Sign up to save your podcasts
Or
Share قيد الإخفاء
Share to email
Share to Facebook
Share to X
Share to email
Share to Facebook
Share to X
Or
قيد الإخفاء
في ليلةٍ دامسة السواد، خيم فيها الظلام داخل الشقة وخارجها، وغاب البدر عن سمائها، ولم يُعلُ صوت سوى نباح كلاب ضالة، تمددت ديمة الصغيرة سقيمة من أثر الحمى. جلست ريم، والدة ديمة، بجوار ابنتها لتخفف عنها برد الشتاء القارس، وبدلت وجهها العابث الباكي بابتسامة مصطنعة. سألت ديمة: "ألم يأتِ أبي حتى الآن؟". أجابتها ريم بكلماتٍ خائفة: "دودو، أنتِ تعرفين ضغوط العمل على أبيكِ". كان والِد ديمة، شريف النجار، قد اعتاد العودة قبل المغرب، لكن القصف المكثف في العاصمة حيث يعمل حال دون عودته، لتجد ريم نفسها وحيدة مع صغيرتها ذات التسعة أعوام في ليلةٍ لم يعد العالم فيها آمنًا كما كان.
حاولت ريم أن تبدد خوف صغيرتها فسألتها: "هل أقرأ عليكِ رواية جديدة هذه الليلة يا ديمة؟". ابتهجت الطفلة وردت بـ "حقاً؟!". نهضت ريم وأضاءت شمعة أخرى، وتناولت رواية من مكتبتها الخشبية. سألت ديمة عن اسم الرواية، لتجيب ريم بابتسامة رقيقة: "اسمها »قيد اإلخفاء« يا دودو". وبدأت الأم تقص أحداث الرواية التي وقعت في سنواتٍ ماضية.
تدور أحداث الرواية حول سندس الليثي، التي اطمأنت على نوم صغيرها ياسين ذي العامين. كانت سندس تعيش قلقاً متزايداً بسبب التغيرات غير المبررة على زوجها شريف النجار، فهو يقضي ساعات طويلة خارج البيت، ويسافر بحجة العمل. لاحظت السواد تحت عينيه وإصراره على مكوثها وصغيرها في مصر، وهو ما أقلقها. لم تكن سندس مقتنعة بمبررات شريف الواهية. تواصلت سندس مع شريف عبر موقع إلكتروني كوري غير معروف، حيث كان شريف يرفض استخدام التطبيقات المعتادة بحجة الحفاظ على خصوصية حوارهما. بدا شريف مرهقاً، وجادلته سندس حول سبب إصراره على إطفاء النور، متسائلة إن كانت هناك رفيقة معه، مما أثار ضحكاته وسعاله. بعد حديثٍ حميم، طمأنها شريف بأنه بخير، وأنه منشغل ببحثٍ جديد سيقلب موازين العلم رأساً على عقب. أخبرها كذلك بقراره بالعودة قريباً إلى مصر بعد الانتهاء من بحثه.
مر أسبوع على آخر حديثٍ لسندس مع زوجها، ولم يحاول الاتصال بها. اتصلت سندس مراراً وتكراراً، وأرسلت عشرات الرسائل الإلكترونية لبريده الشخصي وبريد عمله دون رد. أرسلت رسالة لجهة عمله تستعلم عن حضوره، لكنها لم تتلق رداً، ثم جاء الرد صادماً: "ال أحد يعمل لدينا بهذا الاسم!". بعد مقارنات دقيقة لبريدهم واسم زوجها وصورة جواز سفره، أرسلت سندس رسالة غاضبة مرفقة بصورة من جواز سفره وصور من موقع عمله تثبت وجوده وإنجازاته. جاء الرد بعد 24 ساعة مؤكداً صحة الصور، لكنهم عادوا ليؤكدوا أن "شريف النجار" المذكور قد تم فصله من العمل منذ عشرة أيام.
توجهت سندس ووالدها إلى السفارة الأمريكية بالقاهرة، حيث قابلت سيدة شقراء. أخبرتها سندس باختفاء زوجها وتغير طباعه، ومراسلاتها مع جهة عمله. طمأنتها السيدة الشقراء ووعدتها بالمساعدة. بعد يومين، تلقت سندس اتصالاً من السفارة الأمريكية يطلب حضورها عاجلاً. انتابتها شكوك حول اعتقال شريف لتعاونه مع منظمات إرهابية، أو إصابته في حادث، أو انتحاره، أو حتى ارتباطه بامرأة حسناء تدعى صوفيا. تبددت كل هذه الشكوك عندما قابلت السيدة الشقراء التي استقبلتها بوجهٍ حزين، قائلة: "ليرحم الرب زوجك". سقطت سندس فاقدة للوعي.
سافرت سندس ووالدها إلى الولايات المتحدة لاستلام جثمان شريف النجار، حيث أصرت أسرته على دفنه في وطنه. علمت سندس من المحققين أنهم عثروا على جثة مجهولة الهوية على طريق سريع خارج المدينة، اتضح لاحقاً أنها لزوجها القتيل، وعثر القاتل على رصاصة تزين منتصف جبهته. أخبروها أن "جريمة قتل هدفها السرقة". أعربت سندس عن إحباطها من فشل الشرطة الأمريكية في العثور على الجناة. عادت سندس إلى مصر مع جثة زوجها.
في إحدى الليالي، بينما كانت سندس في عيادتها، طرق الباب رجل وقور عجوز نحيف، عرف نفسه بأيوب فهمي أبو الوفا. أخبرها أيوب أنه صديق شريف، وناولها مظروفاً قائلاً: "هذا خطاب من شريف، طلب مني إيصاله إليكِ". التقطت سندس المظروف بلهفة، وتأكدت أنه بخط زوجها. لم يخبر أيوب سندس بمحتوى الخطاب، لكنه وعد بزيارتها غداً. في اليوم التالي، جاء أيوب أبو الوفا محملاً بصندوق كرتوني يخص ديمة، وطلب الكشف على ضروسه الملتهبة في عيادة سندس. هناك، بعيداً عن العائلة، كشف أيوب لسندس حقيقة صادمة: "شريف قُتل.. لكن لا علاقة لمقتله بحادث السرقة". عرض أيوب لسندس مقطع فيديو قصير لشريف، يوصيها فيه بأن تثق بـ"البروفيسور أيوب". ثم قص أيوب على سندس كل تفاصيل ما حدث لزوجها.
