مسابقة الدولة البوسعيدية

شخصية نسائية قامت بدور ثقافي واجتماعي وسياسي مهم، ولدت في بهلا ثم انتقلت إلى عبري وتوفيت بها سنة ١٩٦٨م؟


Listen Later

الشيخة الغالية بنت ناصر بن حميد الغافرية العطابية، والدها الشيخ راشد بن حميد بن راشد بن ناصر بن محمد بن ناصر الغافري، ووالدتها غاية بنت ناصر بن علي الشكيلية من بلدة بسيا بولاية بهلاء. وُلدت الشيخة الغالية بنت ناصر العَطَّابِيَّة في ولاية بهلا بمحافظة الداخلية، في القرن الثالث عشر الهجري/ القرن التاسع عشر الميلادي، وتوفيت والدتها وهي لا تزال صغيرة السن. وهي بذلك عاصرت ٣ سلاطين: (السلطان فيصل بن تركي والسلطان تيمور بن فيصل والسلطان سعيد بن تيمور).نشأت الشيخة الغالية بنت ناصر العطابية الغافرية في ولاية بهلاء بمحافظة الداخلية ثُمّ انتقلت إلى عبري بعد زواجها من الشيخ سلطان بن راشد بن عبد الله اليعقوبي، وسكنت في حارة البستان بولاية عبري في منزل يطلق عليه آنذاك "بيت البستان". وكانت تنتقل إلى بلدة "الأخضر" في فصل الشتاء لتسكن في "حصن الأخضر"؛ للإشراف على زراعة النخيل والمحاصيل الأخرى. وعند وفاة زوجها الشيخ سلطان عام ١٩٢٥م، ترك للشيخة الغالية مسؤولية تربية أبنائها الثلاثة: أصيلة وراشد (ت:1371هـ/1951م) وعزة. فجعت الشيخة الغالية بوفاة ولدها راشد في سن مبكرة في عام ١٩٥١م، ويذكر أنها مرت بحالة من الحزن الشديد لفقدان ابنها.  إن نشأة الشيخة الغالية في بيئة ذات زعامة وقيادة وذات مكانة قبلية واجتماعية وسياسية في المجتمع العُماني وأسرة ذات اهتمام بالعلم والفكر ساهمت بالطبع في صقل شخصيتها، وكانت من أهم العوامل التي ساعدتها على لعب أدوار مهمة ليس فقط على مستوى النساء إنما على مستوى القبائل والمجتمع. وجمعت الشيخة الغالية العديد من الصفات الحميدة. كما اتسمت بالزهد ورجاحة العقل والرأي السديد؛ مما جعل منها شخصية اجتماعية وفكرية معروفة. وكانت مرجع نساء زمانها في تنظيم الحياة الاجتماعية وتدبير أمور المرأة، وساهمت – بفضل حكمتها ونفاذ أمرها – في بث الحركة العلمية في أوساط النساء خاصة.اشتهرت الشيخة الغالية بنت ناصر الغافرية بصفة الكرم، فيذكر أن بيتها كان مقصد كل ضيف يصل إلى عبري، فيتم إكرامه من أشهر الوجبات وأطيبها كالثريد والرخال والعسل، ويذكر أنها كانت تكرم ضيوفها من خيرات مزارعها التي تشرف على العاملين فيها وعلى سير العمل فيها بنفسها. كما كان بيتها أيضا مقصدا للفقراء والمساكين، فيذكر أنها كانت تطعم ستين (60) فقيرا ومسكينا بشكل يومي.  وعن العلاقات الاجتماعية للشيخة الغالية وتواصلها مع الناس المحيطين بها من الأقارب والأهالي، فلازال أهالي الولاية يذكرون لها مواقفها النبيلة التي لم تكن تخص فيها أحد دون غيره، وإنما كانت علاقتها طيبة وإنسانية بالجميع ممن حولها، فقد كانت تشارك أهالي البلد في مختلف المناسبات كالأفراح والأتراح وتقاسمهم في تكاليف الأعراس، فتشارك بالحضور بنفسها في أفراحهم أو ترسل من يمثلها من بناتها وقريباتها، كذلك هو الحال في أداء واجب العزاء في البلد لتقديم التعزية ومساعدة أهالي الفقيد. ويذكر أيضا أنها كانت قليلا ما كانت تخرج في النهار، وأنها كانت تفضل الخروج من المنزل في المساء لأجل زيارة الأقارب وأداء الواجبات الاجتماعية لأهالي البلد.عُرفت الشيخة الغالية باهتمامها بالتطريز، والطب الشعبي. كما روي عنها أنها كانت تساهم في علاج الجرحى في الحروب الداخلية، مستخدمة في ذلك زيت السمسم والثوم لتضميد الجرح وكذلك الكي بالنار، وعرفت بذلك ليس فقط بين أهالي عبري، وإنما حتى على مستوى الولايات المجاورة، فقد كانت تقوم بتحديد الموضع الصحيح للكي "الوسم"، ومن ثم يقوم شخص بالوسم في المكان الذي تحدده له. خطت الشيخة الغالية على نهج والدها من حيث اهتمامها بالتعليم ورغبتها في تعليم غيرها، فقد ذُكر أن والدها الشيخ ناصر بن حميد الغافري قد أحضر الشيخ الأديب النحوي الشاعر المر بن سالم بن سعيد بن عبدالله الحضرمي (ت: 1336هـ/1917م) ليكون معلما يهتم بتدريس ابنه محمد، بالإضافة إلى عدد من طلبة العلم في ولاية بهلا في تلك الفترة. كما أن نشأة الشيخة الغالية في ولاية بهلاء التي عرفت بازدهار العلم فيها آنذاك مهد لها القيام بدور بارز في نشر العلم والحث عليه؛ لذلك كانت من الشخصيات البارزة والمؤثرة في ولاية عبري. وكان اهتمامها بالتعليم ينبع من كونها من النساء القليلات اللاتي حصلن على قدر متميز من التعليم. فعملت الشيخة الغالية جاهدة على الاهتمام بأمور الدين وشجعت على التعليم، كما حثت النساء على تعلم القرآن الكريم. واستطاعت تحقيق رغبتها في نشر العلم عن طريق جلب المعلمين أو النفقة عليهم. حيث كرست الكثير من الجهد والمال في سبيل نشر العلم في الولاية. ويذكر أنها كانت تمتلك مساحات شاسعة من مزارع النخيل في بلدة "الأخضر"، وخصصت جزء من أشجار النخيل وتمورها وقفاً للتعليم، من خلال طني النخيل أو بيع ثمارها واستخدام مردودها في النفقة على المعلمين بأجور شهرية. كما أنها ساهمت في إنشاء مسجد "شجاع" في ولاية عبري والذي يتضمن مدرسة لتعليم القرآن وعلوم النحو والصرف والحساب. وقد أسست الشيخة الغالية بنت ناصر مدرسة أخرى في حارة "خيبر" محاولة منها لنشر العلم على نطاق أوسع، فقد كانت حريصة جدا على أن تعلم أبناء عبري جميعهم ذكورا وإناثا في تلك المدارس التي تأخذ مواصفات نظام الكتاتيب التي تعتمد على تدريس علوم الفقه وتحفيظ القرآن الكريم، ولكنها عملت على إدخال مواد النحو والبلاغة عليها.الدور السياسي:

