ما لم أَستطع قوله لأحدهم ذاك الصباح
أريدُ أن أُمسك بلحظاتِ الضعف
وأُلقي بها في الهواء..
أريدُ أن أكتب ما لم أَستطِع قوله لأحدهم ذاك الصباح،
ونحن نتحدثُ عن الجوِّ الرائعِ في مدينةٍ غريبةٍ
بحديقةٍ في منتصف ميدانٍ عامّ.
أريد أن أكتب عن خوفي
أن تهترئ بلادي
مثلما اهترأ آخرُ قميصٍ اشتراه ناظم حكمت من بلاده..
أريدُ أن أكتبَ عن أيلول
وعن خوفي من اللون الأصفر
والنهاراتِ السريعة التي تمرّ علينا
ونحن نستمعُ إلى أغانٍ شعبيةٍ
لشعبٍ آخَرَ
لكنني في كلِّ مرَّة كنتُ أُولَدُ في أبريل
وُلدتُ بجوار النيل والبوسفور
وقلعة صلاح الدين وبرج غَلَطة
وفي كلِّ مرَّةٍ
كان يهمسُ الربيع في أذني ويقولُ:
يُمكن للزمانِ أن يكونَ هُويَّةً
ويُمكنُ أن تُصاحبَ شجرةً
يُمكن أن تُلقي باسمكَ في الهواء
وأنتَ تمشي في الطريق من "أيوب سلطان" حتى "بلاط"
ثم تجلس في "إدرنة قابي"
وتُسندَ ظهركَ إلى سور القسطنطينيةِ القديم
وتسألَ نفسك:
ماذا كنتَ ستفعل لو لم يعبر جيشُ السلطانِ من هذه البوابة؟
لا تضيِّع وقتكَ في البحث عن اسمٍ جديد
يُمكنكَ أن تُصاحبَ شَغفكَ بالبيوت الخشبية
وأن تفكّرَ في الحكاياتِ
ربما خلف تلك الشبابيك القديمة
كانت تجلسُ امرأةٌ أرمنيةٌ
تشربُ النبيذَ، وتدوِّنُ بشجاعةٍ ليست لك
حياتَها الشخصيةَ داخل الحكاية.
يُمكنُ وأنتَ تتعلّم كلماتٍ بسيطة في لغةٍ أُخرى
أن تفكِّرَ في هذه الكلمات من جديد:
سريرٌ، حائطٌ، بيتٌ، شارعٌ، حيٌّ، مدينةٌ.
هل تخيلتَ من قبلُ أن تفكِّر في كلمة "مدينة"
وأنتَ تحلق ذقنكَ في صباحٍ ما
بحمّامِ بيتكَ في إسطنبول
وتدندن أُغنية عبد الوهاب: "كل البلاد عندي أوطان"؟
المدينة: كلمة فضفاضةٌ كأحلام الغزاةِ، ومعقَّدةٌ كالنقوش الحجريَّةِ...
ضواحي المدينةِ، ووَسَطُ المدينة
الشوارع الشهيرة في المدينة، والشوارع الخلفيَّة
الأحياءُ المُحَافِظَةُ في المدينة، والحياةُ الليليَّةُ للمدينةِ
المدينةُ المقاومةُ، شعراءُ المدينةِ،
وأغاني المهاجرين من تلك المدينة إلى هذه المدينة.
يمكنكَ أن تكتبَ في دفتر يومياتِكَ قبل أن تنام:
"رأيتُ مسيرةً يمشي فيها الثوار من مدينةٍ إلى مدينة"،
وأن تكتبَ عن المرأةِ التي أحببتَها في مدينةٍ جنوبيةٍ صغيرة