ضيفنا لهذه الحلقة هو الدكتور أحمد عليوة، درس التكنلوجيا الحيوية في جامعة القاهرة بين الأعوام 1997 و 2001 ليغادر نحو الولايات المتحدة بعدها لدراسة الماجستير حيث درس بمختبر كريغ ميلو (Craig Mello's lab, University of Massachusetts Medical School) ورسالة الماجستير خاصته كانت بعنوان دور ترميز الحمض النووي بتمييز الأديم في دودة الربداء الرشيقة (C. Elegans) وقد أنهى دراسة الماجستير هناك في العام 2007 ثم شرع بدراسة الدكتوراه في ذات المختبر وكانت أيضاً دراسة الدكتوراه له حول أحد البروتينات لدى أجنة دودة الربداء الرشيقة. أنهى دراسة الدكتوراه في العام 2014، ليتجه الى السويد حيث يعمل زميلاً لأبحاث بعد الدكتوراه في مؤسسة كارولينسكا.
الرابط على موقع العلوم الحقيقية: https://real-sciences.com/?p=28035
على جوجل بودكاست
على آبل بودكاست
نشرنا نص اللقاء في العدد 54 من مجلة العلوم الحقيقية وأدناه نص الحوار:
ضيفنا لهذه الحلقة هو الدكتور أحمد عليوة، درس التكنولوجيا الحيوية في جامعة القاهرة بين الأعوام 1997 و 2001 ليغادر نحو الولايات المتحدة بعدها لدراسة الماجستير حيث درس بمختبر كريغ ميلو (Craig Mello's lab, University of Massachusetts Medical School) وكانت رسالة الماجستير خاصته بعنوان "دور ترميز الحمض النووي بتمييز الأديم في دودة الربداء الرشيقة (C. Elegans)" وقد أنهى دراسة الماجستير هناك في العام 2007 ثم شرع بدراسة الدكتوراه في ذات المختبر وكانت أيضاً دراسة الدكتوراه له حول أحد البروتينات لدى أجنة دودة الربداء الرشيقة. أنهى دراسة الدكتوراه في العام 2014، ليتجه إلى السويد حيث يعمل زميلاً لأبحاث بعد الدكتوراه في مؤسسة كارولينسكا. أهلاً وسهلاً بكم د. أحمد.
شكراً لكم، أهلاً وسهلاً بك وبالمستمعين، أضيف فقط للسيرة هو أنني أعمل حالياً كباحث مستقبل في جامعة برشلونة باسبانيا وأقسم وقتي بين ستوكهولم وبرشلونة خلال السنة. ولي خط بحثي في برشلونة يختلف عن الخط البحثي في ستوكهولم إلى جانب بعض التدريس.
كما لاحظنا في سيرتكم الذاتية، ولكل من يقرأ أبحاثكم، سنجد الكثير من الاهتمام بدودة الربداء الرشيقة التي نجد أنها مشهورة جداً حيث ترد في الكثير من الأبحاث وهناك الكثير من الاهتمام حولها في البحث العلمي، فلماذا تعد مهمة؟
تكمن أهمية النماذج الحيوانية بشكل عام في أن معظم التجارب والأسئلة البيولوجية يستحيل دراستها في الإنسان مباشرة، لذا يجب دراستها في كائن يشبه الإنسان إلى حد ما، لكن دون الدخول في تعقيدات أخلاقية أو قانونية بخصوص التجارب على الإنسان. وكذلك فإن الإنسان من أعقد الكائنات التي يمكن دراستها مختبرياً، لذا نلجأ لكائنات ابسط من الإنسان نستطيع من خلالها أن نفهم عمليات حيوية مختلفة، كما يمكن أن نقيس من خلال التشابه مع الانسان ما يمكن أن يحدث مع الانسان.