توجهت سندس بعد ذلك إلى ميدان التحرير، حاملة لافتة كتب عليها: "أمريكا قتلت زوجي". سرعان ما أحاطت بها الشرطة، ورفضت سندس الانصراف، مما أدى إلى دفعها من قبل ضابط وسقوطها أرضاً. ثم انهال عليها العساكر بوحشية حتى كادت تفقد الوعي، وتم اقتيادها إلى قسم الشرطة. انتشر الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي، مع صور وفيديوهات للاعتداء عليها. حاولت سندس التعليق على المنشورات لتوضيح أن ما حدث كان سوء تفاهم، وأنها طبيبة أسنان أرملة تريد حق زوجها الذي قتلته الحكومة الأمريكية، لكن تعليقاتها حُذفت، وتم حظرها من الصفحة. نشرت سندس منشوراً طويلاً على صفحتها الشخصية تشرح فيه الأمر برمته.
تلقت سندس اتصالاً من برنامج حواري مسائي، ووافقت على الظهور لتوصيل صوتها. في المداخلة، قاطعتها المذيعة مراراً محاولة تبرئة وزارة الداخلية، واتهمت سندس بارتكاب خطأ بالتظاهر. عندما ذكرت سندس كلمة "الرئيس"، انقطع الاتصال فجأة.
أمر أمجد سليمان، أحد أذرع النظام الإعلامية، بترتيب مداخلة لوائل البدراوي مع سندس. في الحلقة، تحدثت سندس عن عمل شريف في ناسا في تطوير محركات الدفع الصاروخي، ورفضه التخلي عن جنسيته المصرية. وعندما سألها وائل البدراوي عن ملابسات مقتله، قالت سندس بوضوح: "ناسا والحكومة الأمريكية هما من وراء مقتله". فُوجئ المذيعان، وخرجوا لفاصل. عاد وزير الخارجية المصري على الهواء، وأعلن استضافة سندس في مكتبه، مؤكداً أن "الدولة تقف وراء كل مواطن مصري داخل مصر أو خارجها". أكدت سندس أن ناسا أنكرت عمل شريف لديهم، ثم فصلوه، وحذفت أخباره من موقعهم الإلكتروني. وربطت مقتله ببحثٍ هام كان يعمل عليه، بحثٌ "سيقلب موازين العلم". وعندما سألها المذيعان عن طبيعة البحث، ترددت سندس، ثم كشفت أنه "بحث عن الـ Flat Earth" أو "الأرض المسطحة". أصاب المخرج الصدمة وأمر بإنهاء الحلقة فوراً.
بعد الحلقة، استقبلت سندس سيلًا من الرسائل، وتعجب والدها من الضجة التي أحدثتها. وافقت سندس على الظهور مرة أخرى للحديث عن بحث زوجها. وافق وائل البدراوي على استضافة أيوب أبو الوفا بدلاً من سندس في مناظرة حول الأرض المسطحة. بدأت المناظرة بانسحاب أحد الأطراف، ليصبح أيوب أبو الوفا هو الضيف الوحيد الذي يناظر نفسه.
في المناظرة، قدم أيوب أبو الوفا نظريته عن الأرض المسطحة، مستخدماً حججاً تبسيطية ومناقضاً للمفاهيم السائدة. أكد أن الأرض ثابتة وأن الشمس والقمر يدوران فوقها. وعرض فيديو يوضح نموذجه للأرض كقرص دائري محاط بجدار جليدي هو ما يسمى بالقارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا). ناقش بُعد الشمس وحجمها، وتأثير الجاذبية، مشككاً في مفاهيم مثل دوران الأرض. تحدث عن نظرية المنظور لتفسير اختفاء السفن في الأفق بدلاً من تكور الأرض. كما نفى وجود الأقمار الصناعية، قائلاً إنها أكاذيب منهجية تروجها وكالات الفضاء. استضاف البرنامج الدكتور عز الدين الجبالي، أستاذ الفقه المقارن، الذي أيد نظرية الأرض المسطحة من منظور ديني مستشهداً بآيات قرآنية وأحاديث. كما ظهر الدكتور مينا لبيب، المفكر القبطي، الذي أكد أن الكتاب المقدس تحدث عن تسطح الأرض.
بعد المناظرة، تعرض أيوب أبو الوفا للقتل، حيث عثر عليه مهشماً أسفل العقار الذي استأجر به شقة. انتشر الخبر كصدمة لأمجد سليمان، واعتبرته الشرطة انتحاراً، لكن الدلائل المادية كانت تناقض ذلك. أدى مقتله إلى تصاعد التوتر، وأصدرت السفارة الأمريكية بياناً يحذر رعاياها في مصر ويطالبهم بالمغادرة، ويزعم أن مقتل أيوب أبو الوفا كان مؤامرة من الحكومة المصرية. اندلعت موجات من الهجوم الإعلامي على الولايات المتحدة، واتهمتها بدعم الإرهاب.
بعدها، أعلن رئيس دولة بيرو عن نيته تسيير سفينة باسم "عين البشرية" للإبحار غرباً نحو الجدار الجليدي، لترسو على سواحل آسيا أو لتصل إلى نهاية الأرض. أبحر القبطان روبرتو جونزالو، المؤمن بتسطح الأرض، على متن السفينة. في تطور مفاجئ، وجه رئيس الولايات المتحدة دعوة للرموز العالمية الداعمة لتسطح الأرض للقائه في حوار مفتوح بالبيت الأبيض. كان هذا بمثابة اعتراف غير مباشر بهم. تباينت التحليلات لهذا التحرك بين تهدئة الأزمة ومحاولة لالتقاط الأنفاس.
في اجتماع البيت الأبيض، بدا الرئيس الأمريكي متعجرفاً، ورفض مصافحة الضيوف. أصر ممثلو "الأرض المسطحة" على أن الحقيقة هي أن صور ناسا ما هي إلا صور CGI. ورفضوا الاعتراف بوجود محطة الفضاء الدولية أو الأقمار الصناعية. اتفق الطرفان في النهاية على إرسال بعثة منهم إلى محطة الفضاء الدولية، على أن تتولى ناسا تدريبهم وإعدادهم في فترة قصيرة.
بعد عشرين يوماً من الهدوء النسبي، انطلق الصاروخ "إنفينيتي" حاملاً الفريقين (مؤيدي الأرض المسطحة ورواد ناسا) نحو محطة الفضاء الدولية. كان العالم يترقب اللحظة الحاسمة. ولكن فجأة، انفجر الصاروخ. سيطر الذهول على الجميع، وتحول إلى غضب ينذر بثورة جديدة وحرب عالمية ثالثة. أعلن رئيس الولايات المتحدة تنحيه عن الرئاسة، معرباً عن أسفه على الضحايا، ومؤكداً أن عطل محركات الدفع الصاروخي لا علاقة له بقبة سماوية.
