جوادر ميناء ومدينة تقع على ساحل مكران كانت تحت السيادة العُمانية منذ عام 1792م منذ عهد السيد سلطان بن أحمد البوسعيدي وحتى عام 1958م حيث خرجت عن السيادة العُمانية في عهد السلطان سعيد بن تيمور بموجب اتفاقية تم التوافق عليها.تقع جوادر حالياً في أقصى الجنوب الغربي لباكستان، وتحتل موقعا استراتيجيا مهما على بحر العرب، فهي تمثل الجزء الساحلي لإقليم بلوشستان القريب من الحدود الإيرانية، وتبعد عن مدينة كراتشي 700 ميل. تتألف مقاطعة جوادر من مدينة جوادر ومينائها بالإضافة إلى ميناءين صغيرين أحدهما في الشرق والآخر في الغرب وعدد من القرى الصغيرة. وهي مدينة مهمة على ساحل مكران، أطلقت عليها عدة تسميات: جوادر، غوادر، جواذر، جوادور والجوادر وكوادر وبندر جوادر وجيب جوادر وكواتر.وكتتبع تاريخي بسيط، نقول بأن جوادر خضعت للتأثيرات البرتغالية منذ مطلع القرن السادس عشر الميلادي، وبعد رحيل البرتغاليين خضعت للحكام المحليين. وفي عهد دولة اليعاربة بدأ التأثير العُماني يصل إلى جوادر. أما في عهد الدولة البوسعيدية أخذت جوادر تلعب دورا بارزا في الصراعات الداخلية العُمانية مما مهد إلحاقها بالسيادة العُمانية.كيف أصبحت جوادر تحت السيادة العُمانية؟اتخذ السيد سلطان بن أحمد جوادر ملجأً له في عام 1784م بعد خلافه مع والده الإمام أحمد بن سعيد عام 1784م ووجد ترحيبا من قبل بعض زعماء البلوش وأهمهم ناصر خان حاكم كلات الذي منحه قطعة أرض على الشاطئ لكي تكون قاعدة له. بعد وصول السيد سلطان بن أحمد للحكم عام 1792م اتخذ من جوادر قاعدة لحملاته على الساحل العربي المقابل واتخذ الكثير من التدابير للاحتفاظ بها تحت السيادة العُمانية، فأرسل إليها قوة بقيادة يوسف بن علي وعينه واليا عليها ليعزز من سلطته في المنطقة. شهدت جوادر في ظل السيادة العُمانية الكثير من التطور فتفوقت على مينائي باسني وجيونري، بعد أن كانت أقل منهما. وظلت محط أنظار الكثير من القوى المحلية والإقليمية فتعرضت لغارات متكررة من قبل بعض الحكام المحليين والقبائل المجاورة كما تعرضت لهجمات خارجية من قبل الفرس والقواسم. وعندما شهدت عُمان مظاهر الصراعات الداخلية بعد وفاة السيد ثويني بن سعيد عام 1866م أدى ذلك إلى ضياع الممتلكات العُمانية في الخارج ولم يبق إلا جوادر.كان والي جوادر تابعا لسلطان مسقط مباشرة ويمارس عمله في مقره الدائم في القلعة التي كانت تعرف بقلعة الوالي. وفي ظل السيادة العُمانية على جوادر انتعشت الأوضاع الاقتصادية للمنطقة. ازدادت أهمية جوادر في الستينات من القرن التاسع عشر بعد قيام بريطانيا باتخاذها ممرا لخطوط البرق الممتدة من شبه القارة الهندية ورأس الخليج العربي، وعقدت معاهدة مع السيد ثويني في عام 1864م تتيح لها مد خطوط البرق في عُمان وتوابعها. وبعد توقيع معاهدة البرق تخلت فارس عن مطالبتها بجوادر، كما تخلت عن مطالبتها بتسمية الساحل الممتد من جوادر إلى الغرب منها بالساحل الفارسي.