كانت دودة الربداء الرشيقة كما تسمى باللغة العربية من ضمن الكائنات التي ظهرت على الساحة في أواخر الخمسينات والتي تعد فترة مهمة لأن تركيب الحمض النووي قد اكتشف وتم فهم كيفية حدوث الوراثة وأصبح الهدف هو فهم كيف أن الوراثة والحمض النووي يمكن أن يعملا في الخلية لخلق جنين. ليس هذا فحسب، بل يفعل في الكائن بعد نضوجه للتحكم بسلوكه وتصرفاته بشكل عام. لذا فإن مسألة السلوك والتطور للجهاز العصبي إلى جانب نمو الجنين عقبة كان يجب اقتحامها بعد اكتشاف الحمض النووي، وكان للربداء الرشيقة مزايا غير موجودة في نماذج حيوانية أخرى مثل الفئران أو ذبابة الفاكهة، ومن هذه المزايا بساطة جسم دودة الربداء الرشيقة.
للربداء الرشيقة ألف خلية فقط، وهي شفافة بحيث يمكن تحت المجهر تمييز كل خلية عن الخلية التي بجانبها. ليس هذا فحسب، بل يمكن تتبع ولادة كل خلية من الخلية الأولى، من أين جاءت وكيف تمايزت وما إلى ذلك. لذا كان من الممكن انشاء خريطة دقيقة ومفصلة لكل خلايا الكائن.
كانت الخلايا تنقسم وتتكشف بشكل نمطي جداً لا يختلف من دودة إلى أخرى وبالتالي فقد كان التطور أو النمو يحدث بشكل حتمي (deterministic) أي أن ما يجري على دودة ما، يجري على الديدان الأخرى ايضاً. أضف إلى ذلك أن رغم بساطة الدودة غير أن لديها سلوكيات معقدة مثل البحث عن الطعام أو تمييز الاكل المفيد من الضار أو البحث عن دودة من الجنس الآخر للتزاوج أو الهروب من المخاطر. لذا فنحن نتكلم عن دودة من 1000 خلية هناك 300 منها تشكل الجهاز العصبي، لكن فيها كل التعقيد الذي نتكلم عنه. لذا قرر سيدني برينر (Sydney Brenner) في بريطانيا أن الربداء الرشيقة هي كائن مثالي لدراسة تفعيل المادة الوراثية خلال نمو الجنين وسلوك الكائن بعد اكتمال نموه. وكون برينر مجموعة عمل كان أهم من فيها روبيرت هوروتز (Robert Horvitz) وجون سولستن (John E. Sulston) وقد حصل الثلاثة على جائزة نوبل لاسهاماتهم في مجال الطب والفسلجة من خلال تدشين الربداء الرشيقة كنموذج لدراسة علم الأحياء. وخرج مئات الأبحاث من تلك المجموعة ومئات المختبرات في العالم لدراسة تلك الدودة ولفهم شتى الأسئلة والمسائل البيولوجية إلى يومنا هذا.
قد يسأل سائل، في الوقت الذي يمكن لدودة ان تقدم كل هذا، لماذا هناك من يدرس الفئران، أو من يقوم بإجراء بعض التجارب على الشمبانزي، ما الفرق بين نموذج حيواني كالدودة ونموذج حيواني كالفأر؟
الدودة لها مزايا ولها عيوب ولها عيوب تتكامل مع مزايا وعيوب الفئران والنماذج الحيوانية الأخرى. مثلاً، الدودة الواحدة بعد أن تكون بيضة ثم تفقس خلال 12 ساعة ثم تبيض 300 بيضة خلال ثلاثة أيام. أي أن دورة حياتها قصيرة جداً، وتتكون من بضعة أيام فقط. الفأر يمكن أن يأخذ عدة شهور بعد الولادة لينضج جنسياً، وحتى حين يلد فلن يلد أكثر من مجموعة فئران. في حين أننا في الديدان نتكلم عن دودة إى بضعة مئات من الديدان في بضعة أيام. وبالتالي فإن القيام بالتجارب يعد أسرع بكثير. كما يمكنك وضع 1000 دودة بطبق في درج، في حين أن ألف فأر سيحتاجون إلى ميزانية واكل وأقفاص وغير ذلك. لذا فإن عدد الحيوانات التي يمكن أن تعمل بها في نفس الوقت يختلف. هذه هي مزايا الربداء الرشيقة.
