حكايات من الكتب

الكتاب الذي تتمنى لو قرأه أبواك


Listen Later

في زمن ليس ببعيد، كان هناك أب أو أم (أو ربما هما الاثنان) يحاولان قدر استطاعتهما تربية طفلهما في عالم مليء بالتحديات. كانا يحبان طفلهما، لكن في بعض الأحيان، كانا يجدان نفسيهما يتفاعلان معه بطرق لا يفهمان سببها تماماً. قد يصرخان عندما يشعر الطفل بالغضب أو يبالغان في رد الفعل عندما يكون حزيناً. أو ربما يجدان صعوبة في قضاء وقت للعب أو الاستماع إليه حقاً. بدأ الأب/الأم يلاحظ أن ردود أفعاله هذه غالباً ما تكون عادة متجذرة في ماضيه، وليست مجرد استجابة للموقف الحالي مع الطفل. كان الأمر أشبه "بالارتكاس الزمني العاطفي"، حيث تستدعي مشاعر الطفل أو سلوكياته مشاعر وتجارب قديمة من طفولة الأب/الأم نفسه . إذا كانت طفولتهم مليئة بالاحترام غير المشروط والرعاية الإيجابية، فإن تأسيس علاقات صحية سيكون مبرمجاً لديهم. لكن بالنسبة للكثيرين، لم تكن الطفولة مثالية، وهذا يجعل التدقيق فيها مؤلماً لكنه ضروري لتجنب نقل هذا الألم إلى الأطفال. تعلم الأب/الأم مفهوماً مهماً جداً: "الخلل وإصلاح الصدع". فهم أن الأخطاء، أو "الخلل"، حتمية في أي علاقة قوية ومهمة. سواء كان سوء فهم، أو افتراض خاطئ، أو إلحاق الأذى. لكن الأهم من الخلل نفسه هو "رأب الصدع"، أي إصلاح ما تم كسره. وبدأ الأب/الأم رحلة الإصلاح. كانت الخطوة الأولى هي التعرف على الأشياء التي تستفزه هو أو هي شخصياً. وبدلاً من الاندفاع بناءً على مشاعر لا يفهمها جيداً، حاول التدقيق في مشاعره والتأمل فيها. عندما يرتكب خطأ مع الطفل، مثل الصراخ عليه أو تجاهل مشاعره، كان يتعلم الاعتراف بالخطأ والتحدث عنه لاحقاً، حتى لو مرت فترة. هذا الاعتراف والإصلاح يعني الكثير للطفل ويساعد في بناء الأمان. اكتشف أيضاً أن الأطفال يتواصلون باستمرار، ليس فقط بالكلمات، ولكن بأصواتهم، إيماءاتهم، وبكائهم القهري، ولعبهم. وأن تجاهل محاولاتهم للتواصل يسبب لهم ألماً كبيراً وشعوراً بالرفض. وأن الاستماع الحقيقي للطفل ليس مجرد انتظار دورك في الحديث، بل هو السماح لنفسك بأن تتأثر به وتفهم العالم من وجهة نظره. هذا التبادل، أو "الأخذ والعطاء"، هو أساس الحوار الصحي والرابطة القوية. عرف أن محاولة إلهاء الطفل عن مشاعره السلبية، مثل الحزن أو الغضب، ليست حلاً جيداً على المدى الطويل. فالأطفال يستحقون الصدق، ويحتاجون وعاءً آمناً لمشاعرهم. مهم أن يكون الأهل حاضرين مع الطفل عندما يشعر بالألم، ويقبلون مشاعره دون إنكارها أو تجاهلها. المرافقة الحميمة خلال الألم تخفف من وطأته. تعلم أيضاً أن بكاء الطفل أو تعلقّه المفرط ليس شيئاً سيئاً يجب قمعه، بل هو علامة على رابطة قوية وحاجة للاستجابة. في الخلافات، فهم أن التركيز على "تنس الحقائق" أو من هو "الرابح" و"الخاسر" مدمر للعلاقة. الأهم هو فهم المشاعر الأساسية لكلا الطرفين. وأن اللطف لا يعني أن تكون ضعيفاً، بل يعني التعبير عن مشاعرك وأسبابها مع احترام مشاعر الآخر. أدرك أن الكمال ليس هو الهدف. وأن الأهل ليسوا معصومين عن الخطأ. وأن محاولة التمسك بصورة عائلة مثالية أو إخفاء الحقائق يمكن أن يضر بالأطفال ويجعلهم يشعرون بالضيق والقلق دون أن يعرفوا السبب. تعلم أن ينظر إلى سلوك الطفل الصعب، مثل نوبات الغضب أو التذمر، ليس على أنه تدخل مخطط أو محاولة للتلاعب، بل غالباً ما يكون تعبيراً عن إحباط حقيقي أو مرحلة انتقالية صعبة. وأن احتواء مشاعر الطفل، وتسميتها، والتواجد معه خلال هذه اللحظات الصعبة، يساعده على تعلم التكيف والمرونة. في نهاية المطاف، فهم الأب/الأم أن تربية الطفل هي أيضاً رحلة اكتشاف للذات. وأن فهم مشاعرهم الخاصة وتقبلها هو جزء لا يتجزأ من قدرتهم على تقبل وفهم مشاعر أطفالهم. وأن الرابطة التي تجمعهم بأطفالهم قوية جداً. ورغم كل الأخطاء والتحديات، يمكن تعزيز هذه الرابطة بالصدق، الشجاعة في إصلاح الأخطاء، ومسامحة النفس. فالأمر كله يتعلق بالاستثمار في هذه العلاقة الأساسية، التي تشكل أساس الصحة النفسية للطفل وتؤثر على قدرته على بناء علاقات سعيدة في المستقبل. وهكذا، استمر الأب/الأم في محاولاته، ليس بحثاً عن الكمال، ولكن عن الحضور والتواصل والإصلاح والحب غير المشروط.
...more
View all episodesView all episodes
Download on the App Store

حكايات من الكتبBy حكايات من الكتب