
Sign up to save your podcasts
Or
سؤال يخطر على بال كثيرٍ منا
وقد يظن بعضنا أنه لو طُرح هذا السؤال على أهل العلم فسوف يَتَلَبَّكون ولن يجدوا جواباً :)
ولا يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن من الناس من سيسأل هذا السؤال، وأرشد إلى طريقة التعامل معه
سؤال: من خلق الله؟
كنتُ في صِغَري وأنا مُستَلقٍ على سريري قبلَ النَّومِ أَتَسَاءَلُ: أَلَيسَ لِكُلِّ شيءٍ خَالِقٌ؟ فمَنْ خَلقَ اللهَ؟
ثمَّ أُحِسُّ بأنَّ هذا السُّؤالَ حرامٌ،لا يخطرُ ببالِ أحدٍ مِن حولي.
كَبُرتُ فعرَفتُ أَنَّ هذا السُّؤَالَ يتسائلهُ الكثيرونَ، بَل، وعرفتُ أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قد نَصَّ على أَنَّ كثيرينَ سيسألونهُ، وأرشدَ إلى طَرِيقةِ التَّعامُلِ مع هذا السُّؤالِ.
بدايةً، ما مَنشَأُ هذا السُّؤالِ؟
مَنشَؤهُ أَنَّنا نظُنُّ القاعدةَ كَالتَّالي: لكلِّ شيءٍ مُسبِّبٌ، ولكلِّ مَوجودٍ خَالِقٌ.
بينما القاعدةُ الصَّحيحَةُ هي: لكلِّ شيءٍ (حَادِثٍ) مُسبِّبٌ، ولكلِّ (مَخْلُوقٍ) خَالِقٌ.
لكلِّ شيءٍ حادِثٍ مُسبِّبٌ: (حادِثٌ) أي له بدايةٌ، وُجِدَ بعد أَن لم يكن مَوجودًا، فكلُّ ما له بدايةٌ، لا بُدَّ له مِن مُسبِّبٍ أخرجهُ مِن العَدَمِ إلى الوجودِ، أحدَثَهُ بعد أَن لم يكنْ.
لأَنَّه السَّببُ الأَوَّلُ، أي ليس له مُسبِّبٌ حسنًا، لِماذَا؟ لأنَّك لو افترضتَ أنَّه أَوجدَهُ خَالِقٌ، فستسألُ ومَن أَوجدَ خالِقَ الخالِقِ؟ وهكذا إلى ما لا بدايةٍ، وهذا يُؤَدِّي إلى تسلسُلِ الأَسبابِ، ويُسَمَّى أيضًا (تسلسُلَ الفاعِلينَ) وهو مُستحِيلٌ عقلًا؛ لأَنَّ نتِيجتَهُ أَن لا يحصلَ خَلْقٌ أَصلًا، كما بَيَّنا في الحلقةِ الماضيةِ وضربْنا له مثالَ الأسيرِ الَّذي لا يُطْلَقُ سَراحُهُ حتَّى يتلقَّى الجُنديُّ أَمرًا مِن قائدِه، والقائدُ مِن قائدِهِ وهكذا إلى ما لا بدايةٍ، فلا يُحرَّرُ الأَسيرُ، فإذا رأَيناهُ أُطلِقَ سَراحُهُ، عَلِمنَا أَنَّ السِّلسلةَ وَقفتْ عند مَن أَعطى الأَمرَ دُونَ أَنْ يَتلقَّى أَمرًا مِن أَحدٍ أَعلى مِنهُ رُتبةً.
إذا رأيتَ دُميةً تُحرَّكُ بخُيوطٍ، وعلِمتَ أَنَّ هناكَ مِن خلفِ السِّتارِ إنسانًا يُحرِّكُها، فهل مِن المَقبولِ أَنْ تَسأَلَ: ومَن يُحرِّكُ خُيوطَ هذا الإِنسانِ؟
إذا رأيتَ رغِيفَ خُبزٍ وعلِمتَ أنَّهُ لا بُدَّ للخبز مِن خبَّازٍ، فهل تَسأَلُ: ومَن خبزَ الخبَّازَ؟ لا بالتأكيد، بل هو سؤالٌ مُضحِكٌ وخاطِئٌ!
لماذا؟ لأنَّهُ طبَّقَ تَعميمًا في غيرِ مكانِهِ، وكذلكَ فالخَلقُ صِفةٌ مُلازِمةٌ للمَخلُوقِينَ، فلا تُعمَّمُ على الخالِقِ فسؤالُ (مَن خَلَقَ اللهَ؟) سُؤَالٌ خَاطِئٌ، مثل سُؤالِ: ما طُولُ الضِّلعِ الرَّابعِ في المثلَّثِ؟ وهو كأَنَّكَ تقُولُ: مَن خَلَقَ الَّذي لا خالِقَ لَهُ؟ أو مَن الَّذي سَبَقَ الَّذي لا شيءَ قَبلَهُ؟
فالجَوَابُ: الخالِقُ ليس له خالِقٌ؛ لأنَّهُ لو كان له خالِقٌ، لكانَ مَخلُوقًا لا خالِقًا.
