يعد موضوع تقسيم الامبراطورية العُمانية في عام 1861م ضمن ما يعرف بتحكيم كاننج من أهم الأحداث في تاريخ عُمان الحديث، لأنه ترتب عليه انفصال زنجبار عن مسقط بشكل نهائي، مما يعني تفكك هذه الإمبراطورية التي أسسها السلطان سعيد بن سلطان والذي تذكره الوثائق ب
سلطان عُمان وزنجبار وملحقاتها، ومما كُتب على شاهد قبره في المقبرة الملكية السلطانية بزنجبار: "هنا يرقد صاحب السمو السيد سعيد بن سلطان إمام عُمان وسلطان مسقط وزنجبار".كان من عادة السيد سعيد بن سلطان أن ينوب ابنه السيد خالد في حكم زنجبار أثناء خروجه منها إلى عُمان منذ عام 1828م وحتى وفاته في 20 مارس عام 1854م، وبعد وفاة السيد خالد أصبح السيد ماجد نائباً عن والده السلطان سعيد بن سلطان في زنجبار عند سفره إلى عُمان، بينما كان يعين ابنه ثويني نائبا عنه في حكم عُمان والممتلكات الآسيوية أثناء تواجده في زنجبار والشرق الأفريقي. ومنذ وفاة السيد سعيد في 19 أكتوبر 1856م بالقرب من جزيرة سيشيل في المحيط الهندي أثناء رحلته من مسقط إلى زنجبار، بدأت ملامح هذا الانفصال تلوح في الأفق نتيجة الخلاف الذي وقع بين أبناءه الأربعة، ثويني وماجد وتركي وبرغش. ففي مسقط والشق الآسيوي وقع خلاف بين ثويني وتركي تطور إلى حد الصدامات العسكرية بين الطرفين خاصة في صحار وساحل الباطنة، وتم الصلح بين الأخوين. أما في ما يتعلق بالممالك الأفريقية فقد بدأ الخلاف منذ وصول جثمان السيد سعيد بن سلطان، الذي كان يرافقه في رحلته الأخيرة ابنه برغش، والذي بيت النية بهدف الوصول إلى سدة الحكم الأفريقي، ولذلك عمد إلى دفن والده فور وصوله دون انتظار بقية إخوته، حتى يتفرغ للخطوة التالية المتمثلة في السيطرة على مؤسسات الحكم في زنجبار. وهو ما لم ينجح فيه. وكان للسيد برغش محاولة أخرى للانقلاب على أخيه السلطان ماجد في أكتوبر 1859م واستطاع ماجد اخماد الثورة. وعلى إثر تلك الحادثة تم نفي السيد برغش إلى الهند بعد كتابة تعهد بعدم احداث ثورة أو فتنة ضد أخيه السلطان ماجد، ولاحقاً عفى عن أخيه السيد برغش وسمح له بالعودة إلى زنجبار بعد ثمانية عشر شهراً قضاها في منفاه في بومباي بالهند.أخطر الخلافات ما بين أبناء السيد سعيد هو الخلاف بين ثويني وماجد، ويتلخص هذا الخلاف بينهما في رغبة ماجد بالانفصال بشكل نهائي بزنجبار عن الامبراطورية العُمانية، واستقلالها التام عن مسقط، وهذا ما كان يعارضه السيد ثويني بقوة، رغبة منه في المحافظة على وحدة الامبراطورية وقوة الدولة، ولأنه كان يرى بأنه الأحق في وراثة العرش بعد وفاة والده، وهو ما أثبتته التقارير البريطانية أثناء المفاوضات بين الطرفين، وتم تداول ذلك في أروقة الحكومة البريطانية في الهند، ولكن لأن مصالحها كانت تقتضي تقسيم هذه الدولة، فقد غضت النظر عن موضوع أحقية السيد ثويني، وانحازت إلى خيار التقسيم. ولأن السيد ماجد أصر على موقفه المتمثل في المضي بزنجبار والشرق الأفريقي نحو الانفصال، فقد دفع ذلك بالسيد ثويني إلى أن يجهز حملة بحرية عسكرية عام 1858م بهدف إخضاع ماجد وزنجبار، ورغبة منه أيضا في استئناف المعونة السنوية التي تم الاتفاق عليها بين الأخوين بعد وفاة والدهما، والتي تتضمن قيام زنجبار بدفع 40 ألف ريال نمساوي إلى مسقط، كتعزيز لمواردها المالية، بحكم أن اقتصاد زنجبار كان هو الأقوى