في كتاب "الفتاة التي أنجبت أمها"، يأخذنا المؤلف شادي عبد الحافظ في رحلة عبر أفكار مدهشة عن ذاتنا، العالم من حولنا، والكون الواسع. تبدأ القصة بفتاة تتأمل كيفية فهمنا للواقع من خلال عقلنا، الذي يعمل بطريقة تشبه "فرضية الدماغ البايزي" (The Bayesian Brain Hypothesis)، محاولاً التنبؤ بالأحداث بناءً على الاحتمالات والخبرات السابقة. تدرك الفتاة أن إدراكنا ليس مجرد رؤية بسيطة؛ فكما حدث لجيولوجي أمريكي فقد القدرة على إدراك الأرقام من 2 إلى 9 بسبب تلف في الدماغ، ورأى الرقم 8 كخطوط متشابكة غريبة، فإن الدماغ يحتاج إلى معالجة إضافية لما تراه الأعين لتفهمه. هذا يدفعها للتساؤل عن طبيعة الواقع نفسه، والزمن على وجه الخصوص. هل "الحاضر" هو الشيء الوحيد الموجود والواقعي؟ أم أن الماضي والحاضر والمستقبل كلها حقائق موضوعية موجودة في شيء يسمى الكون الأبدي (Eternalism)، حيث يكون الزمن بعداً رابعاً مثل المكان؟ أو ربما يكون الكون كتلة متنامية (Growing Block Universe)، حيث الحاضر هو الجزء الواقعي الوحيد، لكن الماضي أيضاً أصبح واقعاً موضوعياً، بينما المستقبل لم يحدث بعد. تفكر الفتاة في قوانين الفيزياء التي تحكم هذا الكون، مثل الإنتروبي الذي يزداد باستمرار في الأنظمة المغلقة. ترى كيف أن جزيئات القنبلة تتشتت بسهولة شديدة عند الانفجار، بينما تجميعها مرة أخرى مهمة صعبة للغاية. ومثلما لا يمكن تحويل البيض المخفوق إلى حالته الأصلية، هناك اتجاه طبيعي لزيادة الفوضى في الكون. تنتقل نظرات الفتاة من عالمنا اليومي إلى أعماق الكون. وتلاحظ شيئاً مدهشاً في تشابه الشبكات الطبيعية المعقدة. فالطريقة التي تتوزع بها الخلايا العصبية وتتجمع في القشرة المخية والمخيخ في دماغها، تشبه إلى حد كبير تجمع المجرات في الشبكة الكونية (Cosmic Web). هذا التشابه العميق، بغض النظر عن اختلاف المقاييس الهائلة، يشير إلى أن القوانين التي تحكم بناء هذه الشبكات متشابهة. حتى التجمعات البشرية على سطح الأرض، مثل القرى بمنازلها وأسواقها المتصلة بطرق رفيعة، تتشكل في شبكات تشبه هذه الهياكل الكونية. تغوص الفتاة أعمق في فهم مكونات المادة. تكتشف أن كل شيء مصنوع من ذرات، وأن نواة الذرة تتكون من بروتونات ونيوترونات، بينما تدور الإلكترونات حولها. وتتعلم أن الإلكترونات هي جسيمات أولية لا تتكون من جسيمات أصغر، بينما البروتونات والنيوترونات تتكون من جسيمات أولية تسمى الكواركات (Quarks). إلى جانب الكواركات والإلكترونات (الليبتونات)، هناك عائلة أخرى من الجسيمات الأولية تسمى البوزونات (Bosons)، وهي حاملات القوى الأساسية في الكون. تفهم أن هذه الجسيمات الأولية تعمل مثل "حروف" يمكن ترتيبها لتكون "كلمات" ذات معنى. تتعجب كيف تكتسب هذه الجسيمات كتلتها، وتتعرف على مجال هيغز (Higgs field)، والجسيم المصاحب له، بوزون هيغز، الذي يمنح الجسيمات الأخرى كتلتها. وهكذا، من خلال استكشاف عمل الدماغ، طبيعة الزمن، قوانين الفيزياء، بنية الكون الكبيرة، ومكونات المادة الأساسية، تبني الفتاة صورة مدهشة ومترابطة عن الوجود.