في ختام الرواية، عادت ريم لتجد نفسها وابنتها ديمة وسط قصفٍ مستمر. سألت ديمة أمها: "أنا لم أفهم شيئاً، هل الأرض مسطحة إذا أم كروية؟". نظرت ريم نحو النافذة المطلية بالأزرق، وتنهدت بحزن قائلة: "لم نعرف بعد، ربما نعرف حين تنتهي الفوضى". انتهت القصة، وبقيت الحقيقة معلقة في خضم الفوضى.
حاولت ريم أن تبدد خوف صغيرتها فسألتها: "هل أقرأ عليكِ رواية جديدة هذه الليلة يا ديمة؟". ابتهجت الطفلة وردت بـ "حقاً؟!". نهضت ريم وأضاءت شمعة أخرى، وتناولت رواية من مكتبتها الخشبية. سألت ديمة عن اسم الرواية، لتجيب ريم بابتسامة رقيقة: "اسمها »قيد اإلخفاء« يا دودو". وبدأت الأم تقص أحداث الرواية التي وقعت في سنواتٍ ماضية.
تدور أحداث الرواية حول سندس الليثي، التي اطمأنت على نوم صغيرها ياسين ذي العامين. كانت سندس تعيش قلقاً متزايداً بسبب التغيرات غير المبررة على زوجها شريف النجار، فهو يقضي ساعات طويلة خارج البيت، ويسافر بحجة العمل. لاحظت السواد تحت عينيه وإصراره على مكوثها وصغيرها في مصر، وهو ما أقلقها. لم تكن سندس مقتنعة بمبررات شريف الواهية. تواصلت سندس مع شريف عبر موقع إلكتروني كوري غير معروف، حيث كان شريف يرفض استخدام التطبيقات المعتادة بحجة الحفاظ على خصوصية حوارهما. بدا شريف مرهقاً، وجادلته سندس حول سبب إصراره على إطفاء النور، متسائلة إن كانت هناك رفيقة معه، مما أثار ضحكاته وسعاله. بعد حديثٍ حميم، طمأنها شريف بأنه بخير، وأنه منشغل ببحثٍ جديد سيقلب موازين العلم رأساً على عقب. أخبرها كذلك بقراره بالعودة قريباً إلى مصر بعد الانتهاء من بحثه.
مر أسبوع على آخر حديثٍ لسندس مع زوجها، ولم يحاول الاتصال بها. اتصلت سندس مراراً وتكراراً، وأرسلت عشرات الرسائل الإلكترونية لبريده الشخصي وبريد عمله دون رد. أرسلت رسالة لجهة عمله تستعلم عن حضوره، لكنها لم تتلق رداً، ثم جاء الرد صادماً: "ال أحد يعمل لدينا بهذا الاسم!". بعد مقارنات دقيقة لبريدهم واسم زوجها وصورة جواز سفره، أرسلت سندس رسالة غاضبة مرفقة بصورة من جواز سفره وصور من موقع عمله تثبت وجوده وإنجازاته. جاء الرد بعد 24 ساعة مؤكداً صحة الصور، لكنهم عادوا ليؤكدوا أن "شريف النجار" المذكور قد تم فصله من العمل منذ عشرة أيام.
توجهت سندس ووالدها إلى السفارة الأمريكية بالقاهرة، حيث قابلت سيدة شقراء. أخبرتها سندس باختفاء زوجها وتغير طباعه، ومراسلاتها مع جهة عمله. طمأنتها السيدة الشقراء ووعدتها بالمساعدة. بعد يومين، تلقت سندس اتصالاً من السفارة الأمريكية يطلب حضورها عاجلاً. انتابتها شكوك حول اعتقال شريف لتعاونه مع منظمات إرهابية، أو إصابته في حادث، أو انتحاره، أو حتى ارتباطه بامرأة حسناء تدعى صوفيا. تبددت كل هذه الشكوك عندما قابلت السيدة الشقراء التي استقبلتها بوجهٍ حزين، قائلة: "ليرحم الرب زوجك". سقطت سندس فاقدة للوعي.
سافرت سندس ووالدها إلى الولايات المتحدة لاستلام جثمان شريف النجار، حيث أصرت أسرته على دفنه في وطنه. علمت سندس من المحققين أنهم عثروا على جثة مجهولة الهوية على طريق سريع خارج المدينة، اتضح لاحقاً أنها لزوجها القتيل، وعثر القاتل على رصاصة تزين منتصف جبهته. أخبروها أن "جريمة قتل هدفها السرقة". أعربت سندس عن إحباطها من فشل الشرطة الأمريكية في العثور على الجناة. عادت سندس إلى مصر مع جثة زوجها.
في إحدى الليالي، بينما كانت سندس في عيادتها، طرق الباب رجل وقور عجوز نحيف، عرف نفسه بأيوب فهمي أبو الوفا. أخبرها أيوب أنه صديق شريف، وناولها مظروفاً قائلاً: "هذا خطاب من شريف، طلب مني إيصاله إليكِ". التقطت سندس المظروف بلهفة، وتأكدت أنه بخط زوجها. لم يخبر أيوب سندس بمحتوى الخطاب، لكنه وعد بزيارتها غداً. في اليوم التالي، جاء أيوب أبو الوفا محملاً بصندوق كرتوني يخص ديمة، وطلب الكشف على ضروسه الملتهبة في عيادة سندس. هناك، بعيداً عن العائلة، كشف أيوب لسندس حقيقة صادمة: "شريف قُتل.. لكن لا علاقة لمقتله بحادث السرقة". عرض أيوب لسندس مقطع فيديو قصير لشريف، يوصيها فيه بأن تثق بـ"البروفيسور أيوب". ثم قص أيوب على سندس كل تفاصيل ما حدث لزوجها.
توجهت سندس بعد ذلك إلى ميدان التحرير، حاملة لافتة كتب عليها: "أمريكا قتلت زوجي". سرعان ما أحاطت بها الشرطة، ورفضت سندس الانصراف، مما أدى إلى دفعها من قبل ضابط وسقوطها أرضاً. ثم انهال عليها العساكر بوحشية حتى كادت تفقد الوعي، وتم اقتيادها إلى قسم الشرطة. انتشر الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي، مع صور وفيديوهات للاعتداء عليها. حاولت سندس التعليق على المنشورات لتوضيح أن ما حدث كان سوء تفاهم، وأنها طبيبة أسنان أرملة تريد حق زوجها الذي قتلته الحكومة الأمريكية، لكن تعليقاتها حُذفت، وتم حظرها من الصفحة. نشرت سندس منشوراً طويلاً على صفحتها الشخصية تشرح فيه الأمر برمته.