في تلك الفترة. وبالفعل خرجت هذه الحملة من مسقط، بتاريخ 11 فبراير 1858م تضم أكثر من 2500 رجل وعدد من السفن بمختلف أنواعها، ولكن الحكومة البريطانية تدخلت وأوقفت هذه الحملة بالقرب من صور، واقترحت على الأخوين التحكيم، برعاية الحاكم البريطاني للهند اللورد كاننج، فوافق السيد ثويني مُكرها على ذلك، وعاد بالحملة إلى مسقط، وعليه بدأت بريطانيا في محاولة للصلح بين الأخوين حسب ظاهر الفعل، بينما كانت تدرك في حقيقة نفسها بأن مصلحتها مع انقسام هذه الدولة وتفتيت قوتها العسكرية حفاظا على مصالحها الاستعمارية في الهند ومنطقة الخليج، لأن أكثر ما كانت تخشاه الحكومة البريطانية سواء في لندن أو في الهند، هو محاولة عقد تحالفات أجنبية مع عُمان، وبالتالي الاستفادة من مقوماتها الجغرافية والعسكرية، مما يعني ذلك تأثيرا واضحا على المصالح البريطانية. وبدأت البعثات البريطانية منذ عام 1859م في رحلات ما بين مسقط وزنجبار لتقصي الحقائق التي يجب الاتفاق عليها وبالتالي تقديمها إلى مقر الحكومة في الهند لإصدار قرارها النهائي في مصير هذه الدولة وتم تعيين العميد كوجلان مفوضا من قبل الحكومة البريطانية في موضوع الخلاف بين الأخوين أو بين الشقين من الامبراطورية العُمانية. مكث الوفد البريطاني في مسقط تسعة أيام من أجل التحقيق في الخلافات بين أبناء السيد سعيد، سواء بين ثويني وتركي أو بين ثويني وماجد. وفي نهاية سبتمبر من عام 1860م وصلت البعثة البريطانية إلى زنجبار للقيام بنفس المهام التي اضطلعت بها في مسقط. وعندما اختتمت هذه التحقيقات كانت تميل في مضمونها إلى تأكيد أحقية السيد ثويني في خلافة والده ليس فقط على مسقط والممتلكات الآسيوية وإنما على سائر مناطق الإمبراطورية العُمانية، لكن مصلحة بريطانيا كانت في صالح التقسيم، وهو ما حدث بالفعل في نهاية هذا التحكيم، عندما صدر التحكيم المعروف بتحكيم اللورد كاننج في 2 أبريل من عام 1861م، والذي نص على هذه البنود: أولا: يتم اعلان السيد ماجد حاكما على زنجبار والممتلكات الإفريقية خلفا للسيد سعيد بن سلطان. ثانيا: يدفع السيد ماجد حاكم زنجبار للسيد ثويني حاكم مسقط معونة مالية سنوية قدرها أربعون ألف كراون (ريال نمساوي). ثالثا: يدفع حاكم زنجبار إلى حكام مسقط متأخرات المعونة السنوية عن السنوات السابقة والتي بلغت قيمتها ثمانين ألف كراون. رابعا: أن لا يتدخل حكام أو قبائل عُمان في شؤون زنجبار والشرق الأفريقي. يصف المؤرخ الأمريكي لاندن بصورة مستغربة جداً هذا القرار بأنه "حل" مع إضافته أن هذا الحل الذي فرضته حكومة الهند كان أسوأ من المشكلة ذاتها. لقد جزّأ هذا التقسيم دولة موحدة عرفت بوصفها "الدولة البحرية الأولى"، وفكك اقتصادها ووحدتها السياسية والاجتماعية كما أسهم في إضعاف النشاط التجاري البحري. وينقل المؤرخ الدكتور حسين عبيد غباش في كتابه (عُمان الديمقراطية الإسلامية) عن أحد الباحثين قوله: "إن ما جرى –على الرغم من اسم التحكيم الذي أطلق عليه- لم يكن تحكيماً حقيقياً ولا حتى وساطة، بل كان تدخلاً. وهو تدخل غريب جداً، لأنه لم يعتمد على القسوة والتعسف بل على القانون ظاهراً على الأقل". وقد اعتبر حاكم بمبي هذا التقسيم مساوياً من حيث الأهمية لاستعمار الهند على نحو ما يذكر سلطان القاسمي في كتابه تقسيم الإمبراطورية العُمانية.