن يصنع خيراً للشر، وله في نفسه غواية وفتنة. الإنسان، سليل التراب، يأتي بالعجب في علمه وجهله. وعندما يسمع بصفات الملائكة، يفهم الطيبة والطهارة، ويقابلها في نفسه بالحنين إليها. وعندما يسمع بصفات الإنسان، يعرف منها ما يناقض البهيمية والسبعية. وحين يسمع بالصفات الشيطانية، يفهم أنه في موقف حذر واحتراس. الكلمات تقع في موقعها عند الإنسان كأنها نُقلت إليه شيئاً محسوساً. فكرة الشر في الذهن البشري لها صور بقدر ما في هذا الكون من ضلالهم في الحس والتفكير. هل الشر قوة أصلية؟ قوة إيجابية عاملة؟ قوة سلبية؟ هو نقص الخير؟ هو عقبة في طريق الخير؟ هل هو عقبة لا إرادة لها وتستدعي المزيد من الحركة وتضاعف جهود الخير؟. كل فكرة عن الشر يمكن أن تخطر على الذهن البشري قد تمثلت في صورة من صور الثبات، وهذا سبب من الأسباب الكثيرة التي تدعو المفكر الذي يحترم عقله أن يفهم كل فكرة في الشر على حقيقتها وأن الألفاظ والصور الدينية حية تصور الوجود الحقيقي. ظلت الكفتان متقابلتين في نظر محمود، لا يبالي بمقياس غيره، ويتمناه. ثم تراجعت الكفتان، فرجحت كفة النور على كفة الظلام. شيئاً فشيئاً، عظم التفاوت بين القوتين، حتى أصبحت قوة الشر كقوة الأمير التابع. وظلت الحرب بينهما سجال، وقد يؤول الأمر إلى معركة بين إلهين متعادلين. ثم آمن الناس بإله واحد هو الخالق المبدع القائم بذاته. وفي الديانات الإبراهيمية ظهر الشيطان بمشيئته وتقديره. أنواع الشيطنة سؤال يبدو طبيعياً. فكرة الشيطان أعمق جداً مما يخطر للمتعجل الذي يحسب أنه موقف الشر بالنسبة للقوة الكونية الكبرى. في الحضارة المصرية القديمة: عرف المصريون حساب الروح بعد الموت وموازين الخير والشر والفضيلة والرذيلة. لم يكن عندهم العالم الآخر مؤجلاً، بل كان امتداداً لهذا العالم. على صورة الشريرة تمثلت قوة الشر، فهو صورة الأخ الشرير والحاكم المغتصب والمفسد الذي يعيث في الأرض. وهذا ما يُعرف بالإله "ست" إله الظلام في عقيدة الشعب المصري. في الحضارة الهندية: تؤمن بأن العالم المحسوس حق وخير، على نقيض دين أهل الهند الذي يحسبه شراً محضاً وباطلاً موهوماً. يكفي هذا الاختلاف بين الديانتين لامتناع التشابه بينهما في مسألة قوة الشر وذات الشر. في الحضارة اليونانية: النقاد التاريخيون يحتاجون إلى تحرير موازينهم جميعاً قبل الاطمئنان إلى رأي صحيح في أي شأن من الشؤون السياسية التي قامت عليها حضارة اليونان. لم يكن رب الأرباب "زيوس" أفضل أو أعلم أو أطيب من غيره، بل في الواقع كان أقل من الأكثرين بين الأرباب في هذه الخصال. "الحظ" وحده هو الذي يفسر علوه عليها بغير تلك الفضائل والمزايا. في الديانات الكتابية: الدين الكتابي أبرز صفة الخلق وجعلها شاملة لكل ما عداها. وهذا الفارق يأتي من أن الشر في الحالة الأولى (مثل اليونانية) إنما يُحسب من قبيل الحماقة. بينما وصف الشر بالسوء والكفران أبعد من ذلك بون واسع. في اليهودية: لم يُذكر الشيطان قط في كتاب من الكتب قبل عصر المنفى إلى بابل. ذكره كان على الوصف لا على التسمية، فجاء مرة بمعنى الخصم في القضية، ومرة أخرى بمعنى المقاوم في الحرب. لم يُذكر بصيغة العلم إلا حيث قيل إنه الذي تصدى لبلعام في طريقه. قبل أن تصبح الحية مجرد رمز للشيطان، تُلاحظ أن الحية هي صاحبة الغواية في قصة آدم وحواء. في المسيحية: ذُكر الشيطان بأسماء متعددة. صورة الشيطان في ذهن الرسول بولس أصبحت خصومة خلقية نفسية، بعد أن كانت كونية طبيعية قبل ذلك. العالم عنده في أساسه إنما هو الإنسان. التفرقة بين أوصاف الشيطان في الأناجيل وما تلاها إنما هي الفرق بين الأوصاف السمعية والأوصاف القياسية أو العقلية. الشيطان لم يُقرر له "شأن" معلوم دور أو دور في الديانات الكتابية قبل القرن الأول للميلاد. في الإسلام: دور الشيطان يختلف في الديانات الكتابية الثلاث.