تلقت سندس اتصالاً من برنامج حواري مسائي، ووافقت على الظهور لتوصيل صوتها. في المداخلة، قاطعتها المذيعة مراراً محاولة تبرئة وزارة الداخلية، واتهمت سندس بارتكاب خطأ بالتظاهر. عندما ذكرت سندس كلمة "الرئيس"، انقطع الاتصال فجأة.
أمر أمجد سليمان، أحد أذرع النظام الإعلامية، بترتيب مداخلة لوائل البدراوي مع سندس. في الحلقة، تحدثت سندس عن عمل شريف في ناسا في تطوير محركات الدفع الصاروخي، ورفضه التخلي عن جنسيته المصرية. وعندما سألها وائل البدراوي عن ملابسات مقتله، قالت سندس بوضوح: "ناسا والحكومة الأمريكية هما من وراء مقتله". فُوجئ المذيعان، وخرجوا لفاصل. عاد وزير الخارجية المصري على الهواء، وأعلن استضافة سندس في مكتبه، مؤكداً أن "الدولة تقف وراء كل مواطن مصري داخل مصر أو خارجها". أكدت سندس أن ناسا أنكرت عمل شريف لديهم، ثم فصلوه، وحذفت أخباره من موقعهم الإلكتروني. وربطت مقتله ببحثٍ هام كان يعمل عليه، بحثٌ "سيقلب موازين العلم". وعندما سألها المذيعان عن طبيعة البحث، ترددت سندس، ثم كشفت أنه "بحث عن الـ Flat Earth" أو "الأرض المسطحة". أصاب المخرج الصدمة وأمر بإنهاء الحلقة فوراً.
بعد الحلقة، استقبلت سندس سيلًا من الرسائل، وتعجب والدها من الضجة التي أحدثتها. وافقت سندس على الظهور مرة أخرى للحديث عن بحث زوجها. وافق وائل البدراوي على استضافة أيوب أبو الوفا بدلاً من سندس في مناظرة حول الأرض المسطحة. بدأت المناظرة بانسحاب أحد الأطراف، ليصبح أيوب أبو الوفا هو الضيف الوحيد الذي يناظر نفسه.
في المناظرة، قدم أيوب أبو الوفا نظريته عن الأرض المسطحة، مستخدماً حججاً تبسيطية ومناقضاً للمفاهيم السائدة. أكد أن الأرض ثابتة وأن الشمس والقمر يدوران فوقها. وعرض فيديو يوضح نموذجه للأرض كقرص دائري محاط بجدار جليدي هو ما يسمى بالقارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا). ناقش بُعد الشمس وحجمها، وتأثير الجاذبية، مشككاً في مفاهيم مثل دوران الأرض. تحدث عن نظرية المنظور لتفسير اختفاء السفن في الأفق بدلاً من تكور الأرض. كما نفى وجود الأقمار الصناعية، قائلاً إنها أكاذيب منهجية تروجها وكالات الفضاء. استضاف البرنامج الدكتور عز الدين الجبالي، أستاذ الفقه المقارن، الذي أيد نظرية الأرض المسطحة من منظور ديني مستشهداً بآيات قرآنية وأحاديث. كما ظهر الدكتور مينا لبيب، المفكر القبطي، الذي أكد أن الكتاب المقدس تحدث عن تسطح الأرض.
بعد المناظرة، تعرض أيوب أبو الوفا للقتل، حيث عثر عليه مهشماً أسفل العقار الذي استأجر به شقة. انتشر الخبر كصدمة لأمجد سليمان، واعتبرته الشرطة انتحاراً، لكن الدلائل المادية كانت تناقض ذلك. أدى مقتله إلى تصاعد التوتر، وأصدرت السفارة الأمريكية بياناً يحذر رعاياها في مصر ويطالبهم بالمغادرة، ويزعم أن مقتل أيوب أبو الوفا كان مؤامرة من الحكومة المصرية. اندلعت موجات من الهجوم الإعلامي على الولايات المتحدة، واتهمتها بدعم الإرهاب.
بعدها، أعلن رئيس دولة بيرو عن نيته تسيير سفينة باسم "عين البشرية" للإبحار غرباً نحو الجدار الجليدي، لترسو على سواحل آسيا أو لتصل إلى نهاية الأرض. أبحر القبطان روبرتو جونزالو، المؤمن بتسطح الأرض، على متن السفينة. في تطور مفاجئ، وجه رئيس الولايات المتحدة دعوة للرموز العالمية الداعمة لتسطح الأرض للقائه في حوار مفتوح بالبيت الأبيض. كان هذا بمثابة اعتراف غير مباشر بهم. تباينت التحليلات لهذا التحرك بين تهدئة الأزمة ومحاولة لالتقاط الأنفاس.
في اجتماع البيت الأبيض، بدا الرئيس الأمريكي متعجرفاً، ورفض مصافحة الضيوف. أصر ممثلو "الأرض المسطحة" على أن الحقيقة هي أن صور ناسا ما هي إلا صور CGI. ورفضوا الاعتراف بوجود محطة الفضاء الدولية أو الأقمار الصناعية. اتفق الطرفان في النهاية على إرسال بعثة منهم إلى محطة الفضاء الدولية، على أن تتولى ناسا تدريبهم وإعدادهم في فترة قصيرة.
بعد عشرين يوماً من الهدوء النسبي، انطلق الصاروخ "إنفينيتي" حاملاً الفريقين (مؤيدي الأرض المسطحة ورواد ناسا) نحو محطة الفضاء الدولية. كان العالم يترقب اللحظة الحاسمة. ولكن فجأة، انفجر الصاروخ. سيطر الذهول على الجميع، وتحول إلى غضب ينذر بثورة جديدة وحرب عالمية ثالثة. أعلن رئيس الولايات المتحدة تنحيه عن الرئاسة، معرباً عن أسفه على الضحايا، ومؤكداً أن عطل محركات الدفع الصاروخي لا علاقة له بقبة سماوية.
في ختام الرواية، عادت ريم لتجد نفسها وابنتها ديمة وسط قصفٍ مستمر. سألت ديمة أمها: "أنا لم أفهم شيئاً، هل الأرض مسطحة إذا أم كروية؟". نظرت ريم نحو النافذة المطلية بالأزرق، وتنهدت بحزن قائلة: "لم نعرف بعد، ربما نعرف حين تنتهي الفوضى". انتهت القصة، وبقيت الحقيقة معلقة في خضم الفوضى.
