الجزيرة التي تلقب بجزيرة القرنفل هي جزيرة "زنجبار"، وهي الجزيرة التي اتخذها السلطان سعيد بن سلطان عاصمة لأملاكه في شرق أفريقيا منذ عام 1832م. وقد شكل ذلك حدثاً فارقاً في تاريخ زنجبار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وتحولاً مهماً في حياة أهلها الأصليين من الأفارقة وسكانها العرب القدامى والجدد. ولعل من أبرز التحولات التي رافقت استقرار السيد سعيد في زنجبار هو التوسع في زراعة القرنفل، وتشجيع السيد سعيد على زراعته في كل من زنجبار وبمبا (الجزيرة الخضراء) حتى أضحى القرنفل هو المحصول الرئيس الذي تنتجه زنجبار.
متى دخل القرنفل إلى زنجبار؟
يوجد خلاف بين المؤرخين حول الكيفية التي أدخلت بها زراعة القرنفل إلى زنجبار، وتاريخ حدوث ذلك؛ ويعود سبب هذا التباين في الروايات إلى أن القرنفل لم يجلب الانتباه في زنجبار إلا بعد زراعته على نطاق واسع وبعد أن أصبحت له جدوى اقتصادية في الجزيرة. تقول إحدى الروايات إن القرنفل "أُدخل إلى زنجبار عن طريق عدد من التجار الفرنسيين العاملين في تجارة الرقيق"، بينما يرى آخرون أن تاجراً فرنسياً اسمه ساوس هو من أدخل القرنفل إلى زنجبار، وجلبه من إحدى الجزر القريبة الواقعة تحت السيطرة الفرنسية. وهناك روايات تقول إن: "القرنفل جلب من جزيرة موريشيوس الفرنسية، وإن أحد العرب العُمانيين ويدعى صالح بن حريمل العبري هو من قام بذلك في العام 1818م".ويورد المؤرخ المغيري في كتابه جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار روايتين حول إدخال القرنفل إلى زنجبار: الأولى مفادها أن السيد سعيد بن سلطان أرسل شخصاً اسمه صالح بن حريمل لكي يجلب بذور القرنفل من بعض جزر الهند. أما الرواية الثانية فتقول إن: "عبد العلي العجمي هو الشخص الذي أرسله السيد سعيد لإحضار شتلات القرنفل من جزيرة موريشيوس"، وكان ذلك في العام 1828م. إن رواية المغيري الخاصة بتاريخ إدخال القرنفل إلى زنجبار تبدو ضعيفة أمام التقارير التجارية للدول التي كان لها نشاط تجاري في شرق إفريقيا. إذ يذكر أن أول كمية من القرنفل الزنجباري صُدرت في العام 1832م، لذا فإن فترة أربع سنوات (1828-1832م) غير كافية لإنبات القرنفل وتصديره، فالقرنفل نبات بطيء النمو، ويحتاج من ست إلى ثمان سنوات لينضج، وهو من الأشجار المعمرة؛ إذ يصل عمر شجرة القرنفل إلى أكثر من 100 عام.وتشير تقارير بومباي التجارية إلى أن كميات قليلة من القرنفل استوردت من زنجبار بين أعوام 1823 و1833م، بينما تشير تقارير التجار الأمريكيين إلى أن أول شحنة من قرنفل زنجبار صُدرت إلى أمريكا كانت في عام 1830م، لذلك فإن الأرجح أن عام 1818م كان هو عام ظهور القرنفل في زنجبار.كان العدد الأكبر من مزارع القرنفل في زنجبار ملكاً للسلطان سعيد وأفراد الأسرة الحاكمة؛ إذ يذكر أن ثلثي إنتاج القرنفل في زنجبار كان مصدره مزارع السلطان سعيد. ولم يقتصر امتلاك مزارع القرنفل الشاسعة على البوسعيديين، بل إن قبائل أخرى مثل الحرث وبني ريام والمزاريع كان أفرادها يملكون مساحات واسعة من مزارع القرنفل. كان اهتمام السيد سعيد بالقرنفل والتوسع في زراعته بعد نجاح التجربة نابعاً من إدراكه للقيمة الاقتصادية للقرنفل وقدرة هذا المحصول على دعم مكانة زنجبار التجارية، فأمر السيد سعيد كل صاحب مزرعة من العرب بغرس ثلاث شجرات من القرنفل بدلاً من كل شجرة نارجيل (جوز الهند). من هنا بدأ القرنفل يشكل نقطة تحول كبيرة في حياة العُمانيين الاقتصادية في زنجبار؛ فنجاح المحصول وما جلبه من ثراء دفع الكثير من العُمانيين إلى التحول من التجارة إلى الزراعة، ومن قادة للقوافل التجارية إلى مُلاك للأراضي.كان من نتائج اتجاه العُمانيين إلى الزراعة تحولهم إلى حياة الاستقرار بدلا من حياة التجول والترحال التي تقوم عليها التجارة، ولعل ربط المغيري مسألة تطور العمارة في مدينة زنجبار بما تمثله من قصور ومساجد ببدء زراعة القرنفل يدلنا على مظهر ذلك التحول، وكيف أن الثراء الذي وفره القرنفل كان الدافع للاستقرار وتطور العمران. عموماً، إن زراعة القرنفل في زنجبار كان لها آثار اجتماعية واقتصادية عميقة على سكان زنجبار بشكل عام والعُمانيين بشكل خاص. وأصبحت زنجبار من خلال القرنفل ميناءً رئيسياً على السواحل الشرقية لإفريقيا بعد أن كانت جزيرة صغيرة تزورها السفن التجارية لأخذ الماء وبعض الحاجات.يذكر المغيري في كتابه "جهينة الأخبار" عن دور القرنفل في الحياة الاجتماعية والاقتصادية لسكان زنجبار، إذ يقول: "لقد بقيت شجرة القرنفل مأثرة جديدة من مآثر السيد سعيد، وهي والحق يقال إنها الغاية في الحسن والجمال، ومأثرة تخلد اسم ذلك الرجل الذي لولاه لم تكن زنجبار شيئاً مذكوراً...". ويضيف: "... إن مهاجرة العرب العُمانيين وغير العُمانيين وسائر الأجناس إلى زنجبار إنما هي من جوانب أسباب وجود شجرة القرنفل، وليس من البعيد لولا وجود هذه الشجرة في زنجبار أن ينقطع المهاجرون عنها من العرب وغيرهم..."
يذكر الكاتب صامويل أياني في كتابه (تاريخ زنجبار): "إن تاريخ زنجبار كتبته الرياح"، وتعقيباً عليه يقول الباحث العُماني الدكتور سليمان الكيومي: "إن جزءاً آخر من تاريخ زنجبار كتبته أشجار القرنفل".ختام القول، عاشت زنجبار "جزيرة القرنفل" عصرها الذهبي في ظل الحكام العُمانيين وازدهرت اقتصاديا وثقافيا، حيث أسس العُمانيون فيها حضارة معمارية وثقافية، جعلت منها وجهة للهجرة والاستقرار، حتى أطلق البعض عليها (أندلس أفريقيا). ولم تأت هذه التسمية اعتباطا، ولكنها أكدت الدور الذي لعبه العُمانيون في بناء حضارة عُمانية أفريقية، ولم يكن هدفهم فقط السيطرة على الحكم، ولكنهم اهتموا بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ونهضوا بالثقافة والتراث، وساهموا في نشر الإسلام في جزيرة زنجبار وباقي الجزر.