جزيرة مقلب أو اسمها الأشهر جزيرة تلغراف تعد من المعالم السياحية التي تشتهر بها محافظة مسندم في سلطنة عُمان. وهي عبارة عن جزيرة صغيرة تقعفي ولاية خصب وبالتحديد في خور شم وهو أحد الأخوار المشهورة التي اعتاد الزوار والسياح زيارتها في محافظة مسندم. وهذه الجزيرة صغيرة المساحة محاطة بمنطقة صخرية تشكل منظرا مذهلا مع المضايق وعُــرفت المنطقة باسم "نرويج الشرق الأوسط"، حيث يستطيع الزوار مشاهدة التضاريس الجبلية، والتكوينات الجيولوجية، وطبوغرافية الموقع، إضافة إلى التمتع بمشاهدة الدلافين خلال مواكبتها خط سير السفن والقوارب السياحية، ما يمثل تجربة لا يجب تفويتها خلال زيارة محافظة مسندم. وتتمثل أهمية هذه الجزيرة (جزيرة تلغراف) في أنها تُعد حاضنة لأول خط للاتصالات الحديثة في الخليج، حيث تم مد كابل بحري بين مدينة مومباي في الهند ومدينة البصرة في العراق، لتكون جزيرة تلغراف هي محطة الإرسال ومن هنا أخذت اسم جزيرة تلغراف اسمها نسبًة لمروره في أراضيها وكانت سابقاً -كما ذكرنا- تعرف بجزيرة مقلب، ومما يدل على أهمية موقعها الجغرافي، وقوعها على مقربة من مضيق هرمز، الذي يُعد أحد أهم الممرات البحرية في العالم، واليوم يعد بوابة مرور النفط من الخليج إلى العالم. وتاريخيًا تم وصل كابل التلغراف البحري الممتد من جوادر إلى مقلب، بعد توقيع معاهدة مع السلطان ثويني بن سعيد في نوفمبر من عام 1864م على اعتبار أنها مناطق تقع تحت السيادة العُمانية. وجاءت هذه الاتفاقية بعد تأكيد تقارير السير "لويس بيلي" المقيم البريطاني في الخليج في مراسلاته للحكومة البريطانية عام 1863م، على أهمية مسندم، وأنها أفضل من بوشهر في إقامة مقر للمقيمية البريطانية في الخليج، وذلك لمجموعة من الأسباب أبرزها: وجود ميناء حر، وموقع مميز، وسهولة الملاحة والاتصال مع باقي أجزاء ومناطق الخليج القريبة مثل: مسقط وفارس والبحرين، لهذه الأسباب جاء تركيز نفوذ بريطانيا في مسندم من أجل التحكم والسيطرة على الملاحة ثم إقامة مرسى بحري في رأس مسندم ومحطة للتلغراف، ليربط أجزاء الامبراطورية البريطانية ببعضها البعض من شبه جزيرة مسندم. وعموماً الموقع الاستراتيجي المهم لشبه جزيرة مسندم هيأ لها لعب أدوار سياسية مهمة خلال مراحل تاريخية مختلفة.وبالحديث عن مسندم نقول بأنها إحدى محافظات سلطنة عُمان الإحدى عشر وهي جزء أصيل من التراب العُماني، وتاريخها قديم قدم الإنسان العُماني فيها، وقد ارتبط تاريخها بأهمية موقعها الاستراتيجي، حيث تشرف على أهم معبر بين بحر عُمان والخليج العربي؛ وهو مضيق مسندم المعروف عالميا اليوم بمضيق هرمز. هيأت الطبيعة الجغرافية لشبه جزيرة مسندم موقعا جغرافياً استراتيجياً متفرداً، خلق لها بعداً اقتصادياً مهماً بإطلالتها على مضيق هرمز أحد أكثر الممرات الدولية أهميةً وحيويةً.