View all episodes
By حكايات من الكتبفي ليلةٍ دامسة السواد، خيم فيها الظلام داخل الشقة وخارجها، وغاب البدر عن سمائها، ولم يُعلُ صوت سوى نباح كلاب ضالة، تمددت ديمة الصغيرة سقيمة من أثر الحمى. جلست ريم، والدة ديمة، بجوار ابنتها لتخفف عنها برد الشتاء القارس، وبدلت وجهها العابث الباكي بابتسامة مصطنعة. سألت ديمة: "ألم يأتِ أبي حتى الآن؟". أجابتها ريم بكلماتٍ خائفة: "دودو، أنتِ تعرفين ضغوط العمل على أبيكِ". كان والِد ديمة، شريف النجار، قد اعتاد العودة قبل المغرب، لكن القصف المكثف في العاصمة حيث يعمل حال دون عودته، لتجد ريم نفسها وحيدة مع صغيرتها ذات التسعة أعوام في ليلةٍ لم يعد العالم فيها آمنًا كما كان.
حاولت ريم أن تبدد خوف صغيرتها فسألتها: "هل أقرأ عليكِ رواية جديدة هذه الليلة يا ديمة؟". ابتهجت الطفلة وردت بـ "حقاً؟!". نهضت ريم وأضاءت شمعة أخرى، وتناولت رواية من مكتبتها الخشبية. سألت ديمة عن اسم الرواية، لتجيب ريم بابتسامة رقيقة: "اسمها »قيد اإلخفاء« يا دودو". وبدأت الأم تقص أحداث الرواية التي وقعت في سنواتٍ ماضية.
تدور أحداث الرواية حول سندس الليثي، التي اطمأنت على نوم صغيرها ياسين ذي العامين. كانت سندس تعيش قلقاً متزايداً بسبب التغيرات غير المبررة على زوجها شريف النجار، فهو يقضي ساعات طويلة خارج البيت، ويسافر بحجة العمل. لاحظت السواد تحت عينيه وإصراره على مكوثها وصغيرها في مصر، وهو ما أقلقها. لم تكن سندس مقتنعة بمبررات شريف الواهية. تواصلت سندس مع شريف عبر موقع إلكتروني كوري غير معروف، حيث كان شريف يرفض استخدام التطبيقات المعتادة بحجة الحفاظ على خصوصية حوارهما. بدا شريف مرهقاً، وجادلته سندس حول سبب إصراره على إطفاء النور، متسائلة إن كانت هناك رفيقة معه، مما أثار ضحكاته وسعاله. بعد حديثٍ حميم، طمأنها شريف بأنه بخير، وأنه منشغل ببحثٍ جديد سيقلب موازين العلم رأساً على عقب. أخبرها كذلك بقراره بالعودة قريباً إلى مصر بعد الانتهاء من بحثه.
مر أسبوع على آخر حديثٍ لسندس مع زوجها، ولم يحاول الاتصال بها. اتصلت سندس مراراً وتكراراً، وأرسلت عشرات الرسائل الإلكترونية لبريده الشخصي وبريد عمله دون رد. أرسلت رسالة لجهة عمله تستعلم عن حضوره، لكنها لم تتلق رداً، ثم جاء الرد صادماً: "ال أحد يعمل لدينا بهذا الاسم!". بعد مقارنات دقيقة لبريدهم واسم زوجها وصورة جواز سفره، أرسلت سندس رسالة غاضبة مرفقة بصورة من جواز سفره وصور من موقع عمله تثبت وجوده وإنجازاته. جاء الرد بعد 24 ساعة مؤكداً صحة الصور، لكنهم عادوا ليؤكدوا أن "شريف النجار" المذكور قد تم فصله من العمل منذ عشرة أيام.
توجهت سندس ووالدها إلى السفارة الأمريكية بالقاهرة، حيث قابلت سيدة شقراء. أخبرتها سندس باختفاء زوجها وتغير طباعه، ومراسلاتها مع جهة عمله. طمأنتها السيدة الشقراء ووعدتها بالمساعدة. بعد يومين، تلقت سندس اتصالاً من السفارة الأمريكية يطلب حضورها عاجلاً. انتابتها شكوك حول اعتقال شريف لتعاونه مع منظمات إرهابية، أو إصابته في حادث، أو انتحاره، أو حتى ارتباطه بامرأة حسناء تدعى صوفيا. تبددت كل هذه الشكوك عندما قابلت السيدة الشقراء التي استقبلتها بوجهٍ حزين، قائلة: "ليرحم الرب زوجك". سقطت سندس فاقدة للوعي.
سافرت سندس ووالدها إلى الولايات المتحدة لاستلام جثمان شريف النجار، حيث أصرت أسرته على دفنه في وطنه. علمت سندس من المحققين أنهم عثروا على جثة مجهولة الهوية على طريق سريع خارج المدينة، اتضح لاحقاً أنها لزوجها القتيل، وعثر القاتل على رصاصة تزين منتصف جبهته. أخبروها أن "جريمة قتل هدفها السرقة". أعربت سندس عن إحباطها من فشل الشرطة الأمريكية في العثور على الجناة. عادت سندس إلى مصر مع جثة زوجها.
في إحدى الليالي، بينما كانت سندس في عيادتها، طرق الباب رجل وقور عجوز نحيف، عرف نفسه بأيوب فهمي أبو الوفا. أخبرها أيوب أنه صديق شريف، وناولها مظروفاً قائلاً: "هذا خطاب من شريف، طلب مني إيصاله إليكِ". التقطت سندس المظروف بلهفة، وتأكدت أنه بخط زوجها. لم يخبر أيوب سندس بمحتوى الخطاب، لكنه وعد بزيارتها غداً. في اليوم التالي، جاء أيوب أبو الوفا محملاً بصندوق كرتوني يخص ديمة، وطلب الكشف على ضروسه الملتهبة في عيادة سندس. هناك، بعيداً عن العائلة، كشف أيوب لسندس حقيقة صادمة: "شريف قُتل.. لكن لا علاقة لمقتله بحادث السرقة". عرض أيوب لسندس مقطع فيديو قصير لشريف، يوصيها فيه بأن تثق بـ"البروفيسور أيوب". ثم قص أيوب على سندس كل تفاصيل ما حدث لزوجها.
