في قلب مدينة غرناطة الحديثة، وتحديدًا في حي البيازين المطل على قصور الحمراء، عاشت فاتيما البالغة من العمر ثمانية عشر عامًا مع جدها. كانت فاتيما فتاة جميلة ذات عينين عسليتين وشعر بني مائل للأشقر، تفتخر بكونها إسبانية. وفي يوم الثاني من يناير، وهو يوم تحتفل فيه إسبانيا بطرد العرب، أصرت فاتيما على حضور الاحتفال، رغم تحفّظ جدها الذي بدا عليه الحزن. رأت فاتيما الاحتفال المهيب ومشاهد الحرب التمثيلية التي تُظهر انتصار الإسبان على العرب المسلمين الذين وصفتهم بأنهم "همج الصحراء" و"متخلفون". شعرت بفخر عظيم لتحرير بلادها من هذا الاحتلال "الهمجي". بل إن خطيبها بيدرو طلب منها أن يكون زفافهما في مثل هذا اليوم من العام القادم احتفالًا بـ"عظمة إسبانيا". لكن جدها، خليل، الذي رباها واعتنى بها بعد وفاة والديها في حادث أليم، قرر أن الوقت قد حان لتتعرف على الحقيقة. كشف لها سرًا عظيمًا يختبئون به من رجال فرانكو الذين "لا يرحمون من يُشك في ولائه للدين والوطن". الصدمة الكبرى كانت عندما أخبرها جدها أنه مسلم، وأن والديها كانا مسلمين أيضًا، وأنها تنحدر من سلالة مسلمة. هذا يعني أنها لا تستطيع الزواج من بيدرو الكاثوليكي المتعصب. لم تصدق فاتيما ما سمعت، وشككت في جدها واتهمته بالخرف. لكن جدها دعاها إلى غرفته المغلقة دائمًا، حيث كشف لها عن المصحف الشريف (كتاب الله) وعن صور تعود لعصور الأندلس الإسلامية. عادت الذاكرة بنا إلى عصور مضت، حيث كانت الأندلس تعج بالفتن والتمردات. الأمير عبد الله، حاكم قرطبة، كان يواجه تحديات داخلية وخارجية. كان من بينها تمرد عمر بن حفصون في جبال ببشتر. كما عانى الأمير عبد الله من صراع بين ابنيه محمد (ولي العهد) والمطرف. بسبب وشاية من المطرف، سُجن محمد، رغم إخلاصه وولائه لأبيه. فر محمد بعد ذلك إلى ابن حفصون طلبًا للحماية. حاول الوزيران عبد الملك وابن محمد إقناع الأمير عبد الله ببراءة محمد. أرسل الأمير عبد الله رسالة إلى محمد يطلب فيها عودته ويَعِده بالأمان. استجاب محمد لطلب أبيه وعاد إلى قرطبة، تاركًا حماية ابن حفصون. لكن عند وصوله، سُجن محمد بأمر من أبيه في دار البنيقة. كان المطرف سعيدًا بما حدث لأخيه، وحاول استغلال الوضع لإزاحة محمد عن ولاية العهد. في غياب الأمير عبد الله الذي خرج لمواجهة ابن حفصون، قُتل محمد في سجنه على يد أخيه المطرف. حزن الأمير عبد الله لمقتل ابنه، لكنه لم يتوقف عن قتال ابن حفصون. عاد الأمير عبد الله منتصرًا، لكنه لم يُعاقب المطرف فورًا خوفًا من الفتنة. لاحقًا، قُتل المطرف بأمر من الأمير عبد الله. وسط هذه الاضطرابات، وُلد لـ محمد ومزنة (جاريته) ولد، سُمي عبد الرحمن، تيمنًا بجده عبد الرحمن الداخل (صقر قريش) باني ملك بني أمية في الأندلس. اعتنى به جده الأمير عبد الله عناية خاصة، وأوكل أمره إلى الفقيه الشاعر أبو عمر أحمد بن عبد ربه ليعلّمه الشعر والأنساب