
Sign up to save your podcasts
Or
يومٌ خريفيٌّ ممطر، يجلس ماركيز مع زميل له إلى طاولة الغداء، وأخذ يأكل بشراهة شطائر البيتزا على الطريقة الإغريقية القديمة، بينما راح ذلك الزميل الممتع والمرح، يسرد على مسامعه حكايات عن طرائف تواجههم معا في العمل، لأنَّه مِن الصَّعب أن تكون أستاذا في مدرسة للقراصنة، زعيمها قرصان بعَصابة سوداء، وصغارها كلّهم هُم أبناء القراصنة الأوفياء لجنسهم المقدَّس.
أمضى ماركيز وقت الظهيرة وهو يسامر زميله، وبينما كانا يتحدثان عن مواضيع من كثرة تكرارها في الحياة على أرض القراصنة، قد صارت مستهلكة حدَّ الملل، تحدثا عن العمل، الزواج وبعض المغامرات المضحكة، والممتعة حدَّ المجون، لطالما أسعدت هذه الجلسات الأستاذ ماركيز، لأنَّها تجعله يلبي نداء عميقا في ذاته، ويعيش لحظات جميلة في واقعه، رغم معرفته التامة بها، إلاَّ أنَّه يرغب أحيانا في اكتشافها من جديد.
بعدها استقلّ ماركيز سيارة زميله الفرنسية الصنع، وواصلا الحديث حتى موعد افتراقهما عند المحطة البرية للمدينة، أين نزل ماركيز بعدما ودَّع زميله بحرارة، وتوجه لركوب حافلة العودة إلى منزله الريفي الجميل، أين تنام الأفكار ويصحو الضمير، أين تغازل المعاني آخر جنود الفكر وترتفع المفاجآت إلى أقصى مستويات التفكير، هناك أين يجد ماركيز، كوب قهوة، سيجارته والكثير من الحكايات ليرويها لحاسوبه المحمول، أو هاتفه الجوَّال، فتنتقل إلى أقصى أقاصي المعمورة.
بعد وصوله إلى المنزل تحت وابل من الأمطار الغزيرة، وجلوسه للسمر مع والديْه وأخته الصغرى، غزا ماركيز عالَمه مجددا، أخذ حماما ساخنا، وأدَّى واجبه الديني قبل أن ينهمك في كتابة أسطره الأسبوعية، لعلَّه يتمكَّن من إفراغ تلك الشحنات السلبية التي علقت بذهنه طيلة أسبوع من الزمن، شحنات اختلط فيها الاجتماعي بالثقافي، التربوي بالتعليمي، الأسلوب الراقي بالأساليب الماجنة، كلُّ هذا جعل ماركيز حذرا للغاية، ينساب كما تنساب الأفعى السوداء بين القش في ليلة ظلماء.
يُعلي ماركيز قيمة الوالديْن بشكل كبير، يرفع قيمتهم في خاطره لمستويات لا مجال لحدِّها، يرفعهم غالبا إلى مراتب القداسة، لأنَّه يعلم علم اليقين، بأنَّ ما قدَّماه له يتجاوز كلَّ تقدير، والتضحيات التي قدَّماها من أجله تفوق الوصف، لهذا نجد أنَّ الأستاذ ماركيز هو مجرَّد طفل "كبير" الحجم في حضرة أمِّه وأبيه، يصبح مجرَّدًا من كلِّ الألقاب في حضور والدته، كما أنَّه يصير مخبولا مغلوبا على أمره عندما يوجِّه أبوه الحديث له، وهي قيم رائعة من القيم الثمينة التي احتفظ بها ماركيز في داخله بعناية.
وكما للوالديْن قيمة عالية في حياة هذا الفيلسوف اللاتيني على أرض القراصنة، والمسمى بماركيز، فإنَّ للعائلة وهج الرِّفعة أيضا، إذْ لطالما ردَّد بأنَّه غير قادر على الوقوف في وجه إجماع العائلة على رأي ما أو قرار معيَّن، بل إنَّه دائما ما يفضِّل هجرته إلى أراض غريبة عنه، فقط حتى يتجنَّب الاصطدام بعائلته، إن ما هو اضطر لفعل ذلك، وهي قيمة لا تصدر سوى عن ابن بارٍّ لسلالة النبلاء الشرفاء.
هذه المواصفات هي نتيجة طبيعية لفتى مثل ماركيز، ولد على الجنَّة ما وراء البحر، ونما وترعرع بين جنبات وأحراش أرض تكسر الأيقونات كما يكسر المنشار الجليد، كما أنَّه من سلالة الهنود الحمر، السكان الأصليين لأرض القراصنة، فكيف لا يتخذ من العائلة ملجأ ومِن الوالديْن مستقرات ومفاصل لعمليات حياته الحاسمة، هنا وفي هذه المواضيع فقط، تظهر طينة الرجال الفعلية، أين يجدُّ الجد، وتسرد أجمل الحسناوات أحلى الحكايات على مسامع الأجيال والأزمان، فتقول لهم: كان هناك رجُلٌ يدعى ماركيز، لم يحترم أيَّ فرد كما احترم العائلة، ولم يقدِّس أحدا كما قدَّس والديْه، ولم يرفع من شأن مخلوق، كما رفع مِن شأن نفسه، هنا ولد أوَّل وآخر بني الإنسان، الذي قدَّم القربان للإيمان... هنا ماركيز!