جرى العرف أن حيوان مثل الربداء الرشيقة يسمح بالقيام بتجارب متعددة بنمط سريع، ثم حين نفهم شيئاً، نتسائل: هل سينطبق الأمر ذاته على الفئران؟ السؤال سيكون أكثر دقة هنا
أما عيوبها، فهي أننا نتكلم عن دودة، في حين أن الفأر هو حيوان ثدي كالإنسان، وما يكتشف في الفأر غالباً ما يكون أقرب للوضع في الانسان. لذا فإن العرف جرى أن حيوان مثل الربداء الرشيقة يسمح بالقيام بتجارب متعددة بنمط سريع، ثم حين نفهم شيئاً، نتسائل: هل سينطبق الأمر ذاته على الفئران؟ السؤال سيكون أكثر دقة هنا. نفهم شيئاً في الربداء الرشيقة ثم نعيد سؤال السؤال على الفئران، ثم قد نتمكن من طرح نفس السؤال عما سيجري في الإنسان كذلك. نموذج من هذا العمل هو العمل على موت الخلايا المبرمج وقد درسه بوب هوروتز والذي وجد أن في الربداء الرشيقة هناك بعض الخلايا تولد خلال نمو الجنين من انقسام الخلية ثم تموت بعد بضع ساعات، ويحدث الأمر ذاته لذات الخلية في كل جنين ويتم ابتلاعها من الخلايا فأسموه موت الخلايا المبرمج.
كما وجدوا أن في حال حدوث طفرات ببعض الجينات تبقى تلك الخلايا ولا تموت. فعرفوا أن موت الخلايا المبرمج في الربداء الرشيقة هي عملية حيوية منظمة بجينات معينة، ثم تسائلوا، هل تلك الجينات موجودة في الفئران؟ فوجدوا جينات شبيهة لما في الدودة لدى الفئران. ووجدوا الأمر ذاته، حيث الخلل في الموت المبرمج للخلايا ووجدوا صلة ذلك بالسرطان (راجع اللقاء المفصل حول موت الخلايا المبرمج مع الدكتور محمد الربيعي المختص بموت الخلايا المبرمج) حيث تعلم أن فيها مشكلة لكنها لا تستطيع إماتة نفسها حيث تتفاقم المشكلة ويبدأ ورم سرطاني بالنمو. كما وجدوا أن الجينات التي لها علاقة بموت الخلايا المبرمج في الفئران هي ذاتها في الإنسان والتي هي من أهم أسباب حدوث السرطان في الإنسان.
وهكذا يمكن أن نرى كيف جرى الخط البحثي من الربداء الرشيقة ثم الفئران فالإنسان. التكامل بين النماذج الحيوانية شائع جداً في البحث العلمي. هناك من يتخصص بدراسة الفئران أو ذبابة الفاكهة، لكن هناك دوماً انتباه للعلاقة بين تلك الكائنات وما يحدث في الإنسان وغالباً ما تكون بعض الثدييات كالفئران والجرذان هي الجسر لفهم ما يحدث في الإنسان.
نفهم هنا أن الربداء الرشيقة يمكن أن توفر خيار رخيص أو سهل، وبعده يمكن الانتقال لمراحل أخرى.
نعم، مع الاخذ بنظر الاعتبار أن البحث العلمي لا يتصل بالضرورة لإكتشافات طبية تفيد الانسان. أو على الأقل ليس على المدى القريب أو المتوسط. لذا فإن هناك من يدرس سلوكيات الربداء الرشيقة، مثلاً كيف تتحرك؟ كيف تجد الطعام؟ كيف تتصرف خلاياها العصبية؟ وهذا يمكن أن يجعل العلاقة بينها وبين التطبيق الطبي للإنسان بعيد أو غير مرئي حالياً. لكنه مع ذلك يعتبر مفيد، ويعد معرفة مهمة لأنه يفتح أفاق للإنسان لكيفية عمل الجينات وتفعيلها في الكائن.