والقرآن والحديث، وليكون قدوة له في جده الداخل. تولى عبد الرحمن حكم الأندلس بعد وفاة جده الأمير عبد الله. كانت البلاد ممزقة بالفتن والثورات والممالك المسيحية المتعادية. لكن عبد الرحمن، بعزيمته وقوته، بدأ في توحيد الأندلس. واجه عمر بن حفصون وأبناءه، وانتصر عليهم وأخضعهم. كما واجه الممالك المسيحية في الشمال (ليون، نافارا، قشتالة) بقيادة ملوك مثل أردونيو الثاني وراميرو الثاني وسانشو الأول وطوطة (ملكة نافارا). في عام 316 هـ (929 م)، أعلن عبد الرحمن نفسه خليفة للمسلمين، ولقّب نفسه بـ الناصر لدين الله. تحت حكمه، بلغت قرطبة والأندلس أوج قوتها وعظمتها وازدهارها. أصبحت قرطبة جوهرة الدنيا. بنى الناصر قصر الزهراء الفخم ووسّع المسجد الجامع، وأقام القناطر والمستشفيات والمدارس والمكتبات العامة، وجلب الماء إلى المدينة، ونظّم الطرق. اهتم بالعلم والعلماء وشجع التعليم حتى للأطفال الفقراء. أصبحت قرطبة مركزًا للعلم يقصدها الطلاب والسفراء من كل مكان، حتى من أوروبا المسيحية. قوي الجيش والأسطول البحري. استتب الأمن والرخاء. حتى أن التجار كانوا يسافرون في أمان دون خوف. واجه الناصر القحط والجفاف بتضرع إلى الله والتخفيف عن رعيته. كان يتمتع بصفات الحزم والصرامة والعدل والتواضع. حتى أنه تقبل موعظة قاسية من القاضي منذر بن سعيد في خطبة الجمعة. في خضم عظمة الأندلس، عادت قصة يوسف وسمية للظهور. كانا طفلين مسلمين من طلبرية استولى عليها المسيحيون، وأخذهما القائد غونثالو. عاش يوسف وسمية في أسر في برغش، وحاول غونثالو وزوجته مونيا دونا وولدها فرنان تحويلهما إلى المسيحية. تمكن يوسف من الهرب ووصل إلى قرطبة، حيث أذهله جمالها وعظمتها، وعمل ناسخًا للكتب في سوق الوراقين. أما سمية، فقد دخلت الدير مجبرة، لكنها لم تتخل عن إسلامها سراً. بفضل جهود يوسف ودعاء القاضي منذر بن سعيد، وصلت قصة سمية إلى الخليفة الناصر. استغل الناصر طلب ملك ليون للصلح، واشترط عليه تسليم سمية لإثبات حسن نيته. عادت سمية أخيرًا إلى قرطبة، والتقت بيوسف. توفي عبد الرحمن الناصر بعد حكم دام نحو خمسين عامًا، كانت الأندلس في عهده أعظم دول الغرب الإسلامي. ترك دولة قوية ومزدهرة. تعود القصة إلى فاتيما في غرناطة. بعد صدمة اكتشاف حقيقة هويتها، انفصلت فاتيما عن بيدرو. ذهبت إلى قصر الحمراء، تتأمل النقوش العربية التي لم تتعلم لغتها من قبل. هناك، التقت بـ عمر (يوسف)، الشاب العربي الذي أهانته سابقًا. رأت في دفتره عبارة "ولا غالب إلا الله". أدركت فاتيما أنها جزء من تاريخ عظيم، وأن أجدادها هم من بنوا هذا الجمال الذي تراه. بدأت تشعر بالفخر بدمها العربي الأندلسي، وأنها حفيدة بناة الحضارة. رغم تقلبات الزمن، تظل روح الأندلس حاضرة، وقصص أبطالها مثل عبد الرحمن الناصر، الذي أعاد ربيع الأندلس، لا تُمحى من التاريخ. تظل قرطبة وقصورها ومنارتها شاهدة على عصر من العظمة والعلم.