  • في اليهودية: دور عامل يُستغنى عنه لأنه شبيه بغيره من عوامل الشر والتبعة والعقاب.
  • في المسيحية: دور عامل فعال لا ينفصل عن حكمة الوجود كله.
  • في الإسلام: دور عامل فضولي مرذول، يختلس ويروغ ويخذل فريسته.
دور الشيطان في الديانة العربية هو دور "النكرة" الذي ينوب عنه بالنية الخفية والعمل المكشوف. فليس بين الشيطان والملك طريق متفرق ولا عمل منقسم. أما المسيحية، فدورها فيها على مسرح الخليقة هو دور الشرير في قصة الخلق كله. لولا غواية الشيطان لآدم، لما سقط آدم. لولا سقوط آدم، لما احتاجت ذريته إلى الخلاص عن طريق الفداء. غواية الشيطان لا تخلق ذنباً يرثه أحد من أبيه أو يورثه لبنيه. شوكة الشيطان لا تحمي أحداً ولا تُعفي منها، وهو لا يحمل عن شريك الخطيئة. الشيطان يعمل حيث لا يعمل، وحدود التبعات واضحة. الشيطان ينكر بوسواسه، ولا ينفع من ضل أن يعتذر من ضلالته بوسواس الشيطان. ويقول الشيطان عندما يُقضى الأمر: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُمْ. لم يرد ذكر لتسخير الجن والإنس والحيوان لسليمان إلا بهذا المعنى وهو علم سيطر به على القوى. وليس من قبيل هذا التسخير ما يُقال عن أسرار السحر والطالسم وأغراضها بأمر من الله في غير احتيال من الشيطان أو اختلاس من الإنسان. في العصر الحديث، الحضارة العصرية هي أكثر الحضارات إيماناً بوجود الشيطان وعمله الدائم. كلمة الشيطان والشيطنة والشيطانية من أشيع الكلمات في كتابة الأوروبيين العصريين. لكن هذه من أقوى المكذبات لطريقة الإحصاء الآلية. كلمة الشيطان أصبحت على ألسنة القوم معنى لغوياً. من البديهي أن المتحدثين عن الشيطان في حضارة العصر لا يقصدون جميعاً هذا. أكثرهم متدينون يؤمنون بوجود الشيطان وعقيدته في المسيحية. لكنهم يقصرونه جميعاً على الصفات دون الأعلام والأسماء. يتخيلونه على الصورة التي كانت تسبق إلى خيال السامع قبل قرون بضعة. اليوم يفرقون وهم بين وساوس نفوسهم وما ينسبونه إلى الشيطان من إيحاء. الشيطنة في العصر الحالي يمكن أن تُرى في شيطان الجماعة. النازية تصنعه حين تثور على أعداء الجنس الآري المطهر. الفاشية تصنعه وما تصنعه حين تثور على أعداء المجد الروماني. الشيوعية تصنعه حين تثور على أصحاب الأموال الأوغاد. كل أولئك لا يتورعون عن اتهام الأبرياء وإحراق الأحياء، والهبوط إلى الهاوية أهبة للصعود إلى السماء. فكرة الشيطان وزواله وأن الله لا يرضيه دوام الشر ودوام السقوط على كائن من الكائنات العاقلة، بل إن نهاية التجربة الكونية من حياة لا شر فيها ولا شيطان، إنما تكون بزوال شره وارتداده عنه إلى الخير والصلاح.
...more
View all episodesView all episodes
Download on the App Store

حكايات من الكتبBy حكايات من الكتب