في يوم من الأيام، انطلق مسافر عربي، وهو الكاتب، في رحلة إلى اليابان. كان يتوقع أن ينبهر بما وصلت إليه اليابان من تقدم علمي وتكنولوجي فائق. وبالفعل، أُدهش بما رآه من دقة وتطور، لكن المفاجأة الكبرى كانت في شيء لم يتوقعه أبدًا: مدى تقدمهم الأخلاقي. اكتشف المسافر أن اليابانيين يجسدون قيمًا إنسانية نبيلة في حياتهم اليومية. فقد رأى التواضع في كل تفاصيلهم، من انحناءة سائق التاكسي احترامًا للزبون، إلى المدير الذي يأكل مع موظفيه، مما جعله يتساءل عن غياب هذا التواضع في مجتمعه. ثم اختبر بنفسه قمة الأمانة عندما أضاع محفظته في وسط طوكيو. لم يمر وقت طويل حتى وجد الشرطي محفظته سليمة بكل محتوياتها. أدرك أن الفرق ليس في الإيمان بالمبدأ، بل في تطبيقه. أما النظافة، فكانت قصة أخرى. لم يجد المسافر حمامًا عامًا إلا وكان في قمة النظافة والراحة، بفضل اهتمام اليابانيين بأدق التفاصيل مثل رشاشات المياه ومقاعد التدفئة. ولقد لاحظ أن الحدائق العامة في اليابان في منتهى النظافة، لأن كل فرد مسؤول عن نظافة مكانه. أدهشه أيضًا مدى احترامهم للآخرين وعدم إزعاجهم. ففي القطارات والمطاعم، لم يسمع صوت هاتف يرن أو كلام بصوت عال. بل إنهم يسمون وضع الصامت في هواتفهم "أخلاق"، وهذا يعكس عمق هذا المبدأ لديهم. لم يغفل اليابانيون حتى رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة؛ فقد وجد المسافر طرقًا وشوارع مجهزة خصيصًا للمكفوفين، وأن المكفوف يستطيع أن يتنقل بحرية دون مساعدة. لقد أدرك أن الهدف هو إدماجهم في المجتمع ومنحهم فرصًا متساوية، لا مجرد الشفقة. الأعجب أن اليابانيين حققوا هذا التقدم مع الحفاظ على هويتهم وتقاليدهم الأصيلة. يرتدون أحذيتهم التقليدية في البيوت والمدارس، ويحترمون معلميهم وكبارهم. هذه "الخلطة السحرية" هي سر نجاحهم: الجمع بين الأصالة والتطور. حتى أنهم يعتنون بالحيوانات أيما عناية، ووجد المسافر "منتجعًا للكلاب" يقدم لها خدمات فاخرة، مما يجسد مبدأ "الإحسان" في التعامل مع كل كائن حي. ثم اكتشف المسافر جوهر هذا التقدم في مبدأ ياباني اسمه "كايزن". كلمة "كايزن" تعني "التطوير المستمر"، وهو منهج يقوم على تحسينات بسيطة ومستمرة في كل جانب من جوانب الحياة دون تكاليف باهظة. الهدف الأساسي لـ "كايزن" هو التخلص من "المودا" أي الهدر. لقد طبق المسافر بنفسه مبادئ "كايزن" في حياته:
في مكتبه: تعلم تنظيم الأوراق والتعامل معها بكفاءة لتوفير الوقت والجهد.
في وقته: أتقن فن "التفويض"، وفوّض مهامًا لأسرته ليوفر وقته للمهام الأهم.
في محفظته: تخلص من البطاقات والأوراق القديمة، محتفظًا بالأساسيات فقط لتقليل الهدر والشعور بالراحة.
في صحته: أدرك أن المحافظة على الصحة من خلال الفحص الدوري للأسنان والرياضة والأكل الصحي يمنع هدرًا كبيرًا في المستقبل.
في ملابسه: تعلم التخلص من الملابس غير المستخدمة بالتبرع بها أو بيعها لتجنب هدر الطاقة البشرية التي صنعتها.
في تخطيطه المالي: استخدم برنامجًا لتتبع المصروفات، مما ساعده في وضع خطة مالية أفضل.