يومٌ خريفيٌّ ممطر، يجلس ماركيز مع زميل له إلى طاولة الغداء، وأخذ يأكل بشراهة شطائر البيتزا على الطريقة الإغريقية القديمة، بينما راح ذلك الزميل الممتع والمرح، يسرد على مسامعه حكايات عن طرائف تواجههم معا في العمل، لأنَّه مِن الصَّعب أن تكون أستاذا في مدرسة للقراصنة، زعيمها قرصان بعَصابة سوداء، وصغارها كلّهم هُم أبناء القراصنة الأوفياء لجنسهم المقدَّس.
أمضى ماركيز وقت الظهيرة وهو يسامر زميله، وبينما كانا يتحدثان عن مواضيع من كثرة تكرارها في الحياة على أرض القراصنة، قد صارت مستهلكة حدَّ الملل، تحدثا عن العمل، الزواج وبعض المغامرات المضحكة، والممتعة حدَّ المجون، لطالما أسعدت هذه الجلسات الأستاذ ماركيز، لأنَّها تجعله يلبي نداء عميقا في ذاته، ويعيش لحظات جميلة في واقعه، رغم معرفته التامة بها، إلاَّ أنَّه يرغب أحيانا في اكتشافها من جديد.
بعدها استقلّ ماركيز سيارة زميله الفرنسية الصنع، وواصلا الحديث حتى موعد افتراقهما عند المحطة البرية للمدينة، أين نزل ماركيز بعدما ودَّع زميله بحرارة، وتوجه لركوب حافلة العودة إلى منزله الريفي الجميل، أين تنام الأفكار ويصحو الضمير، أين تغازل المعاني آخر جنود الفكر وترتفع المفاجآت إلى أقصى مستويات التفكير، هناك أين يجد ماركيز، كوب قهوة، سيجارته والكثير من الحكايات ليرويها لحاسوبه المحمول، أو هاتفه الجوَّال، فتنتقل إلى أقصى أقاصي المعمورة.
بعد وصوله إلى المنزل تحت وابل من الأمطار الغزيرة، وجلوسه للسمر مع والديْه وأخته الصغرى، غزا ماركيز عالَمه مجددا، أخذ حماما ساخنا، وأدَّى واجبه الديني قبل أن ينهمك في كتابة أسطره الأسبوعية، لعلَّه يتمكَّن من إفراغ تلك الشحنات السلبية التي علقت بذهنه طيلة أسبوع من الزمن، شحنات اختلط فيها الاجتماعي بالثقافي، التربوي بالتعليمي، الأسلوب الراقي بالأساليب الماجنة، كلُّ هذا جعل ماركيز حذرا للغاية، ينساب كما تنساب الأفعى السوداء بين القش في ليلة ظلماء.
يُعلي ماركيز قيمة الوالديْن بشكل كبير، يرفع قيمتهم في خاطره لمستويات لا مجال لحدِّها، يرفعهم غالبا إلى مراتب القداسة، لأنَّه يعلم علم اليقين، بأنَّ ما قدَّماه له يتجاوز كلَّ تقدير، والتضحيات التي قدَّماها من أجله تفوق الوصف، لهذا نجد أنَّ الأستاذ ماركيز هو مجرَّد طفل "كبير" الحجم في حضرة أمِّه وأبيه، يصبح مجرَّدًا من كلِّ الألقاب في حضور والدته، كما أنَّه يصير مخبولا مغلوبا على أمره عندما يوجِّه أبوه الحديث له، وهي قيم رائعة من القيم الثمينة التي احتفظ بها ماركيز في داخله بعناية.
وكما للوالديْن قيمة عالية في حياة هذا الفيلسوف اللاتيني على أرض القراصنة، والمسمى بماركيز، فإنَّ للعائلة وهج الرِّفعة أيضا، إذْ لطالما ردَّد بأنَّه غير قادر على الوقوف في وجه إجماع العائلة على رأي ما أو قرار معيَّن، بل إنَّه دائما ما يفضِّل هجرته إلى أراض غريبة عنه، فقط حتى يتجنَّب الاصطدام بعائلته، إن ما هو اضطر لفعل ذلك، وهي قيمة لا تصدر سوى عن ابن بارٍّ لسلالة النبلاء الشرفاء.
هذه المواصفات هي نتيجة طبيعية لفتى مثل ماركيز، ولد على الجنَّة ما وراء البحر، ونما وترعرع بين جنبات وأحراش أرض تكسر الأيقونات كما يكسر المنشار الجليد، كما أنَّه من سلالة الهنود الحمر، السكان الأصليين لأرض القراصنة، فكيف لا يتخذ من العائلة ملجأ ومِن الوالديْن مستقرات ومفاصل لعمليات حياته الحاسمة، هنا وفي هذه المواضيع فقط، تظهر طينة الرجال الفعلية، أين يجدُّ الجد، وتسرد أجمل الحسناوات أحلى الحكايات على مسامع الأجيال والأزمان، فتقول لهم: كان هناك رجُلٌ يدعى ماركيز، لم يحترم أيَّ فرد كما احترم العائلة، ولم يقدِّس أحدا كما قدَّس والديْه، ولم يرفع من شأن مخلوق، كما رفع مِن شأن نفسه، هنا ولد أوَّل وآخر بني الإنسان، الذي قدَّم القربان للإيمان... هنا ماركيز!