حكايات من الكتب

لماذا تفشل الأمم


Listen Later

في عالمنا الواسع، كان هناك سؤال حير الكثيرين: لماذا تفشل الأمم وتظل فقيرة، بينما تزدهر أمم أخرى وتصبح غنية؟ لم يكن الأمر متعلقاً بالحظ، أو بالموقع الجغرافي، أو بالأمراض، أو حتى بالثقافة كما اعتقد البعض في البداية. فالإنسان هو من يصنع الفرق، وليس الجغرافيا أو التاريخ وحده. لقد اكتشف الباحثون أن السر يكمن في المؤسسات التي يبنيها الإنسان. هناك نوعان رئيسيان من المؤسسات: المؤسسات الاستخراجية والمؤسسات الشاملة. في مكان مثل نوجاليس الشمالية في الولايات المتحدة، كانت المؤسسات شاملة. كانت توفر الحوافز والفرص للناس. كان الناس يمتلكون مؤسسات اقتصادية فاعلة. كانت هناك منافسة، وحكم قانون يحمي الحقوق، ورغبة في السماح بالهدم الخلاق الذي يؤدي إلى التطور الاقتصادي. هذه المؤسسات الشاملة تدعم النمو الاقتصادي. وفي المقابل، كانت المؤسسات السياسية شاملة أيضاً. تسمح بمشاركة واسعة من المواطنين في تحديد المسار السياسي لبلادهم، وتوزيع السلطة السياسية على نطاق واسع في المجتمع. هذا النوع من المؤسسات يحفز الابتكار ويسمح بتوزيع عوائد الازدهار. كانت هذه المؤسسات، سواء كانت اقتصادية أو سياسية، شاملة للجميع. ولهذا السبب، ازدهرت نوجاليس الشمالية. ولكن عبر الحدود تماماً، في مكان مثل نوجاليس الجنوبية في المكسيك، كانت القصة مختلفة. هناك، كانت المؤسسات استخراجية. هذه المؤسسات صُممت لصالح نخبة ضيقة. كانت تركز السلطة والثروة في يد قلة. كانت الحقوق الاقتصادية والسياسية محدودة. لم تكن هناك حوافز للابتكار أو للعمل الجاد للغالبية العظمى. كان النظام يعتمد على الاستيلاء على الثروات بدلاً من خلقها. وهذا يؤدي إلى الفقر والركود الاقتصادي. لم يتم تشجيع المشاركة السياسية. كانت السلطة بيد النخبة. ونتيجة لذلك، فشلت نوجاليس الجنوبية في تحقيق الازدهار مثل جارتها الشمالية. القصة تكررت في أماكن أخرى. في كوريا الجنوبية، انتقلت المؤسسات من استخراجية إلى شاملة، مما أدى إلى نمو اقتصادي سريع. بينما في كوريا الشمالية، ظلت المؤسسات استخراجية، مما أدى إلى الفقر والركود. في تاريخ إنجلترا، حدث تحول من مؤسسات استخراجية إلى شاملة بعد الثورة المجيدة عام 1688. هذا التحول أطلق العنان للابتكار والتطور الاقتصادي الذي قاد الثورة الصناعية. كانت المؤسسات الاستخراجية غالباً نتاج الاستعمار والأنظمة المستبدة. فقد بنى المستعمرون أنظمة استخراجية لنهب الثروات، ولم يهتموا بتنمية المجتمعات المحلية. هذه الأنظمة يمكن أن تخلق حلقة مفرغة من الفقر والركود. ولكن الأمل كان موجوداً دائماً. ففي اللحظات التاريخية الحاسمة، وعندما تحدثت تغيرات في ميزان القوى، كان من الممكن للمجتمعات أن تتحول نحو المؤسسات الشاملة. هذا التحول يبدأ غالباً من المؤسسات السياسية. عندما يتم توزيع السلطة على نطاق أوسع، يصبح من الصعب على النخب تركيز الثروة، ويصبح من الضروري بناء مؤسسات اقتصادية توفر الحوافز للجميع. في النهاية، قصة فشل الأمم ليست قصة نقص في الموارد أو الموقع. إنها قصة نقص في المؤسسات الشاملة التي تسمح للناس بإطلاق إمكانياتهم وتحقيق الازدهار. إن بناء هذه المؤسسات يتطلب جهداً سياسياً واجتماعياً، ويتجاوز مجرد الإصلاحات الاقتصادية السطحية. فالازدهار يأتي عندما تعمل المؤسسات الاقتصادية الشاملة للجميع، وتدعمها مؤسسات سياسية شاملة تمنع النخبة من الاستحواذ على المكاسب وتوزيعها على نطاق ضيق. هذا هو الدرس الأهم الذي تقدمه لنا هذه القصة.
...more
View all episodesView all episodes
Download on the App Store

حكايات من الكتبBy حكايات من الكتب