توجهت سندس بعد ذلك إلى ميدان التحرير، حاملة لافتة كتب عليها: "أمريكا قتلت زوجي". سرعان ما أحاطت بها الشرطة، ورفضت سندس الانصراف، مما أدى إلى دفعها من قبل ضابط وسقوطها أرضاً. ثم انهال عليها العساكر بوحشية حتى كادت تفقد الوعي، وتم اقتيادها إلى قسم الشرطة. انتشر الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي، مع صور وفيديوهات للاعتداء عليها. حاولت سندس التعليق على المنشورات لتوضيح أن ما حدث كان سوء تفاهم، وأنها طبيبة أسنان أرملة تريد حق زوجها الذي قتلته الحكومة الأمريكية، لكن تعليقاتها حُذفت، وتم حظرها من الصفحة. نشرت سندس منشوراً طويلاً على صفحتها الشخصية تشرح فيه الأمر برمته.
تلقت سندس اتصالاً من برنامج حواري مسائي، ووافقت على الظهور لتوصيل صوتها. في المداخلة، قاطعتها المذيعة مراراً محاولة تبرئة وزارة الداخلية، واتهمت سندس بارتكاب خطأ بالتظاهر. عندما ذكرت سندس كلمة "الرئيس"، انقطع الاتصال فجأة.
أمر أمجد سليمان، أحد أذرع النظام الإعلامية، بترتيب مداخلة لوائل البدراوي مع سندس. في الحلقة، تحدثت سندس عن عمل شريف في ناسا في تطوير محركات الدفع الصاروخي، ورفضه التخلي عن جنسيته المصرية. وعندما سألها وائل البدراوي عن ملابسات مقتله، قالت سندس بوضوح: "ناسا والحكومة الأمريكية هما من وراء مقتله". فُوجئ المذيعان، وخرجوا لفاصل. عاد وزير الخارجية المصري على الهواء، وأعلن استضافة سندس في مكتبه، مؤكداً أن "الدولة تقف وراء كل مواطن مصري داخل مصر أو خارجها". أكدت سندس أن ناسا أنكرت عمل شريف لديهم، ثم فصلوه، وحذفت أخباره من موقعهم الإلكتروني. وربطت مقتله ببحثٍ هام كان يعمل عليه، بحثٌ "سيقلب موازين العلم". وعندما سألها المذيعان عن طبيعة البحث، ترددت سندس، ثم كشفت أنه "بحث عن الـ Flat Earth" أو "الأرض المسطحة". أصاب المخرج الصدمة وأمر بإنهاء الحلقة فوراً.
بعد الحلقة، استقبلت سندس سيلًا من الرسائل، وتعجب والدها من الضجة التي أحدثتها. وافقت سندس على الظهور مرة أخرى للحديث عن بحث زوجها. وافق وائل البدراوي على استضافة أيوب أبو الوفا بدلاً من سندس في مناظرة حول الأرض المسطحة. بدأت المناظرة بانسحاب أحد الأطراف، ليصبح أيوب أبو الوفا هو الضيف الوحيد الذي يناظر نفسه.
في المناظرة، قدم أيوب أبو الوفا نظريته عن الأرض المسطحة، مستخدماً حججاً تبسيطية ومناقضاً للمفاهيم السائدة. أكد أن الأرض ثابتة وأن الشمس والقمر يدوران فوقها. وعرض فيديو يوضح نموذجه للأرض كقرص دائري محاط بجدار جليدي هو ما يسمى بالقارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا). ناقش بُعد الشمس وحجمها، وتأثير الجاذبية، مشككاً في مفاهيم مثل دوران الأرض. تحدث عن نظرية المنظور لتفسير اختفاء السفن في الأفق بدلاً من تكور الأرض. كما نفى وجود الأقمار الصناعية، قائلاً إنها أكاذيب منهجية تروجها وكالات الفضاء. استضاف البرنامج الدكتور عز الدين الجبالي، أستاذ الفقه المقارن، الذي أيد نظرية الأرض المسطحة من منظور ديني مستشهداً بآيات قرآنية وأحاديث. كما ظهر الدكتور مينا لبيب، المفكر القبطي، الذي أكد أن الكتاب المقدس تحدث عن تسطح الأرض.
بعد المناظرة، تعرض أيوب أبو الوفا للقتل، حيث عثر عليه مهشماً أسفل العقار الذي استأجر به شقة. انتشر الخبر كصدمة لأمجد سليمان، واعتبرته الشرطة انتحاراً، لكن الدلائل المادية كانت تناقض ذلك. أدى مقتله إلى تصاعد التوتر، وأصدرت السفارة الأمريكية بياناً يحذر رعاياها في مصر ويطالبهم بالمغادرة، ويزعم أن مقتل أيوب أبو الوفا كان مؤامرة من الحكومة المصرية. اندلعت موجات من الهجوم الإعلامي على الولايات المتحدة، واتهمتها بدعم الإرهاب.
بعدها، أعلن رئيس دولة بيرو عن نيته تسيير سفينة باسم "عين البشرية" للإبحار غرباً نحو الجدار الجليدي، لترسو على سواحل آسيا أو لتصل إلى نهاية الأرض. أبحر القبطان روبرتو جونزالو، المؤمن بتسطح الأرض، على متن السفينة. في تطور مفاجئ، وجه رئيس الولايات المتحدة دعوة للرموز العالمية الداعمة لتسطح الأرض للقائه في حوار مفتوح بالبيت الأبيض. كان هذا بمثابة اعتراف غير مباشر بهم. تباينت التحليلات لهذا التحرك بين تهدئة الأزمة ومحاولة لالتقاط الأنفاس.
في اجتماع البيت الأبيض، بدا الرئيس الأمريكي متعجرفاً، ورفض مصافحة الضيوف. أصر ممثلو "الأرض المسطحة" على أن الحقيقة هي أن صور ناسا ما هي إلا صور CGI. ورفضوا الاعتراف بوجود محطة الفضاء الدولية أو الأقمار الصناعية. اتفق الطرفان في النهاية على إرسال بعثة منهم إلى محطة الفضاء الدولية، على أن تتولى ناسا تدريبهم وإعدادهم في فترة قصيرة.
بعد عشرين يوماً من الهدوء النسبي، انطلق الصاروخ "إنفينيتي" حاملاً الفريقين (مؤيدي الأرض المسطحة ورواد ناسا) نحو محطة الفضاء الدولية. كان العالم يترقب اللحظة الحاسمة. ولكن فجأة، انفجر الصاروخ. سيطر الذهول على الجميع، وتحول إلى غضب ينذر بثورة جديدة وحرب عالمية ثالثة. أعلن رئيس الولايات المتحدة تنحيه عن الرئاسة، معرباً عن أسفه على الضحايا، ومؤكداً أن عطل محركات الدفع الصاروخي لا علاقة له بقبة سماوية.
