الجزيرة التي كانت منفى للسيد خالد بن برغش هي جزيرة سانت هيلانة. تعد جزيرة سانت هيلانة واحدة من أشهر المنافي في التاريخ الحديث وهي جزيرة تقع في المحيط الأطلسي، وسميت بذلك نسبة إلى القديسة هيلانة أم الامبراطور قسطنطين. وهذه الجزيرة إحدى الممتلكات البريطانية النائية الواقعة بين قارتي أفريقيا وأمريكا الجنوبية استخدمها الإنجليز في البداية كمرفأ لتوقف سفن الشحن، وهي بهذا الموقع تعد معزولة عن العالم لذلك كانت منفىً مناسباً منذ عام ١٦٩٥م لكل من تقرر الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس عقوبته، ومن أشهر الشخصيات المنفية إلى جزيرة سانت هيلانة:
- الامبراطور الفرنسي نابليون بونابرت: تم نفيه في عام ١٨١٥م وتوفي بالجزيرة في عام ١٨٢١م.- السيد خالد بن برغش بن سعيد وأسرته: تم نفيه منذ ١٩١٧م حتى العام ١٩٢١م.ارتبط اسم السيد خالد بن برغش في التاريخ العُماني كونه السلطان الأقصر في فترة حكمه، فهو السلطان السادس من سلاطين أسرة البوسعيد الذي اعتلى عرش سلطنة زنجبار حيث تولى الحكم لمدة يومين: ٢٥ أغسطس ١٨٩٦م وحتى ٢٧ أغسطس ١٨٩٦م، وسبقه في تولي الحكم السلطان حمد بن ثويني (1310-1314هـ/ 1893-1896م)، وخلفه السلطان حمود بن محمد (1314-1320هـ/ 1896-1902م). والحدث الأهم الذي ارتبط بالسيد خالد بن برغش أنه خاض أقصر حرب في التاريخ -حسب المصادر، استمرت ما بين 25 إلى 45 دقيقة- والتي تعرف تاريخياً بالحرب الإنجليزية الزنجبارية، والأدق تسميتها بالعدوان الغاشم من قبل الإنجليز على سلطان زنجبار، وكان نتيجة هذا العدوان الغاشم هزيمة السيد خالد في ونفيه إلى دار السلام التي كانت تحت الاستعمار الألماني.
كيف ولماذا نُفي السيد خالد بن برغش إلى جزيرة سانت هيلانة؟
عندما خرجت ألمانيا منهزمة من الحرب العالمية الأولى (١٩١٤-١٩١٨م) استولت بريطانيا على أملاكها في شرق إفريقيا بما فيها دار السلام وسائر المستعمرات الألمانية الإفريقية، وبما أن السيد خالد كان منفياً إلى دار السلام بعد فشل محاولته الثانية في تولي عرش السلطة في زنجبار، قام الإنجليز بنقله إلى منفى آخر، فيذكر المؤرخ سعيد بن علي المغيري أن الانجليز ألقوا القبض على السيد خالد في عام ١٩١٧م، واستمرت رحلة النفي في حياته، فبعد لجوئه إلى دار السلام منذ عام ١٨٩٦م وحتى عام ١٩١٧م (٢١ عاماً) نفاه الإنجليز إلى أكثر من وجهة، فالوجهة الأولى كانت سانت هيلانة، ثم جزيرة سيشل، ثم ممباسة التي توفي فيها يوم ١٤ رمضان ١٣٤٥هــ/ ١٧ مارس ١٩٢٧م. وبحسب ما يذكره المغيري فالسيد خالد مكث في منفاه في جزيرة سانت هيلانة حوالي أربع سنوات ونصف وقد أشار ذلك السيد خالد في رسالته التي وجهها إلى ابن ابن عمه السلطان خليفة بن حارب (1329-1380هـ/ 1911-1960م) والمقيم البريطاني في زنجبار في شوال ١٣٣٩هــ/ يونيو 1921م- عندما توقف في جزيرة زنجبار قادماً من جزيرة سانت هيلانة-. وطلب منه الاستقرار في زنجبار. حيث استلم السلطان خليفة بن حارب رسالة السيد خالد وبعد قراءة الرسالة استشار المقيم البريطاني، فأشار عليه بتجاهل أمرها، وعدم الرد على السيد خالد، وبهذا غادرت السفينة ميناء زنجبار بالسيد خالد وأسرته إلى منفاه في جزيرة سيشل. إن قراءة متأنية لهذه الرسالة توضح حجم الذل الذي مارسه الإنجليز على السيد خالد ويمكن تفسير ذلك بعدد من الأسباب:
- محاولات السيد خالد بن برغش في تولي عرش زنجبار: لم ينس الانجليز محاولة السيد خالد في انتزاع الحكم في زنجبار بالقوة والتي رأوها إهانة لهم، وتحدي لسلطتهم، حيث أن زنجبار منذ عام 1890م أصبحت رسمياً تحت الحماية البريطانية،وفق ما نصت عليه اتفاقية هيلغولاند-زنجبار بتاريخ 1 يوليو 1890م التي وقعت بين ألمانيا وبريطانيا في العاصمة الألمانية برلين ومن ضمن البنود التي نصت عليها المعاهدة اعتراف ألمانيا بالحماية البريطانية على زنجبار أي تخليها عن اعترافها باستقلال زنجبار مقابل تخلي بريطانيا عن جزيرة هوليغلاند الواقعة في بحر الشمال لصالح ألمانيا،
وأصبح بموجب اتفاقية الحماية أن يتم تعيين سلاطين زنجبار بموجب إرادة ملكية تصدر عن ملكة بريطانيا، وليس للإرادة الشعبية اعتبار في ذلك. ولذلك فإن موقف السيد خالد شكل خرقاً صارخاً للاتفاقية؛ ففي المحاولة الأولى خرج السيد خالد طواعية من قصر الحكم، وفي المرة الثانية أصرَّ على موقفه بأحقيته في الحكم، مما دفع بالإدارة الإنجليزية في زنجبار إلى اختيار بديل العمل العسكري لإخراج السيد خالد من قصر الحكم.-
لجوء السيد خالد بن برغش للقنصل الألماني زنجبار ثم انتقاله إلى دار السلام: بعد فشل المحاولة الثانية خرج السيد خالد من القصر إلى القنصلية الألمانية في زنجبار بعد حصوله على الحماية الألمانية متوجهاً بعدها إلى دار السلام كلاجئ سياسي، حيث مكث السيد خالد بن برغش في كنف الحماية الألمانية في دار السلام منذ عام 1896م، حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى (1914-1918م)، وعندما خسر الألمان الحرب عرض عليه قيصر ألمانيا – بعد أن منيت بلاده بالهزيمة– الانتقال إلى برلين والعيش فيها؛ لكنه آثر البقاء في ممباسا.
- موقف السيد خالد من الحرب العالمية وتشجيعه العرب في الوقوف مع الألمان ضد الانجليز: وهو ما يذكره المغيري قائلاً: "إن السيد خالد بن برغش بن سعيد الذي احتمى بألمانيا، لما ضربت زنجبار عام ١٩١٤م في الحرب بين ألمانيا وبريطانيا جمع العرب في بلدة تبوره، وطلب منهم أن يعضدوا ألمانيا في هذه الحرب، فأجابوه بالقبول".لكل تلك الأسباب كان للإنجليز رأي آخر، فبعد خروج الألمان من دار السلام إثر هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى، وجدوها فرصة سانحة للانتقام من السيد خالد فألقوا القبض عليه، ونفوه إلى جزيرة سانت هيلانة ثم جزيرة سيشل عام 1340هـ/ 1921م. وبقي في جزيرة سيشل حتى عام 1922م، حيث سمحت الإدارة البريطانية للسيد خالد بالعودة إلى شرق إفريقيا، ولكن إلى ممباسا وليس إلى زنجبار، بعد أن أخذت منه تعهداً بعدم المطالبة بعرش زنجبار نتيجة تدخل والي ممباسا السيد علي بن سالم البوسعيدي الذي شفع للسيد خالد عند محافظ الإدارة الإنجليزية لكينيا المستعمرة وكينيا المحمية في العاصمة نيروبي، وتعهد أمامه بأن تكون إقامته في ممباسا بمعزل عن السياسة، وعاش في ممباسا حتى وفاته في عام 1927م. ومما يذكر في هذا المقام أيضاً، أن السيد خالد تقدم بطلب في عام 1923م إلى والي ممباسا السيد علي بن سالم البوسعيدي أن يتشفع له ثانية عند الإدارة الإنجليزية للسماح له بالسفر إلى تنجانيقا بين الحين والآخر لتغيير الجو ولمتابعة شؤونه الخاصه، ولتعثر نفسيته في ممباسا، واشتياقه إلى المكان الذي عاش فيه لواحد وعشرين عاماً، بعد العدوان الإنجليزي على قصره؛ إلا أن السيد علي بن سالم بحسب، تلقى رداً محبطاً ومخيباً للآمال من الإدارة الإنجليزية في نيروبي، التي أفادت أنها حولت الالتماس إلى محافظ تنجانيقا والذي جاء رده: "أن السيد خالد لا يزال شخصاً غير مرغوب فيه"، مضيفاً: "وإذا كانت حياته الآن في ممباسا متسمة بالكآبة وفقدان السعادة؛ فإن ذلك مرده كلياً إلى خطيئته في الماضي، التي يجب أن يتحمل عواقبها".