لذا فهذا السُّؤالُ ليس مُحرِجًا، ولا خالفتِ الشَّريعةُ مِن أنْ يَخطرَ ببالِ النَّاسِ، بل أخبرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سلَفًا بأنَّهُ سيُسأَلُ،
وأَرشدنا إلى التَّعامُلِ معهُ.
إلى ماذا أَرشدَنا؟
في الحدِيثِ الَّذي رواهُ البُخاريُّ ومُسلِمٌ أَنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: «يَأْتي الشَّيْطَانُ أحَدَكُمْ فيَقولُ: مَن خَلَقَ كَذَا، مَن خَلَقَ كَذَا، حتَّى يَقُولَ: مَن خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ باللَّهِ ولْيَنْتَهِ» (رواه البخاريُّ ومسلم)
ولْينتَهِ: أي ينتَهي عَن الاسترسَالِ والاستمرَارِ مع هذه السِّلسلةِ مِن التَّساؤلاتِ بعد هذا الحَدِّ.
هل هذا حَجْرٌ على العَقلِ وتَعطيلٌ للعقلِ؟ أبدًا؛ بل هو الموقفُ العقليُّ الصَّحِيحُ.
لماذا؟ لأَنَّ هذا السُّؤالَ: (مَن خَلَقَ رَبَّكَ؟) هو كما بَيَّنَّا سؤالٌ يُخالِفُ البدهيَّاتِ العقليَّةَ، والبدهيَّاتُ العقليَّةُ هي الَّتي يَنطَلقُ منها الإنسانُ في الاستِدلالِ، لا أنَّهُ يَطلُبُ لها أدلَّةً عليها حتَّى يستَمِرَّ في سِلسلةِ البَرهَناتِ والتَّعليلاتِ.
لذلكَ فَفي الحَدِيثِ الآخَرِ وَجَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَن يَأتِيهِ هذا السَّؤُالُ إلى أَنْ يقولَ: «اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ لم يَلِدْ، ولم يُولَدْ، ولم
يَكُنْ له كُفُوًا أَحَدٌ» (حسَّنه الألبانيُّ)
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.
سؤال يخطر على بال كثيرٍ منا
وقد يظن بعضنا أنه لو طُرح هذا السؤال على أهل العلم فسوف يَتَلَبَّكون ولن يجدوا جواباً :)
ولا يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن من الناس من سيسأل هذا السؤال، وأرشد إلى طريقة التعامل معه
سؤال: من خلق الله؟
كنتُ في صِغَري وأنا مُستَلقٍ على سريري قبلَ النَّومِ أَتَسَاءَلُ: أَلَيسَ لِكُلِّ شيءٍ خَالِقٌ؟ فمَنْ خَلقَ اللهَ؟
ثمَّ أُحِسُّ بأنَّ هذا السُّؤالَ حرامٌ،لا يخطرُ ببالِ أحدٍ مِن حولي.
كَبُرتُ فعرَفتُ أَنَّ هذا السُّؤَالَ يتسائلهُ الكثيرونَ، بَل، وعرفتُ أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قد نَصَّ على أَنَّ كثيرينَ سيسألونهُ، وأرشدَ إلى طَرِيقةِ التَّعامُلِ مع هذا السُّؤالِ.
بدايةً، ما مَنشَأُ هذا السُّؤالِ؟
مَنشَؤهُ أَنَّنا نظُنُّ القاعدةَ كَالتَّالي: لكلِّ شيءٍ مُسبِّبٌ، ولكلِّ مَوجودٍ خَالِقٌ.
بينما القاعدةُ الصَّحيحَةُ هي: لكلِّ شيءٍ (حَادِثٍ) مُسبِّبٌ، ولكلِّ (مَخْلُوقٍ) خَالِقٌ.
لكلِّ شيءٍ حادِثٍ مُسبِّبٌ: (حادِثٌ) أي له بدايةٌ، وُجِدَ بعد أَن لم يكن مَوجودًا، فكلُّ ما له بدايةٌ، لا بُدَّ له مِن مُسبِّبٍ أخرجهُ مِن العَدَمِ إلى الوجودِ، أحدَثَهُ بعد أَن لم يكنْ.