في ختام الرواية، عادت ريم لتجد نفسها وابنتها ديمة وسط قصفٍ مستمر. سألت ديمة أمها: "أنا لم أفهم شيئاً، هل الأرض مسطحة إذا أم كروية؟". نظرت ريم نحو النافذة المطلية بالأزرق، وتنهدت بحزن قائلة: "لم نعرف بعد، ربما نعرف حين تنتهي الفوضى". انتهت القصة، وبقيت الحقيقة معلقة في خضم الفوضى.
حاولت ريم أن تبدد خوف صغيرتها فسألتها: "هل أقرأ عليكِ رواية جديدة هذه الليلة يا ديمة؟". ابتهجت الطفلة وردت بـ "حقاً؟!". نهضت ريم وأضاءت شمعة أخرى، وتناولت رواية من مكتبتها الخشبية. سألت ديمة عن اسم الرواية، لتجيب ريم بابتسامة رقيقة: "اسمها »قيد اإلخفاء« يا دودو". وبدأت الأم تقص أحداث الرواية التي وقعت في سنواتٍ ماضية.
تدور أحداث الرواية حول سندس الليثي، التي اطمأنت على نوم صغيرها ياسين ذي العامين. كانت سندس تعيش قلقاً متزايداً بسبب التغيرات غير المبررة على زوجها شريف النجار، فهو يقضي ساعات طويلة خارج البيت، ويسافر بحجة العمل. لاحظت السواد تحت عينيه وإصراره على مكوثها وصغيرها في مصر، وهو ما أقلقها. لم تكن سندس مقتنعة بمبررات شريف الواهية. تواصلت سندس مع شريف عبر موقع إلكتروني كوري غير معروف، حيث كان شريف يرفض استخدام التطبيقات المعتادة بحجة الحفاظ على خصوصية حوارهما. بدا شريف مرهقاً، وجادلته سندس حول سبب إصراره على إطفاء النور، متسائلة إن كانت هناك رفيقة معه، مما أثار ضحكاته وسعاله. بعد حديثٍ حميم، طمأنها شريف بأنه بخير، وأنه منشغل ببحثٍ جديد سيقلب موازين العلم رأساً على عقب. أخبرها كذلك بقراره بالعودة قريباً إلى مصر بعد الانتهاء من بحثه.
مر أسبوع على آخر حديثٍ لسندس مع زوجها، ولم يحاول الاتصال بها. اتصلت سندس مراراً وتكراراً، وأرسلت عشرات الرسائل الإلكترونية لبريده الشخصي وبريد عمله دون رد. أرسلت رسالة لجهة عمله تستعلم عن حضوره، لكنها لم تتلق رداً، ثم جاء الرد صادماً: "ال أحد يعمل لدينا بهذا الاسم!". بعد مقارنات دقيقة لبريدهم واسم زوجها وصورة جواز سفره، أرسلت سندس رسالة غاضبة مرفقة بصورة من جواز سفره وصور من موقع عمله تثبت وجوده وإنجازاته. جاء الرد بعد 24 ساعة مؤكداً صحة الصور، لكنهم عادوا ليؤكدوا أن "شريف النجار" المذكور قد تم فصله من العمل منذ عشرة أيام.
توجهت سندس ووالدها إلى السفارة الأمريكية بالقاهرة، حيث قابلت سيدة شقراء. أخبرتها سندس باختفاء زوجها وتغير طباعه، ومراسلاتها مع جهة عمله. طمأنتها السيدة الشقراء ووعدتها بالمساعدة. بعد يومين، تلقت سندس اتصالاً من السفارة الأمريكية يطلب حضورها عاجلاً. انتابتها شكوك حول اعتقال شريف لتعاونه مع منظمات إرهابية، أو إصابته في حادث، أو انتحاره، أو حتى ارتباطه بامرأة حسناء تدعى صوفيا. تبددت كل هذه الشكوك عندما قابلت السيدة الشقراء التي استقبلتها بوجهٍ حزين، قائلة: "ليرحم الرب زوجك". سقطت سندس فاقدة للوعي.
سافرت سندس ووالدها إلى الولايات المتحدة لاستلام جثمان شريف النجار، حيث أصرت أسرته على دفنه في وطنه. علمت سندس من المحققين أنهم عثروا على جثة مجهولة الهوية على طريق سريع خارج المدينة، اتضح لاحقاً أنها لزوجها القتيل، وعثر القاتل على رصاصة تزين منتصف جبهته. أخبروها أن "جريمة قتل هدفها السرقة". أعربت سندس عن إحباطها من فشل الشرطة الأمريكية في العثور على الجناة. عادت سندس إلى مصر مع جثة زوجها.
في إحدى الليالي، بينما كانت سندس في عيادتها، طرق الباب رجل وقور عجوز نحيف، عرف نفسه بأيوب فهمي أبو الوفا. أخبرها أيوب أنه صديق شريف، وناولها مظروفاً قائلاً: "هذا خطاب من شريف، طلب مني إيصاله إليكِ". التقطت سندس المظروف بلهفة، وتأكدت أنه بخط زوجها. لم يخبر أيوب سندس بمحتوى الخطاب، لكنه وعد بزيارتها غداً. في اليوم التالي، جاء أيوب أبو الوفا محملاً بصندوق كرتوني يخص ديمة، وطلب الكشف على ضروسه الملتهبة في عيادة سندس. هناك، بعيداً عن العائلة، كشف أيوب لسندس حقيقة صادمة: "شريف قُتل.. لكن لا علاقة لمقتله بحادث السرقة". عرض أيوب لسندس مقطع فيديو قصير لشريف، يوصيها فيه بأن تثق بـ"البروفيسور أيوب". ثم قص أيوب على سندس كل تفاصيل ما حدث لزوجها.
توجهت سندس بعد ذلك إلى ميدان التحرير، حاملة لافتة كتب عليها: "أمريكا قتلت زوجي". سرعان ما أحاطت بها الشرطة، ورفضت سندس الانصراف، مما أدى إلى دفعها من قبل ضابط وسقوطها أرضاً. ثم انهال عليها العساكر بوحشية حتى كادت تفقد الوعي، وتم اقتيادها إلى قسم الشرطة. انتشر الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي، مع صور وفيديوهات للاعتداء عليها. حاولت سندس التعليق على المنشورات لتوضيح أن ما حدث كان سوء تفاهم، وأنها طبيبة أسنان أرملة تريد حق زوجها الذي قتلته الحكومة الأمريكية، لكن تعليقاتها حُذفت، وتم حظرها من الصفحة. نشرت سندس منشوراً طويلاً على صفحتها الشخصية تشرح فيه الأمر برمته.