في مشترياته: تعلم إعداد قوائم تسوق منظمة لتوفير الوقت وتجنب النسيان.
في تربية أبنائه: وضع نظامًا واضحًا لهم لإنهاء الواجبات المنزلية وأكل طعامهم، مما ساعد في غرس قيم المسؤولية والانضباط.
في الكتابة: حتى استخدام قلم متعدد الألوان بدلاً من أقلام متعددة على المكتب يمكن أن يوفر وقتًا وجهدًا.
وعندما نظر المسافر إلى الذنوب المميتة، وجد أن الكسل هو "الذنب المميت" في اليابان، الذي يقتل بناء الأمم ويُهدر الطاقات، على عكس ما يعانيه العالم العربي. كما انبهر المسافر بمدى احترام اليابانيين للوقت. فمواعيد القطارات دقيقة جدًا، وتأخر ثوانٍ معدودة يُعد أمرًا جللًا. أدرك أن تقدير الوقت هو أساس الإبداع والتقدم. في نهاية رحلته، وقف المسافر متأملًا. صحيح أن الإسلام ينتشر بنسبة ضئيلة في اليابان، لكنه لاحظ أن اليابانيين، رغم اختلاف دياناتهم، يطبقون مبادئ أخلاقية عظيمة هي في جوهرها تعاليم إسلامية نبوية. وتساءل: لماذا يقرأ المسلمون الأحاديث النبوية عن الأخلاق والأمانة والتواضع ولا يطبقونها، بينما يطبقها اليابانيون ببراعة؟. خرج المسافر من اليابان بقناعة عميقة بأن النهضة الحقيقية لأي أمة هي نتاج معادلة بسيطة: علم + أخلاق + عمل = نهضة. وأمل أن يتحول هذا الكتاب إلى دعوة عملية للعالم العربي والإسلامي لتبني هذه المبادئ، فليس المهم أن نُكثِر من الكلام، بل أن نُحسن تطبيق ما تعلمناه. وصلى أن يعز الله الإسلام بدخول أعداد غفيرة من اليابانيين إليه، ليروا كيف تتجسد الأخلاق الإلهية في واقعهم.
في يوم من الأيام، انطلق مسافر عربي، وهو الكاتب، في رحلة إلى اليابان. كان يتوقع أن ينبهر بما وصلت إليه اليابان من تقدم علمي وتكنولوجي فائق. وبالفعل، أُدهش بما رآه من دقة وتطور، لكن المفاجأة الكبرى كانت في شيء لم يتوقعه أبدًا: مدى تقدمهم الأخلاقي. اكتشف المسافر أن اليابانيين يجسدون قيمًا إنسانية نبيلة في حياتهم اليومية. فقد رأى التواضع في كل تفاصيلهم، من انحناءة سائق التاكسي احترامًا للزبون، إلى المدير الذي يأكل مع موظفيه، مما جعله يتساءل عن غياب هذا التواضع في مجتمعه. ثم اختبر بنفسه قمة الأمانة عندما أضاع محفظته في وسط طوكيو. لم يمر وقت طويل حتى وجد الشرطي محفظته سليمة بكل محتوياتها. أدرك أن الفرق ليس في الإيمان بالمبدأ، بل في تطبيقه. أما النظافة، فكانت قصة أخرى. لم يجد المسافر حمامًا عامًا إلا وكان في قمة النظافة والراحة، بفضل اهتمام اليابانيين بأدق التفاصيل مثل رشاشات المياه ومقاعد التدفئة. ولقد لاحظ أن الحدائق العامة في اليابان في منتهى النظافة، لأن كل فرد مسؤول عن نظافة مكانه. أدهشه أيضًا مدى احترامهم للآخرين وعدم إزعاجهم. ففي القطارات والمطاعم، لم يسمع صوت هاتف يرن أو كلام بصوت عال. بل إنهم يسمون وضع الصامت في هواتفهم "أخلاق"، وهذا يعكس عمق هذا المبدأ لديهم. لم يغفل اليابانيون حتى رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة؛ فقد وجد المسافر طرقًا وشوارع مجهزة خصيصًا للمكفوفين، وأن المكفوف يستطيع أن يتنقل بحرية دون مساعدة. لقد