حكايات من الكتب

كيف تقضي يومك في رمضان؟


Listen Later

في شهر رمضان الفضيل، شهر الخير والبركات، أراد إنسانٌ عاقلٌ أن يستغل وقته الثمين أحسن استغلال. فقد قرأ في كتاب "كيف تقضي يومك في رمضان؟" أن تربية النفس هي أسمى غايات العاقل، وأن الإنسان ضعيف في مواجهة نفسه الأمارة بالسوء والشيطان والدنيا بشهواتها. لكن الله برحمته جعل أوقاتاً شريفةً يضعف فيها هؤلاء الأعداء ويقوى فيها داعي الخير، ومن أعظم هذه الأوقات شهر رمضان. إنه شهر الصيام والتقوى، شهر القرآن والذكر، شهر الصدقة والبر والإحسان، شهر القيام والاعتكاف وليلة القدر. في هذا الشهر، تُفتح أبواب الجنة وتُغلق أبواب النيران وتُصفّد الشياطين، ويُنادي منادٍ: "يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر".
استجاب هذا الإنسان للنداء. تذكر وقفةً قرأها في الكتاب عن حديث قدسي عظيم يُبيّن أن أقرب ما يُتقرب به إلى الله هو الفرائض، ثم النوافل، وأن العبد إذا داوم على ذلك أحبه الله، فيتولى أمره ويوفقه. فهم أن الهدف الأكبر هو الحصول على أعلى مراتب الولاية والمحبوبية والتقوى.
بدأ يومه المبارك بالاستيقاظ للسحور. بمجرد أن فتح عينيه، قال الذكر المأثور عند التعار من الليل ليُغفر له ويُقبل دعاؤه وصلاته. توضأ وضوءاً كاملاً وصلى ركعتين خفيفتين بخشوع وحضور قلب، فمن أحسن وضوءه وصلى ركعتين لم يُحدث فيهما نفسه، غُفر له ما تقدم من ذنبه. نوى بأكلة السحور اتباع سنة النبي ﷺ لينال بركة السحور، حتى لو بجرعة ماء. سمّى الله أول طعامه وحمد الله آخره، فذلك سببٌ لمغفرة الذنوب. وأكثر من الدعاء والاستغفار في وقت السحر، فهو وقت نزول الرب فيه إلى السماء الدنيا وإجابته للسائلين والمستغفرين.
عند سماع أذان الفجر، ردده كلمة كلمة، ثم صلى على النبي ﷺ وسأل له الوسيلة، وأكثر من الدعاء بين الأذان والإقامة، فهو لا يُرد. ثم استعد للصلاة بتجديد الوضوء وصلى ركعتي سنة الصبح، فهما خيرٌ من الدنيا وما فيها. توجه إلى المسجد لصلاة الفجر في جماعة لينال أجر سبع وعشرين درجة. حرص على الخشوع في صلاته، فصلاة المكتوبة بإحسان وضوئها وركوعها وخشوعها تكون كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة.
بعد الصلاة، اهتم بالأذكار المشروعة على الصفة الواردة عن النبي ﷺ. استغفر الله ثلاثاً وقال الأذكار الواردة عن النبي ﷺ بعد الصلاة، والتي تحمل فضائل عظيمة. قرأ آية الكرسي والمعوذات، فمن قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت، ومن قرأ المعوذات كفته من كل شيء. جلس في مصلاه لأذكار الصباح، متبعاً سنة النبي ﷺ وأصحابه في ذكر الله تعالى بعد الصلاة حتى الشروق.
ثم صلى صلاة الضحى، فقد علِم أنها تجزئ عن ثلاثمائة وستين صدقة وأنها تكفي العبد آخر يومه. إذا احتاج إلى النوم، تذكر أذكار النوم وآدابه ليحفظه الله.
على مدار اليوم، كان حريصاً على الاستغلال الأمثل لأوقاته. قلّل من الأعمال الدنيوية غير الضرورية، واقتصر على الهام بنية صالحة. لم يترك وقتاً إلا شغله بالطاعة، من ذكر أو تلاوة أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر. اهتم بالطاعات المناسبة لأوقاتها، ففي رمضان ركّز على القرآن والذكر. وفي تعاملاته مع الناس، ابتعد بقوة عن العلاقات المحرمة والمكروهة، وقلّل من المباحة، وجعل جل اهتمامه بالواجبة والمستحبة كصلة الرحم والتذكير بالله وتعليم الناس ما ينفعهم. بهذه الملاحظات، تمكن من استغلال وقته أعظم استغلال.
عند أذان الظهر، ردده بحضور قلب وقال الذكر بعده. توضأ وصلى أربع ركعات قبله، ثم صلى الظهر في جماعة، وأتى بالذكر والسنة البعدية. استغل الوقت بين الظهر والعصر بطاعة.
عند أذان العصر، ردده وصلى أربع ركعات قبله، ثم صلى العصر في جماعة والذكر بعده. استغل الوقت بعد العصر بالذكر وقراءة القرآن وجلس لأذكار المساء.
عند أذان المغرب، ردده وفطر على تمرات أو ماء كما كان يفعل النبي ﷺ. قال الذكر المسنون عند الإفطار ودعا لنفسه وللمسلمين بجوامع الكلم. توضأ إن لم يكن متوضئاً وصلى ركعتين قبل صلاة المغرب. صلى المغرب في جماعة، ثم أتى بالذكر والسنة البعدية. تناول طعام العشاء بآدابه.
استغل الوقت بين المغرب والعشاء. عند أذان العشاء، ردده، وتوضأ وأحسن وضوءه. صلى العشاء في جماعة، ثم صلى التراويح في جماعة. علِم أن من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه. وشُرع للنساء حضور صلاة التراويح مع الجماعة. حرص على البقاء مع الإمام حتى ينصرف ليُكتب له قيام ليلة كاملة. واجتهد في إطالة الركوع والسجود ليُساقط عنه خطاياهه.
بعد التراويح، قرأ ما تبقى من ورده. جلس مع نفسه جلسة محاسبة على يومه الذي مر. فإن كان من توفيق، حمد الله. وإن كان من تقصير، تاب إلى الله وأكثر من الذكر والصلاة والدعاء والاستغفار.
عاش هذا الإنسان يومه وهو يعلم أنه ليس إلا أنفاساً ولحظات، وأن الموفق هو الذي يسابق اللحظات ويغنم الأوقات بالطاعات. تذكر حال السلف الصالح وحرصهم الشديد على أوقاتهم، كيف كانوا أضن بها من أموالهم، وأنهم كانوا يقولون "من علامة المقت إضاعة الوقت". علم أن الجزاء من جنس العمل، وأن ثمرة حرصهم على الوقت كانت علماً عظيماً.
اختتم يومه بالعزم على أن يكون قدوة في الحرص على كل لحظة، ليُربح بها على الله ربحاً من ذكر أو تلاوة أو تفكر أو إحسان أو صلة رحم أو بر والدين أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر، المهم ألا تمر لحظة إلا بطاعة. علم أن أهل الجنة يتألمون لكل لحظة مرت ولم يذكروا فيها الله.
هكذا قضى هذا الإنسان يومه في رمضان، سائلاً الله أن يرزقه حبه وحب من يحبه وحب العمل الذي يبلغه إلى حبه، وأن ينفعه بما قرأ وعلم ويرزقه العلم النافع والعمل الصالح.
...more
View all episodesView all episodes
Download on the App Store

حكايات من الكتبBy حكايات من الكتب