لأَنَّه السَّببُ الأَوَّلُ، أي ليس له مُسبِّبٌ حسنًا، لِماذَا؟ لأنَّك لو افترضتَ أنَّه أَوجدَهُ خَالِقٌ، فستسألُ ومَن أَوجدَ خالِقَ الخالِقِ؟ وهكذا إلى ما لا بدايةٍ، وهذا يُؤَدِّي إلى تسلسُلِ الأَسبابِ، ويُسَمَّى أيضًا (تسلسُلَ الفاعِلينَ) وهو مُستحِيلٌ عقلًا؛ لأَنَّ نتِيجتَهُ أَن لا يحصلَ خَلْقٌ أَصلًا، كما بَيَّنا في الحلقةِ الماضيةِ وضربْنا له مثالَ الأسيرِ الَّذي لا يُطْلَقُ سَراحُهُ حتَّى يتلقَّى الجُنديُّ أَمرًا مِن قائدِه، والقائدُ مِن قائدِهِ وهكذا إلى ما لا بدايةٍ، فلا يُحرَّرُ الأَسيرُ، فإذا رأَيناهُ أُطلِقَ سَراحُهُ، عَلِمنَا أَنَّ السِّلسلةَ وَقفتْ عند مَن أَعطى الأَمرَ دُونَ أَنْ يَتلقَّى أَمرًا مِن أَحدٍ أَعلى مِنهُ رُتبةً.
إذا رأيتَ دُميةً تُحرَّكُ بخُيوطٍ، وعلِمتَ أَنَّ هناكَ مِن خلفِ السِّتارِ إنسانًا يُحرِّكُها، فهل مِن المَقبولِ أَنْ تَسأَلَ: ومَن يُحرِّكُ خُيوطَ هذا الإِنسانِ؟
إذا رأيتَ رغِيفَ خُبزٍ وعلِمتَ أنَّهُ لا بُدَّ للخبز مِن خبَّازٍ، فهل تَسأَلُ: ومَن خبزَ الخبَّازَ؟ لا بالتأكيد، بل هو سؤالٌ مُضحِكٌ وخاطِئٌ!
لماذا؟ لأنَّهُ طبَّقَ تَعميمًا في غيرِ مكانِهِ، وكذلكَ فالخَلقُ صِفةٌ مُلازِمةٌ للمَخلُوقِينَ، فلا تُعمَّمُ على الخالِقِ فسؤالُ (مَن خَلَقَ اللهَ؟) سُؤَالٌ خَاطِئٌ، مثل سُؤالِ: ما طُولُ الضِّلعِ الرَّابعِ في المثلَّثِ؟ وهو كأَنَّكَ تقُولُ: مَن خَلَقَ الَّذي لا خالِقَ لَهُ؟ أو مَن الَّذي سَبَقَ الَّذي لا شيءَ قَبلَهُ؟
فالجَوَابُ: الخالِقُ ليس له خالِقٌ؛ لأنَّهُ لو كان له خالِقٌ، لكانَ مَخلُوقًا لا خالِقًا.
لذا فهذا السُّؤالُ ليس مُحرِجًا، ولا خالفتِ الشَّريعةُ مِن أنْ يَخطرَ ببالِ النَّاسِ، بل أخبرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سلَفًا بأنَّهُ سيُسأَلُ،
وأَرشدنا إلى التَّعامُلِ معهُ.
إلى ماذا أَرشدَنا؟
في الحدِيثِ الَّذي رواهُ البُخاريُّ ومُسلِمٌ أَنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: «يَأْتي الشَّيْطَانُ أحَدَكُمْ فيَقولُ: مَن خَلَقَ كَذَا، مَن خَلَقَ كَذَا، حتَّى يَقُولَ: مَن خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ باللَّهِ ولْيَنْتَهِ» (رواه البخاريُّ ومسلم)
ولْينتَهِ: أي ينتَهي عَن الاسترسَالِ والاستمرَارِ مع هذه السِّلسلةِ مِن التَّساؤلاتِ بعد هذا الحَدِّ.
هل هذا حَجْرٌ على العَقلِ وتَعطيلٌ للعقلِ؟ أبدًا؛ بل هو الموقفُ العقليُّ الصَّحِيحُ.
لماذا؟ لأَنَّ هذا السُّؤالَ: (مَن خَلَقَ رَبَّكَ؟) هو كما بَيَّنَّا سؤالٌ يُخالِفُ البدهيَّاتِ العقليَّةَ، والبدهيَّاتُ العقليَّةُ هي الَّتي يَنطَلقُ منها الإنسانُ في الاستِدلالِ، لا أنَّهُ يَطلُبُ لها أدلَّةً عليها حتَّى يستَمِرَّ في سِلسلةِ البَرهَناتِ والتَّعليلاتِ.
لذلكَ فَفي الحَدِيثِ الآخَرِ وَجَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَن يَأتِيهِ هذا السَّؤُالُ إلى أَنْ يقولَ: «اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ لم يَلِدْ، ولم يُولَدْ، ولم
يَكُنْ له كُفُوًا أَحَدٌ» (حسَّنه الألبانيُّ)
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.