تشير المصادر إلى أن شبه جزيرة مسندم عُرفت تاريخياً بأكثر من اسم، منها: رؤوس الجبال وماكيتا، رأس ماكا، رأس مجان. وأقدم الإشارات التاريخية عن شبه جزيرة مسندم (ماكيتا/ رؤوس الجبال) خلال عصورها القديمة وعن سكانها، جميعها جاءت من مصادر خارجية متعددة، يعود أقدمها إلى الألف الثالث قبل الميلاد، أما أحدثها فيعود تاريخه إلى القرن السادس الميلادي، ومن تلك المصادر: سجلات ملوك (سومر) و(أكاد) و(أشور) وملوك الدولة الكلدانية، والتوراة (كتاب العهد القديم) والنقوش الفارسية، والمصادر الكلاسيكية (اليونانية والرومانية)، والنقوش اليمنية القديمة وبالأخص الحميرية.وتاريخياً تعد مسندم والجزر المتناثرة حولها جزء من مملكة مجان التي ذُكرت في بعض النصوص المسمارية، السومرية – الأكادية بـ (أرض الجبال) نسبة لجبال عُمان (جبال الحجر). ففي وثيقة شهيرة للملك (سرجون الأكادي) عن توسعاته العسكرية يذكر فيها: "إن الإله أنليل أعطاه البحرين الأعلى (البحر المتوسط) والأسفل (الخليج العربي)". وفي نص آخر يذكر سرجون الأكادي أنه: "جعل سفن دلمون ومجان وملوخا ترسو في ميناء أكاد". كما يرد ذكر مسندم في الكتابات اليونانية والرومانية، فقد وصف المؤرخ الإغريقي (هيرودتس) رحلة الملاح اليوناني (نيارخس) الذي أمره الإسكندر المقدوني عام (325 ق.م) بالإبحار في أسطول من مصب نهر الهندوس مجارياً ساحل مكران حتى الخليج العربي، ليكتشف ساحله، ومراسيه، وعادات وتقاليد السكان فيه، وأهم ما لفت انتباه ذلك الملاح في الجزء الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية رأس صخري بارز مقابل ساحل (كرمان) اسمه (ماكيتا Maketa) أي رأس ماكا أو مجان، وحصل على أخبار ضئيلة جداً، تفيد بأن القرفة والتوابل تشحن من ميناء (ماكيتا) إلى بلاد أشور، وأصبح الاسم (ماكا) في الكتابات اليونانية والرومانية ولمدة طويلة، يطلق على شبه جزيرة مسندم فقط. وهذه التسمية (رأس ماكا أو مجان) ذكرها (بلينوس) أيضا، ويذهب بعض المؤرخين إلى أن تسمية (كادي) السامية يقابلها اسم (ماكا) في الفارسية القديمة.وترد شبه جزيرة مسندم كذلك عند الجغرافي سترابو وهو من أوائل من تحدث عن عُمان في عصورها القديمة من الكُتَّاب الكلاسيكيين، حيث اعتبر الرأس الصخري الطويل (ماكيتا Maketa)، نقطة ارتكاز، وذكر أن (ماكا Macae) أقرب الرؤوس الواقعة على الساحل العربي إلى الساحل الفارسي المقابل. كما ترد مسندم كذلك في النقوش اليمنية فأول إشارة إليها باسم (رؤوس الجبال) جاءت في نقش حميري يتحدث عن غارة عسكرية شنتها القوات الحميرية على مينائي خور (شعم) وخور(فكان) في رؤوس الجبال، دُوِّن النقش عام 510م. ختاماً نقول أن الطبيعة الجغرافية لعُمان عموماً هي التي منحت العُماني أدوات ومفاتيح التواصل مع غيره من الشعوب ولم يكن موقع عُمان الاستراتيجي مجرد عامل جغرافي فحسب، بل كان مصدراً من مصادر تشكيل التاريخ العُماني والحضارة العُمانية.