حكايات من الكتب

السعادة - ما هي؟ وكيف الحصول عليها؟


Listen Later

يحكى أن إنساناً كان يبحث عن السعادة. لقد كان يرى أن جميع الناس يتفقون في طلب السعادة، ولكن القليل منهم من يحصل عليها. وكان يتساءل: ما هي السعادة؟ وكيف يمكن الحصول عليها؟. تعلّم هذا الإنسان أن السعادة هي الحياة الطيبة، وحقيقتها هي انشراح الصدر. وسبب انشراح الصدر هو شعور القلب بالراحة. وضد السعادة هو الشقاء، وهو المعيشة الضنك التي حقيقتها ضيق الصدر وشعور القلب بعدم الراحة. عرف أيضاً أن السعادة تجعل الإنسان لا يبالغ في الحزن على الماضي، ولا في النكد على الحاضر، ولا في الخوف من المستقبل. أدرك أن الإنسان مخلوق من جسد وروح. فللجسد سعادته الخاصة به التي تأتي عن طريق الأمور المحسوسة مثل المسموعات والمرئيات والمأكولات والمشروبات والمشمومات. وأما الروح، فهي نفخة من الملك، وسعادتها تكون عن طريق الملك، أي بامتثال الدين الذي شرعه الله ونزل به الملك. وهكذا، السعادة سعادتان: جسدية وروحية. ولا يكون الإنسان سعيداً حتى يُسعد جسده بروحه ويسعد روحه بجسده. اكتشف أن أول طريق السعادة هو الإسلام. فالمهتدي إلى الإسلام يكون منشرح الصدر، والضال عنه يكون ضيق الصدر. فالله خلق الإنسان من جسد وروح، وجعل في روحه حاجة للدين. من عرف الإسلام واهتدى إليه انشرح صدره، ومن ضل عنه ولم يعرفه أو عرفه ولم يعتنقه ضاق صدره. وتأمل في حال غير المسلمين الذين يعانون من ضيق الصدر، حتى أن منهم من ينتحر أو يفكر فيه. عرف أن نصيب المسلم من السعادة يتحدد بقدر علمه بالدين وإيمانه به وعمله بأحكامه. فالله جعل في الروح حاجة لمعرفة الأخبار الغيبية والإيمان بها لينضبط تصور الإنسان للغيبيات ويحيا حياة طيبة. كما جعل في الروح حاجة لمعرفة الأحكام والعمل بها لتنضبط عبادات الإنسان ومعاملاته ويحيا حياة طيبة. تعرف على من هم السعداء حقاً: إنهم المسلمون الذين يستقيمون على دينهم. وأكملهم سعادة هم أكثرهم حرصاً على إسعاد أرواحهم (بالدين) وأقلهم توسعاً في إسعاد أجسادهم (بالمتع المباحة) بدون تشدد. وهناك أربعة أصناف من المسلمين: الصنف الأول هم الأقل سعادة، يكتفون بكونهم مسلمين لكن يتركون الواجبات ويفعلون المحرمات ويتوسعون في إمتاع الجسد بالحلال والحرام. الصنف الثاني يتجنبون المحرمات وال مكروهات لكنهم يتوسعون في إمتاع الجسد بالمتع المباحة. الصنف الثالث وهم أكمل المسلمين سعادة، يفعلون الواجبات ويتركون المحرمات ويحرصون على المستحبات وترك المكروهات، ولا يهمهم التوسع في متع الجسد بل يأخذون منها ما يحتاجون إليه فقط. الصنف الرابع قد يكونون متشددين ويمنعون أنفسهم من المتع المباحة، فيشعرون بسعادة روحية عظيمة لكنهم يشقون أجسادهم بلا فائدة، وهذا من جهلهم بالدين القويم. علم أن من علامات السعداء توجه قلوبهم للآخرة واحتقار الدنيا. وهذا لا يعني ترك العمل وطلب الرزق، بل يعني أن الدنيا لا يكون لها قدر كبير في النفس، ويأخذ منها الإنسان ما يحتاج فقط. وتعلم أن من صفات السعداء التحلي بالشكر والصبر. فإذا ابتُلي بالخير شكر، وإذا ابتُلي بالشر صبر. والذي يشكر و يصبر يكون سعيداً، والذي يزيد على ذلك ك مقابلة الإساءة بالإحسان تزداد سعادته. تساءل: كيف يكون المبتلى بمصيبة سعيداً؟. علم أن المسلم المستقيم على دينه هو من السعداء. وإذا كان قلبه متوجهاً للآخرة ومحتقراً للدنيا، فهذه علامة على سعادته. وإذا كان متحلياً بالشكر والصبر، فهذه صفة من صفات السعداء. وإذا ابتُلي بمصيبة، فهناك ثلاث خطوات تساعد على الثبات على السعادة أو زيادتها:
  • الخطوة الأولى: تذكر أن السعيد حقاً هو من تمسك بدينه، وأن الشقي حقاً هو من فرَّط في دينه. فاجعل فرحك بتمسكك بدينك سبباً لتقليل الحزن من مصيبة دنياك. قصص مثل قصة الطبيب الذي فقد سعادته رغم راتبه الكبير عندما فرَّط في الصلاة، وقصة الرجل الآخر الذي وجد سعادته في بساطة الحياة والالتزام بالدين بعد أن كان يشعر بالمشقة في حياته الدنيوية المليئة بالأعمال الكبيرة، تؤكد هذه الحقيقة.
  • الخطوة الثانية: تذكر النعم العظيمة التي حصلت عليها كالأمن في الوطن، والصحة في البدن، والقوت الأساسي. فهذه النعم لا تُعد المصائب شيئاً بجانبها. تذكر من فقدوا الطعام والأمن أو يعانون من الأمراض المستعصية. قصة الصديق الذي كان يحزن لعدم وجود وظيفة، لكنه أدرك أنه يملك نعمة الصحة التي قد يتمنى الأغنياء إنفاق أموالهم للحصول عليها، علَّمته أن تذكر النعم يقلل الحزن من المصيبة.
  • الخطوة الثالثة: توجه إلى الله بالدعاء. اعلم أن ربك الحكيم الذي ابتلاك هيأ لك باباً للتخلص مما أنت فيه وهو الدعاء. الله يسمعك ويراك وقادر على تحقيق ما تريد، وقد وعد بالإجابة. عوِّد نفسك على الدعاء بإلحاح وتضرع. قصة الشاب طالب العلم الذي كان فقيراً ودعا الله كثيراً وتضرع إليه ليتزوج، حتى رأى وجه فتاة يعرفها في صغره في سجوده، وتم زواجه منها بفضل الله، تبين قوة الدعاء.
وأخيراً، علم أن كمال السعادة هو في الآخرة. فالدنيا سفر طويل يؤدي إلى الموت، ثم القبر، ثم البعث، ثم الحشر، ثم الحساب، ثم الجزاء إما جنة وإما نار. السعيد في الدنيا (المستقيم على الدين) هو السعيد في الآخرة. عند الموت تبشره الملائكة بالجنة. في القبر يرى مكانه فيها. في البعث يكون أكثر سعادة لاقتراب موعد دخول الجنة. في الحشر يكون في ظل الله. وفي الحساب يكون حسابه يسيراً. ثم يدخل الجنة دار السعادة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. أهلها ينعمون فيها فلا يموتون أبداً، ولا يسقمون أبداً، ولا يهرمون أبداً، ولا يبأسون أبداً. وأعظم نعمة في الجنة هي النظر إلى وجه الله الكريم. وقد رأى حالة المفرط في دينه الذي يعيش في نكد ويتخوف من عاقبته. وسمع قصة الشاب المريض الذي كان متهاوناً في الصلاة وتركها، ورغم تذكيره ودعوته للرجوع والصلاة لينجو من النار ويدخل الجنة، أصر على الرفض حتى مات على حاله تلك. بهذا، فهم الإنسان الباحث عن السعادة أن الطريق إليها يبدأ بالاستقامة على دين الله، والتحلي بصفات السعداء، والصبر والشكر عند الابتلاء، والتوجه إلى الله بالدعاء، وأن السعادة الحقيقية والكاملة لا تكون إلا في الآخرة.
...more
View all episodesView all episodes
Download on the App Store

حكايات من الكتبBy حكايات من الكتب