تبدأ قصتنا باستكشاف الكلمة والضحكة. الكلمة هي أعظم اختراع للإنسان، وسيلة للتفاهم لا يمكن الاستغناء عنها. لكن ماذا عن الضحكة؟ هل هي مجرد رد فعل بسيط؟ الكتاب يأخذنا في رحلة لنتساءل: لماذا نضحك؟ وهل الضحك شيء واحد أم له وجوه متعددة؟ نكتشف سريعًا أن الضحك ليس واحدًا، بل حالات متعددة لكل حالة سببها وأسلوبها. هناك ضحك السرور والرضا، وضحك السخرية والازدراء، وضحك العجب والإعجاب، وغيرها الكثير. رحلتنا في فهم الضحك تأخذنا للقاء ثلاثة من كبار المفكرين الذين حاولوا فك لغزه في آراء ثلاثة في الضحك. الأول هو سبنسر، الذي نظر إلى الضحك كظاهرة فيزيولوجية، أشبه بتفريغ مفاجئ للطاقة العصبية في العضلات، غالبًا ما تسببه المفاجأة أو توقع شيء وعدم حدوثه. الثاني هو برجسون، الذي رأى الضحك كظاهرة اجتماعية بالأساس، وظيفتها تنبيه الفرد الذي يتصرف بآلية أو جمود غير مناسب للموقف الاجتماعي. الضحك هنا أشبه بعقاب اجتماعي خفيف لمن يحيد عن المرونة الإنسانية. والثالث هو فرويد، الذي غاص في أعماق النفس ليجد أن الضحك مرتبط بالنكتة والدعابة والهزل، ويعتبره وسيلة للتنفيس وتحقيق رغبات مكبوتة أو تجاوز صعوبات بطريقة غير مباشرة، تشبه أحلامنا أحيانًا. ثم تأخذنا القصة إلى صفحات الكتب الدينية في الضحك. نرى كيف ورد ذكر الضحك في القرآن الكريم. في قصة إبراهيم وزوجته سارة، حيث ضحكت سارة عندما بُشرت بالولد رغم كبر سنها، وكان ضحكها تعجبًا ومفاجأة وفرحًا بعد خوف. وفي قصة سليمان عليه السلام، حيث تبسم ضاحكًا من قول نملة، وكان ذلك عجبًا وفرحًا بنعمة الله عليه. وفي مواضع أخرى، ورد الضحك بمعنى السخرية والاستهزاء من الكافرين بالأنبياء والمؤمنين. كما ورد في التوراة ذكر ضحك الله من غرور وقوة البشر الذين يظنون أنهم قادرون على تحديه. وفي الإنجيل، يأتي الضحك مقابلًا للبكاء، كوعد بأن الباكين الآن سيضحكون لاحقًا. تبرز هذه الأمثلة أن الضحك غالبًا ما يرتبط بمواقف تتضمن مفارقة أو تناقضًا أو تحولًا مفاجئًا في الشعور. تتوسع قصتنا لتشمل الإنسانية والفكاهة. الكتاب يؤكد أن الضحك ملكة إنسانية بامتياز، لا توجد في الحيوانات. نرى كيف تختلف الشعوب في أساليب فكاهتها ونكاتها، حتى أن بعض الأمم تُعرف بفكاهتها وأخرى بجدها، لكن الفكاهة موجودة عند الجميع بدرجات مختلفة. وتظهر الفكاهة بقوة في عصور التحول التاريخي، حيث تسخر من بقايا التقاليد البالية والشخصيات المتكلفة، كما حدث في أوروبا مع شخصيات مثل رابليه وسرفانتز. كما تظهر في أوقات الشدة والحرج كوسيلة للتنفيس والاحتجاج الخفي. وهنا نصل إلى الجزء الأكثر غموضًا وشهرة في القصة: جحا ونوادره. نتعلم أن جحا ليس شخصًا واحدًا عاش في زمان ومكان محدد. النوادر المنسوبة إليه تتناقض في زمانها ومكانها وشخصيتها؛ فبعضها عن الحماقة البينة، وبعضها عن الذكاء والحكمة، وبعضها عن التغافل أو التحامق (ادعاء الحماقة). هذه النوادر انتشرت وتناقلتها شعوب وثقافات مختلفة (العرب، الأتراك، الفرس، وغيرهم)، وتتشابه في مضامينها، مما يدل على أنها إبداع إنساني جماعي. نرى ستون نادرة تمثل هذه الألوان المختلفة، من نوادر تدل على فطنة وذكاء جحا، إلى نوادر تظهر حماقته وبلادته، إلى نوادر أخرى يتقصد فيها الغفلة أو التحامق. هذه النوادر تشبه قصصًا وحكايات تروى عن شخصيات مشابهة في ثقافات أخرى، مما يجعل مهمة تحديد أصولها بدقة صعبة وتخضع لـموازين غير محكمة. أخيرًا، ننظر إلى جحا في الأدب، وكيف أن نوادره جزء من تراث أدبي واسع عن الحمقى والمجانين والأذكياء. في العصور الحديثة، ازدهر الأدب الجحوي، وأصبحت شخصيته موضوعًا للدراسة والنقد الاجتماعي، وتُرجمت نوادره إلى لغات أوروبية، مما يدل على جاذبيتها العالمية. شخصيات مثل نصر الدين خوجة التركي، وكاراجوز، و"بانش" الغربي، قد تكون ذات صلة بجحا أو تعبر عن ظواهر مشابهة لانتقال الحكايات عبر الثقافات. في خلاصة تاريخية، الكتاب يؤكد أنه رغم احتمال وجود شخص تاريخي بسيط يحمل اسم جحا في البداية، إلا أن العدد الهائل والمتنوع من النوادر المنسوبة إليه يجعله أقرب إلى رمز جامع لكل ألوان الفكاهة الإنسانية. جحا أصبح مرآة تعكس حكمة الناس وحماقتهم، قدرتهم على السخرية والنقد، وتنفيسهم عن مصاعب الحياة. وفي النهاية، قصة الكتاب ليست مجرد حكاية رجل، بل هي قصة الضحك نفسه، بتناقضاته، وأسبابه العميقة، وتجلياته في النفس الإنسانية وفي الشعوب على مر الزمان، تتجسد كلها في شخصية جحا، الضاحك المضحك.