تبدأ قصتنا في عام 2011، ليس ببداية عادية، بل باكتشاف مفاجئ في المتحف البريطاني. كان هذا الاكتشاف هو السبب وراء ولادة كتابنا "القلب العاشق" لمؤلفته مارلين يالوم. كان الكشف جزءًا من كنوز "فيشبول" التي تم العثور عليها في إنجلترا عام 1966. وسط مشغولات حرفية فنية من العصور الوسطى، برز دبوس زينة (بروش) على شكل قلب، لفت الانتباه بشكله الرائع. كان هذا الدبوس مصنوعًا في فرنسا ومكتوبًا عليه "de tout" بمعنى "في كل شيء" وعلى الجانب الآخر "mon cuer" أي "قلبي". يأخذنا الكتاب في رحلة عبر التاريخ غير التقليدي للحب. نتعلم أن الارتباط بين القلب والحب كان شائعًا منذ العصور الرومانية. في ذلك الوقت، كان يُنسب الحب إلى الإلهة فينوس، وتصوروا سهام كيوبيد (ابن فينوس) تضرب القلوب فتُشعل فيها نار العشق. كتب شعراء رومان عظماء عن تجاربهم الغرامية مع محبوباتهم، مصورين المرأة كشخصية "دومينا" (مُسيطرة) تستولي على قلوبهم وعقولهم وتُخضعهم للعبودية العاطفية. حتى أن العملات الرومانية حملت شكل القلب. رحلتنا تستمر لنرى ظهور رمز القلب العاشق بقوة في أوروبا خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر. كان موطنه في مناطق مختلفة مثل كاتالونيا (شمال شرق إسبانيا)، وبروفانس (فرنسا)، وألمانيا، وإيطاليا. كان الشعراء الجوالون، المعروفون بالـ "تروبادور" في جنوب فرنسا، ينشرون عبادة القلب في العصور الوسطى. كانت أغانيهم وقصصهم تتردد على مسامع الجميع، من القصر إلى الريف. في فرنسا الريفية، كانت تُعرف الأمسيات التي يجتمع فيها الفلاحون بعد العمل بـ "veillées"، وكانت القصص الرومانسية هي السائدة فيها. انتشر تقديم القلب المرسوم بين الرجال والنساء، حيث كان القلب يُعتبر عالمًا متساويًا بينهما في ذلك الوقت. في العصور الوسطى أيضًا، بدأ القلب يُوصف بأنه يأخذ شكل "ثمرة الكمثرى" أو "الكمثري". هذا الوصف استخدمه الطبيب اليوناني جالينوس في القرن الثاني قبل الميلاد، واستمرت الجهات الطبية في العصور الوسطى في استخدامه. فلاسفة وأطباء مثل ابن سينا، ألبرتوس ماغنوس، هنري دي مونديڤيل، وموندينوس استخدموا هذا المصطلح لوصف قلب الإنسان. في تحول مثير، في عام 1480، نرى القلب يأخذ دورًا جديدًا في الأدب. في عمل للنبيل الفرنسي رينيه د'أنجو (الذي دُفن قلبه في أنجيه عام 1480)، يصبح القلب العاشق شخصية مستقلة. لأول مرة في الأدب الغربي، أصبح القلب يستطيع أن يفكر ويتكلم عن نفسه. مع حلول عصر النهضة، نلاحظ "عودة كيوبيد". بخلاف الفنانين السابقين، ركز فنانو النهضة على الموضوعات الرومانسية، وأحيوا شخصيتي فينوس وكيوبيد، وسرعان ما أصبحا أيقونتين للقلب. يظهر كيوبيد في العديد من الرسومات واللوحات. لكن الاستخدام الأكثر غرابة للقلب في هذه الفترة كان في خرائط العالم. ظهرت خرائط للعالم على شكل قلب في أوروبا في أوائل القرن السادس عشر، وكانت هذه الخرائط غالبًا تعكس أحدث الاكتشافات الجغرافية، بما فيها أمريكا. تستمر رحلة القلب لتشمل مفاهيم مثل "القلب المفتوح" ("Openhertighe Herten") الذي ظهر في كتاب يحمل نفس الاسم عام 1618، والذي دعا إلى أن يكون العشاق صادقين وشفافين مع بعضهم البعض. يمثل ذلك نافذة كبيرة في بيت القلب. استمرت أيقونة القلب وكيوبيد، لكن في القرنين السادس عشر والسابع عشر، زاد التركيز على القلب الدنيوي في الأراضي المسيحية. استخدمه كل من الكاثوليك والبروتستانت، وربطوه بمفاهيمهم الدينية. من أبرز الأمثلة على استخدام القلب في السياق الديني هو ختم مارتن لوثر. كان ختمه الشخصي عبارة عن قلب أحمر يحمل وردة بيضاء في وسطه وصليب أسود على الوردة. شرح لوثر في رسالة له أن هذه الصورة تحمل رمزية لاهوتية. كما نرى نقشًا آخر يصور الارتباط التوراتي بين الإنسان والإله من خلال القلب. هذا النقش يؤكد إيمان اليهود والكاثوليك والمسلمين قبل البروتستانت بأن الله يرى كل شيء داخل قلب الإنسان. وكانوا يؤمنون أن القلب يحتوي على الذات الروحية، النفسية، والمنطقية، والأخلاقية الكاملة للشخص. على مدار هذه الرحلة، نجد استخدامات للقلب قد لا تكون مرتبطة بالحب بالمعنى التقليدي. فمثلاً، نرى إناء شرب فضي رائع من بلاد فارس (إيران الحالية) يعود للقرن السادس الميلادي، مزخرفًا بنتوءات دائرية على شكل القلب. على الرغم من أن هذه الزخارف ليست قلوب بشر، إلا أنه يُرجح أنها كانت مرتبطة بالإناء المخصص للشرب، الذي يظهر فيه بوضوح حبوب العنب وأوراقه. هكذا، يأخذنا الكتاب في تاريخ غير تقليدي لرمز القلب، مظهرًا كيف تطور معناه وتصويره عبر العصور والثقافات المختلفة، من العشق الروماني إلى الرمزية الدينية، ومن الأشياء الصغيرة كالبروش والعملات إلى خرائط العالم بأكمله، ومن التعبير عن الحب في القصائد إلى تجسيد القلب كشخصية أدبية مستقلة. إنها قصة تطور رمز بسيط ولكنه عميق، يعكس تطور فهم البشر للحب، العاطفة، بل وحتى للذات والعالم.