وبعد وصول الإمام عزان بن قيس للحكم في عُمان عام 1868م أرسل من ينوب عنه في حكم جوادر ولكن هذا الوالي أثار سخط السكان بسبب ميوله الدينية. وفي عام 1871م تمكن عبد العزيز بن سعيد بن سلطان من احتلال جوادر ونصب نفسه حاكما عليها بدلا من ابن أخيه سالم بن ثويني. وفي عام 1872م استغل السيد تركي بن سعيد وجود أخيه عبد العزيز في بومباي، فتمكن من السيطرة مرة أخرى على جوادر. حاول عبد العزيز السيطرة على جوادر أكثر من مرة ولكنه لم ينجح، وفي عام 1873 قبض عليه وتم نفيه إلى الهند. في عام 1881 قام السيد تركي بزيارة جوادر، وقبل وفاته عام 1888 حاول فصل جوادر عن بقية أملاكه ومنحها لابنه الأكبر محمد، ولكنه لم ينجح في ذلك.كان الوكيل البريطاني في جوادر تابعا للوكيل السياسي في مسقط والوكيل السياسي في كلات حتى عام 1873 عندما أصبح الوكيل السياسي في جوادر تابعا لمفتش السد في كلكتا، ثم ألحق تبعيته عام 1877م للمقيم السياسي في الخليج العربي في بوشهر. تعاقب على جوادر خلال الفترة 1913-1958 عشرة ولاة عُمانيين، منهم ستة في عهد السلطان تيمور بن فيصل وأربعة في عهد السلطان سعيد بن تيمور. حرصت حكومة مسقط على تطوير إدارة الموانئ والجمارك في جوادر، والاهتمام بالتعليم واقامة الكثير من المشروعات الاقتصادية بالتعاون مع بريطانيا.كيف بدأت قصة انفصال جوادر عن السيادة العُمانية؟في عام 1895 تم تداول بعض المقترحات لنقل جوادر من سلطان عُمان إلى حكومة الهند أو خان كلات. وفي عام 1903 طلب خان كلات معونة الحكومة البريطانية في استعادة جوادر، لم يتم الاستجابة له من قبل الحكومة البريطانية. في عام 1917 طرح الوكيل السياسي في مسقط فكرة بيع جوادر من قبل حكومة مسقط إلى حكومة كلات، كحل لمعالجة الوضع المالي المتدهور للسلطان تيمور بن فيصل.بدأت قضية جوادر تظهر كمشكلة سياسية بعد استقلال باكستان عن الهند عام 1947، وتحركها لاستعادة الإقليم وأخذت تمارس الضغط على السلطان سعيد لاستعادة الإقليم، والذي كاد أن يتطور إلى حد الصدام العسكري، فآثر السلطان حل المسألة بشكل ودي دون الدخول في صراع سياسي عسكري مع باكستان. أخذت بريطانيا تلعب دور الوسيط بين عُمان وباكستان ولكن بشكل متحيز للجانب الباكستاني.انتهت السيادة العُمانية على جوادر عام 1958 في عهد السلطان سعيد بن تيمور بعد اتفاق مع الحكومة الباكستانية برعاية بريطانية وفق الشروط التالية: 1- دفع مبلغ ثلاثة ملايين جنيه استرليني، على أن يتم دفع مبلغ 2.700.700 بالجنيه الاسترليني ويتم دفع الباقي بالدولار الأمريكي. 2- إذا اكتشف النفط في جوادر تحصل السلطنة على نسبة 10 % لمدة 25 عاما. 3- تقوم باكستان بإزالة أية عوائق أمام توظيف المواطنين الباكستانيين الذين يخدمون في مسقط وتستمر في مد مسقط بما تحتاجه من الأرز والمساعدات الفنية. 4- من أراد من المواطنين المقيمين في جوادر أن يبقى تحت سيادة السلطان يسمح له بذلك.تم تسليم جوادر إلى الحكومة الباكستانية في الأسبوع الثاني من شهر ديسمبر عام ١٩٥٨، وخرجت بذلك آخر ممتلكات الإمبراطورية العُمانية فيما وراء البحار. وترتب على انتهاء السيادة العُمانية على جوادر الكثير من الآثار الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، فقد ساءت حالتها كثيرا نتيجة خروج التجار العرب منها، ونهاية التواصل التجاري بينها وبين مسقط، وحدوث هجرات كبيرة من جوادر إلى مسقط.