تلقت سندس اتصالاً من برنامج حواري مسائي، ووافقت على الظهور لتوصيل صوتها. في المداخلة، قاطعتها المذيعة مراراً محاولة تبرئة وزارة الداخلية، واتهمت سندس بارتكاب خطأ بالتظاهر. عندما ذكرت سندس كلمة "الرئيس"، انقطع الاتصال فجأة.
أمر أمجد سليمان، أحد أذرع النظام الإعلامية، بترتيب مداخلة لوائل البدراوي مع سندس. في الحلقة، تحدثت سندس عن عمل شريف في ناسا في تطوير محركات الدفع الصاروخي، ورفضه التخلي عن جنسيته المصرية. وعندما سألها وائل البدراوي عن ملابسات مقتله، قالت سندس بوضوح: "ناسا والحكومة الأمريكية هما من وراء مقتله". فُوجئ المذيعان، وخرجوا لفاصل. عاد وزير الخارجية المصري على الهواء، وأعلن استضافة سندس في مكتبه، مؤكداً أن "الدولة تقف وراء كل مواطن مصري داخل مصر أو خارجها". أكدت سندس أن ناسا أنكرت عمل شريف لديهم، ثم فصلوه، وحذفت أخباره من موقعهم الإلكتروني. وربطت مقتله ببحثٍ هام كان يعمل عليه، بحثٌ "سيقلب موازين العلم". وعندما سألها المذيعان عن طبيعة البحث، ترددت سندس، ثم كشفت أنه "بحث عن الـ Flat Earth" أو "الأرض المسطحة". أصاب المخرج الصدمة وأمر بإنهاء الحلقة فوراً.
بعد الحلقة، استقبلت سندس سيلًا من الرسائل، وتعجب والدها من الضجة التي أحدثتها. وافقت سندس على الظهور مرة أخرى للحديث عن بحث زوجها. وافق وائل البدراوي على استضافة أيوب أبو الوفا بدلاً من سندس في مناظرة حول الأرض المسطحة. بدأت المناظرة بانسحاب أحد الأطراف، ليصبح أيوب أبو الوفا هو الضيف الوحيد الذي يناظر نفسه.
في المناظرة، قدم أيوب أبو الوفا نظريته عن الأرض المسطحة، مستخدماً حججاً تبسيطية ومناقضاً للمفاهيم السائدة. أكد أن الأرض ثابتة وأن الشمس والقمر يدوران فوقها. وعرض فيديو يوضح نموذجه للأرض كقرص دائري محاط بجدار جليدي هو ما يسمى بالقارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا). ناقش بُعد الشمس وحجمها، وتأثير الجاذبية، مشككاً في مفاهيم مثل دوران الأرض. تحدث عن نظرية المنظور لتفسير اختفاء السفن في الأفق بدلاً من تكور الأرض. كما نفى وجود الأقمار الصناعية، قائلاً إنها أكاذيب منهجية تروجها وكالات الفضاء. استضاف البرنامج الدكتور عز الدين الجبالي، أستاذ الفقه المقارن، الذي أيد نظرية الأرض المسطحة من منظور ديني مستشهداً بآيات قرآنية وأحاديث. كما ظهر الدكتور مينا لبيب، المفكر القبطي، الذي أكد أن الكتاب المقدس تحدث عن تسطح الأرض.
بعد المناظرة، تعرض أيوب أبو الوفا للقتل، حيث عثر عليه مهشماً أسفل العقار الذي استأجر به شقة. انتشر الخبر كصدمة لأمجد سليمان، واعتبرته الشرطة انتحاراً، لكن الدلائل المادية كانت تناقض ذلك. أدى مقتله إلى تصاعد التوتر، وأصدرت السفارة الأمريكية بياناً يحذر رعاياها في مصر ويطالبهم بالمغادرة، ويزعم أن مقتل أيوب أبو الوفا كان مؤامرة من الحكومة المصرية. اندلعت موجات من الهجوم الإعلامي على الولايات المتحدة، واتهمتها بدعم الإرهاب.
بعدها، أعلن رئيس دولة بيرو عن نيته تسيير سفينة باسم "عين البشرية" للإبحار غرباً نحو الجدار الجليدي، لترسو على سواحل آسيا أو لتصل إلى نهاية الأرض. أبحر القبطان روبرتو جونزالو، المؤمن بتسطح الأرض، على متن السفينة. في تطور مفاجئ، وجه رئيس الولايات المتحدة دعوة للرموز العالمية الداعمة لتسطح الأرض للقائه في حوار مفتوح بالبيت الأبيض. كان هذا بمثابة اعتراف غير مباشر بهم. تباينت التحليلات لهذا التحرك بين تهدئة الأزمة ومحاولة لالتقاط الأنفاس.
في اجتماع البيت الأبيض، بدا الرئيس الأمريكي متعجرفاً، ورفض مصافحة الضيوف. أصر ممثلو "الأرض المسطحة" على أن الحقيقة هي أن صور ناسا ما هي إلا صور CGI. ورفضوا الاعتراف بوجود محطة الفضاء الدولية أو الأقمار الصناعية. اتفق الطرفان في النهاية على إرسال بعثة منهم إلى محطة الفضاء الدولية، على أن تتولى ناسا تدريبهم وإعدادهم في فترة قصيرة.
بعد عشرين يوماً من الهدوء النسبي، انطلق الصاروخ "إنفينيتي" حاملاً الفريقين (مؤيدي الأرض المسطحة ورواد ناسا) نحو محطة الفضاء الدولية. كان العالم يترقب اللحظة الحاسمة. ولكن فجأة، انفجر الصاروخ. سيطر الذهول على الجميع، وتحول إلى غضب ينذر بثورة جديدة وحرب عالمية ثالثة. أعلن رئيس الولايات المتحدة تنحيه عن الرئاسة، معرباً عن أسفه على الضحايا، ومؤكداً أن عطل محركات الدفع الصاروخي لا علاقة له بقبة سماوية.
في ختام الرواية، عادت ريم لتجد نفسها وابنتها ديمة وسط قصفٍ مستمر. سألت ديمة أمها: "أنا لم أفهم شيئاً، هل الأرض مسطحة إذا أم كروية؟". نظرت ريم نحو النافذة المطلية بالأزرق، وتنهدت بحزن قائلة: "لم نعرف بعد، ربما نعرف حين تنتهي الفوضى". انتهت القصة، وبقيت الحقيقة معلقة في خضم الفوضى.