أدرك أن الهدف هو إدماجهم في المجتمع ومنحهم فرصًا متساوية، لا مجرد الشفقة. الأعجب أن اليابانيين حققوا هذا التقدم مع الحفاظ على هويتهم وتقاليدهم الأصيلة. يرتدون أحذيتهم التقليدية في البيوت والمدارس، ويحترمون معلميهم وكبارهم. هذه "الخلطة السحرية" هي سر نجاحهم: الجمع بين الأصالة والتطور. حتى أنهم يعتنون بالحيوانات أيما عناية، ووجد المسافر "منتجعًا للكلاب" يقدم لها خدمات فاخرة، مما يجسد مبدأ "الإحسان" في التعامل مع كل كائن حي. ثم اكتشف المسافر جوهر هذا التقدم في مبدأ ياباني اسمه "كايزن". كلمة "كايزن" تعني "التطوير المستمر"، وهو منهج يقوم على تحسينات بسيطة ومستمرة في كل جانب من جوانب الحياة دون تكاليف باهظة. الهدف الأساسي لـ "كايزن" هو التخلص من "المودا" أي الهدر. لقد طبق المسافر بنفسه مبادئ "كايزن" في حياته:
في مكتبه: تعلم تنظيم الأوراق والتعامل معها بكفاءة لتوفير الوقت والجهد.
في وقته: أتقن فن "التفويض"، وفوّض مهامًا لأسرته ليوفر وقته للمهام الأهم.
في محفظته: تخلص من البطاقات والأوراق القديمة، محتفظًا بالأساسيات فقط لتقليل الهدر والشعور بالراحة.
في صحته: أدرك أن المحافظة على الصحة من خلال الفحص الدوري للأسنان والرياضة والأكل الصحي يمنع هدرًا كبيرًا في المستقبل.
في ملابسه: تعلم التخلص من الملابس غير المستخدمة بالتبرع بها أو بيعها لتجنب هدر الطاقة البشرية التي صنعتها.
في تخطيطه المالي: استخدم برنامجًا لتتبع المصروفات، مما ساعده في وضع خطة مالية أفضل.
في مشترياته: تعلم إعداد قوائم تسوق منظمة لتوفير الوقت وتجنب النسيان.
في تربية أبنائه: وضع نظامًا واضحًا لهم لإنهاء الواجبات المنزلية وأكل طعامهم، مما ساعد في غرس قيم المسؤولية والانضباط.
في الكتابة: حتى استخدام قلم متعدد الألوان بدلاً من أقلام متعددة على المكتب يمكن أن يوفر وقتًا وجهدًا.
وعندما نظر المسافر إلى الذنوب المميتة، وجد أن الكسل هو "الذنب المميت" في اليابان، الذي يقتل بناء الأمم ويُهدر الطاقات، على عكس ما يعانيه العالم العربي. كما انبهر المسافر بمدى احترام اليابانيين للوقت. فمواعيد القطارات دقيقة جدًا، وتأخر ثوانٍ معدودة يُعد أمرًا جللًا. أدرك أن تقدير الوقت هو أساس الإبداع والتقدم. في نهاية رحلته، وقف المسافر متأملًا. صحيح أن الإسلام ينتشر بنسبة ضئيلة في اليابان، لكنه لاحظ أن اليابانيين، رغم اختلاف دياناتهم، يطبقون مبادئ أخلاقية عظيمة هي في جوهرها تعاليم إسلامية نبوية. وتساءل: لماذا يقرأ المسلمون الأحاديث النبوية عن الأخلاق والأمانة والتواضع ولا يطبقونها، بينما يطبقها اليابانيون ببراعة؟. خرج المسافر من اليابان بقناعة عميقة بأن النهضة الحقيقية لأي أمة هي نتاج معادلة بسيطة: علم + أخلاق + عمل = نهضة. وأمل أن يتحول هذا الكتاب إلى دعوة عملية للعالم العربي والإسلامي لتبني هذه المبادئ، فليس المهم أن نُكثِر من الكلام، بل أن نُحسن تطبيق ما تعلمناه. وصلى أن يعز الله الإسلام بدخول أعداد غفيرة من اليابانيين إليه، ليروا كيف تتجسد الأخلاق الإلهية في واقعهم.