حكايات من الكتب

الهامسون بالكتب


Listen Later

في فصل دراسي صغير مزدحم بتسعة وعشرين طالب وطالبة في الصف السادس، معلمة اسمها دونالين ميلر. كانت دونالين بتحب القراءة حب غير عادي، لدرجة إنها كانت بتحمل كتاب معاها في كل مكان، وتقرا تحت البطانية بالكشاف، وعندها مكتبة شخصية ضخمة بتسميها "جبل ميلر". لكن لما بدأت تدرس القراءة، اكتشفت إن الطريقة المتبعة في المدارس - زي إن الفصل كله يقرأ نفس الرواية، ويعملوا نفس التمارين عشان يستعدوا للاختبارات القياسية - كانت بتخلي الطلاب يكرهوا القراءة. كتير من الأبحاث كانت بتأكد إن الطلاب كل ما بيكبروا، اهتمامهم بالقراءة بيقل وكمية قراءتهم بتنزل. النظام ده، اللي بيركز على الاختبارات والتمارين بدل القراءة الفعلية، كان بيشوه مفهوم القراءة وبيقلل قيمتها لدرجة إنها بتتحول لواجب مش حاجة ممتعة. دونالين، اللي كانت بتشوف القراءة وسيلة لاستكشاف الحياة والتواصل مع الآخرين، رفضت تقبل الوضع ده. تذكرت تجربتها كمعلمة جديدة شعرت بالنقص، لكنها تعلمت من معلمة خبيرة اسمها سوزي كيلي إنها لازم تستمر في المحاولة والتعلم. قررت إنها لازم تغير فصلها عشان يكون مكان بيحتفي بالقراءة. بدأت رحلتها بالاستماع لطلابها واحتياجاتهم. أدركت إنهم محتاجين يقراوا بالفعل عشان يبقوا قراء شاطرين، وإن القراءة دي لازم تكون ممتعة وذات مغزى شخصي بالنسبة لهم. كان مفتاح التغيير هو تطبيق مبادئ "ورشة القراءة". المبدأ الأول: الوقت. خصصت دونالين وقت كبير للقراءة في الفصل كل يوم، على الأقل عشرين دقيقة في بداية العام. كانت بتأكد إن ده وقت مقدس للقراءة وبس. المبدأ الثاني: الاختيار. أعطت الطلاب الحرية الكاملة في اختيار الكتب اللي هيقرأوها بأنفسهم. رفضت تسحب منهم السلطة دي، حتى لو كانوا بيختاروا كتب ممكن تكون "غير مناسبة" في نظر البعض، لأن القراءة أفضل بكتير من عدم القراءة على الإطلاق. المبدأ الثالث: التفاعل. شجعت الطلاب يتفاعلوا مع الكتب بطرق طبيعية من خلال المناقشات والتدوين ولقاءات القراءة. ألغت تقارير الكتب والعروض التقديمية الرسمية اللي كانت بتقتل متعة القراءة. المبدأ الرابع: المجتمع. بنت مجتمع قراءة في الفصل، الكل فيه بيشارك وبيتعلم من بعض. كانت بتشجع الطلاب يرشحوا الكتب لبعض ويتكلموا عن اللي بيقرأوه بود. عشان الطلاب يقدروا يمارسوا حقهم في الاختيار، بنت دونالين مكتبة فصل ضخمة على حسابها الشخصي. كانت بتشتري الكتب من أي مكان بأي طريقة، وكان عندها آلاف الكتب. كانت بتنظم المكتبة بطريقة تسهل على الطلاب يلاقوا الكتب اللي بتعجبهم، عن طريق تصنيفها في صناديق. الأهم من توفير الكتب، إنها كانت بتعرف طلابها كقراء. كانت بتستخدم الاستقصاءات والملاحظات والمحادثات عشان تفهم اهتماماتهم وتفضيلاتهم. بمرور الوقت، بدأت دونالين تشوف تحول في طلابها. طلاب زي هوب، اللي كانت بتعتبر نفسها مش قارئة، بدأت تكتشف كتب بتعجبها زي الفانتازيا. براندون، اللي انهار أول ما شاف قائمة الكتب اللي "مفروض" يقراها، أصبح خبير في كتب مؤلف معين. جون، اللي كان بيقرا حاجات بسيطة، زادت كمية قراءته بشكل كبير وحس إن القراءة ليها قيمة. وحتى الطلاب اللي مستواهم ضعيف، اللي كانت بتسميهم "القراء الناشئين" بدل "المتعثرين"، بدأوا يشعروا بالنجاح لما أتيحت لهم الفرصة يقراوا ويختاروا كتبهم. الطلاب اللي كانوا قراء شاطرين زي راندي وسوزي، وجدوا مساحة يستمتعوا فيها بالقراءة بدون قيود الطرق التقليدية. دونالين نفسها كانت نموذج للقارئ. كانت بتقرا مع الطلاب، وبتشاركهم حماسها للكتب، وبتقولهم إنها بتواجه صعوبات أحيانا في القراءة زي أي حد. كانت بتؤمن إن الحماس للكتب معدي. كان فيه تحديات طبعا. الضغط المؤسسي على الاختبارات مازال موجود. بعض البرامج التحفيزية كانت بتشوه قيمة القراءة الحقيقية. لكن دونالين كانت بتثق في الأبحاث اللي بتؤكد إن القراءة الفعلية هي أنجح طريقة لتعليم القراءة، وإن تأثير القراءة على التحصيل الدراسي أكبر من تأثير تغطية المحتوى الدراسي بالطرق التقليدية. في النهاية، قصة دونالين ميلر هي قصة إيمان بأن القراءة ملك للقراء، مش للمدارس ولا للمعلمين. هي رحلة عن كيفية تحويل فصل دراسي من مكان بيعلم الطلاب يكرهوا القراءة، إلى مكان بيزرع فيهم حب القراءة مدى الحياة، ويحولهم إلى مواطنين مسؤولين ومطلعين قادرين على التفكير النقدي. بتأكد إن وقت القراءة في الفصل لازم يكون النشاط الأول والأهم. وإن مهمتنا كمعلمين مش بس نعلم المهارات، لكن نساعد الطلاب يكتشفوا الإحساس الشخصي بالهدف من القراءة. لأن في الآخر، الحماس للقراءة هو الوقود اللي بيدفع الطلاب للقراءة مدى الحياة.
...more
View all episodesView all episodes
Download on the App Store

حكايات من الكتبBy حكايات من الكتب