جرى العرف على ربط البحث العلمي بفائدة تخص الانسان والطب، رغم أن كثير من الباحثين يبحثون دون تحمل عبء إيجاد العلاقة بين اكتشافاتهم والطب، بل يبحثون بدافع الفضول، وبدافع الرغبة في استكشاف المجهول ويتمنون أن اكتشافهم يفيد المجتمع في يوم من الأيام، غير أن الجائزة الكبرى تكمن في نشوة الاكتشاف وفهم أمر جديد لم يفهمه أحد قبلهم، وأنك، ولو لبضع ساعات، تعرف شيئاً لم يعرفه أحد سواك
أحياناً لا يتمركز البحث حول الإنسان، أذكر من حوار مع بيرند هارينريش متخصص بسلوك الحيوانات وقد درس الغربان وطرحت عليه بعض الأسئلة فانزعج من بعض الأسئلة لأنها تتمركز حول الانسان فقال ما معناه أن لا تحاولوا أن تأنسنوا هذه السلوكيات فربما هذا هو مفهومنا فقط لسلوكيات معينة لكنه لا يعني الأمر ذاته بالنسبة للحيوان. ما نفهمه منكم أن النماذج الحيوانية قد تكون نوع من الدراسة الأحياء وهناك فائدة محتملة لها مستقبلاً للإنسان.
صحيح رغم أن العرف قد جرى بمعظم الأحيان أن تبرير التمويل الذي يحتاجه البحث العلمي لابد أن يرتبط بعلاقته بالإنسان وكيف سيفيد المجتمع وكيف سيفيد الطب. يشبه هذا الديباجة في معظم الأحيان بالأطروحات البحثية لتبرير تمويلها من دافعي الضرائب. رغم أن كثير من الباحثين يبحثون دون تحمل عبء إيجاد العلاقة بين اكتشافاتهم والطب، بل يبحثون بدافع الفضول، وبدافع الرغبة في استكشاف المجهول ويتمنون أن اكتشافهم يفيد المجتمع في يوم من الأيام، غير أن الجائزة الكبرى تكمن في نشوة الاكتشاف وفهم أمر جديد لم يفهمه أحد قبلهم، وأنك ولو لبضع ساعات تعرف شيئاً لم يعرفه أحد سواك، مع وجود أمل أن في يوم من الأيام يمكن أن يكون هناك عمل يفيد الإنسان لكن ليس هذا هو الهدف الأساسي رغم أنه قد يظهر بصفته الديباجة الأولى في أي أطروحة بحثية.
كيف يتطور مجال دراسة النماذج الحيوانية؟ وجدنا لكم أبحاثاً حول السلمندر أيضاً فأين تتجهون وأين يتجه هذا المجال؟
هناك نقطة مهمة وهي لماذا التركيز على الربداء الرشيقة في حين أن هناك الآلاف من الديدان التي تمتاز بمميزات الربداء الرشيقة مثل السي بريكسي وهناك فصائل كثيرة تحت جنس الربداء أيضاً. الفكرة، هي أنه قديماً على الأقل، فإن البحث العلمي مكلف وكان من المهم تركيز المعرفة على عدد محدد من الكائنات بحيث لا نحتاج أن نعيد اختراع العجلة لكل كائن يود أحدهم دراسته، لكن هناك حالة من الاستثمار في كائن معين أو عدد معين من الكائنات لأن البحث العلمي مكلف.
لكن حدثت في العشر سنوات الأخيرة عدة طفرات في البحث العلمي جعلت من الممكن تحويل أي كائن إلى كائن نموذجي. ماذا يعني كائن نموذجي؟ أي كائن من المفهوم كيفية تربيته في مختبر، ومن المعروف تسلسل مادته الوراثية (sequencing) وطبيعتها. ومعرفة أشياء أساسية عن فسلجته وسلوكه وما ‘لى ذلك. بالإضافة إلى عدد من الأدوات لتعديل المادة الوراثية. تلك التطورات سهلت عملية سلسلة الجينوم ومعرفة المادة الوراثية وخفضت من كلفة وسهلت عملية تعديل المادة الوراثية.