Dr. Mezouar Mohammed Said

قِيمَةُ "البقاءُ واقِفا" عند ستيفن كوفي


Listen Later

مرحبا

أنا أحاول أن أترك أثرا على صفحات هذه الحياة، فلا تجعلني هدفا لسهام انتقاداتك قبل أن تسمعني على الأقل، أفكاري قد لا تعجبك، لكنني انتظر منك احترامها كما تحترمُ ذاتك

مودتي للجميع

مزوار محمد سعيد

© مؤلِّف كتاب "قاتلي يتدرَّب في شيكاغو"

© www.facebook.com/msmezouar


يُحكى أنَّ "فلاحا فقيرا دخل حظيرته في أحد الأيَّام فوجد إوزته وضعت بيضة ذهبية، فظن في أوَّل الأمر أنَّها خدعة، وهمَّ بإلقاء البيضة ولكنَّه عاود التفكير مرَّةً أخرى في الأمر وقرر أخذ البيضة إلى الصائغ لتقييمها.

وعندما عرف أنَّ البيضة من الذهب الخالص لم يتمالك نفسه بعد أن عرف أنَّه يمتلك ثروة بين يديْه، وفي اليوم التالي، انتابته دهشة شديدة عندما وجد بيضة ذهبية أخرى. تكرَّر الأمر وأصبح يهرول كلَّ صباح إلى الحظيرة ليجد بيضة ذهبية أخرى في انتظاره. وأضحى الفلاَّح الفقير يمتلك ثروة كبيرة، وكان يظنُّ أنَّه يحلم من فرط سعادته. ولكن تضخم ثروته جعله جشعا وغير صبور، وضاق ذرعا بأمر انتظار البيضة الذهبية كلَّ صباح؛ لذا قرَّر أن يذبح الإوزة ليحصل على كلِّ البيض الذهبي دفعة واحدة، ولكنَّه عندما شقَّ بطن الإوزة وجدها خاوية ولم يكن بداخلها أيَّ بيض ذهبي" (ستيفن كوفي، العادات السبع للناس الأكثر فعالية، صص: 67/68).

يستدلُّ ستيفن بهذه القصَّة على انعدام الفعالية بانعدام التوازن بين الإنتاج والقدرة على الإنتاج، وبهذا تصبح الاستمرارية غير قابلة للوجود.

هناك مراحل طبيعية على الفرد مهما كان ذكيا، فطنا ومرنا في مواجهة العقبات، فعليه احترام سيرها حسب تسلسلها، فلَو أدرك الفلاَّح بأنَّ البيضة كلَّ يوم هو الحد الأقصى لقدرة الإوزة على البذل، لاستطاع أن يعيش ثريَّا طيلة بقية عمره، ولكنَّ الربح السريع والعجلة رفعا منسوب توقعاته، حتى وصل إلى درجة إحراقها.

مِن الرائع أن يحلُم الإنسان، والأجمل أن تكون طموحاته عالية تناطح العنان، لكن وبالمقابل عليه ألاَّ يقفز مباشرة لأجل تحقيقها، فروما لم تُبنَ في يوم واحِدٍ كما يقول الانجليز.

كلُّ بناء قويَّ الأساسات يدوم في مواجهته للزمن مدَّة أطول، وهذا ما تبرهن عليه الفيزياء وحتى البيولوجيا الطبيعية، كذلك أحلام الإنسان، هي مثل المادَّة الفيزيائية ومَثَلها كمَثَل البيولوجيا، عليها أن تخضع لشروط الزمان وظروف المكان، وبهذا يجدُ الفرد الإنساني نفسه بين فكَّي كماشة، إمَّا التبرير للبطء بينما الحياة لا تنتظر أحدا، أو التسرُّع لدرجة تكسير كلِّ ما بين يديْه دفعة واحدة، بينما الأجدى والأسلم هو الوقوف بين هذا وذاك، فلا إفراط ولا تفريط، إذ قليل مِن الطاقة، وقليل مِن الأكسجين ومع توفير قوَّة دافعة خفيفة، تدفعُ المحرِّك إلى الاشتغال.

هناك قصَّةٌ أخرى تصبُّ أيضا في معنى التوازن، ألا وهي قصَّة سباق السلحفاة مع الأرنب، وكيف أنَّ السلحفاة فازت على الأرنب بالاستمرارية والمثابرة، والحفاظ على رباطة الجأش حتى خطِّ النهاية؛ بحيث يولَدُ الإنسان ولا يتمكَّنُ مِن الجري مباشرة وهو لا يزال رضيعا، بل عليه أن يمرَّ بمراحل الحبو فالوقوف ثمَّ المشي بعدها يصبح قادرا على الجري، وفي هذا الصدد أجد هذا المِثال قريبا للغاية مِن نظرية الدرَّاجة، تلك التي تعلِّمُكَ التحكُّم في مسارك وأنتَ تسير.

الفعالية هي أن تمزج الأسباب التي تؤهلك للانطلاق، بالقدرة على مواجهة ما سيعمل على حرفك عن مسارك، بالإضافة إلى تمسُّكك بالمرونة المطلوبة لتصحيح وتعديل ما أنت بصدد إقامته، وكلُّ هذا يجب أن يكون عند إشارة إصرارك على البقاء واقفا حتى خطِّ الوصول، بحيث مهما طال أيُّ طريق، فإنَّه لابد أن تكون له نقطة يصل إليها السائر عليه.

تنسجم الفعالية أيضا مع الصمت، فخبرتي في مجال التعليم والتربية عرَّفتني على نماذج للمتعلِّمين أكثر صمتا مِن غيرهم، وهُم غالبا ما يكونون الأكثر إتقانا عند قيامِهم بما يُطلب مِنهم، والأكثر قدرة على تحسين أدائهم، بحيث يوفِّرُ لهُم صمتهم مساحة للتفكير والتركيز فيما يعملون على تحقيقه، إنَّ لمِن الصمت حِكمة كما ورد في الأثر، وحكمته في توفيره للتوازن الروحي المطلوب للصامت بواسطة الهدوء والطمأنينة اللائي يوفرهنَّ له؛ فلا تكن متسرِّعا لتذبح إوزتك الثمينة باكِرًا.

...more
View all episodesView all episodes
Download on the App Store

Dr. Mezouar Mohammed SaidBy Mezouar Mohammed Said


More shows like Dr. Mezouar Mohammed Said

View all
رموز | Rumooz by Atheer ~ أثير

رموز | Rumooz

448 Listeners