قامت بدور مهم ومؤثر في الحفاظ على الوحدة الوطنية والوقوف ضد أي تغلغل خارجي سيما وأنها عاصرت ٣ سلاطين: (السلطان فيصل بن تركي والسلطان تيمور بن فيصل والسلطان سعيد بن تيمور) وعاصرت الأحداث السياسية غير المستقرة سواء محاولات التغلغل الوهابي أو الصراع بين السلطنة والإمامة، وكانت دائما تختار جانب عُمان واستقرارها بعيداً عن مواقف ممكن أن تؤثر على الوحدة الوطنية ولهذا كان لها دور مهم في إقناع زوجها الشيخ سلطان اليعقوبي -الذي توفي نتيجة أوجه الصراع على السلطة- ووالدها الشيخ ناصر في ضرورة الحفاظ على الوحدة الداخلية لعُمان.ويظهر كذلك من علاقة الشيخة الغالية بمن حولها من الولاة والمشايخ. ففي عهد السلطان سعيد بن تيمور تم تعيين السيد سعود بن حارب البوسعيدي والياً على عبري وقد كان السيد سعود بن حارب يكن للشيخة الغالية كل الاحترام والود. وتمثل ذلك في تبادل الزيارات مع أسرة السيد سعود بن حارب البوسعيدي، وكان السيد سعود يحترم الشيخة الغالية ويقدرها. وفي حال وجود أي مشكلة من أهالي عبري تسعى الشيخة الغالية إلى حلها بالطرق السلمية مستخدمة حكمتها وفطنتها، وكانت تطلب من السيد سعود للتدخل والتعاون معها في حل تلك المشاكل في بعض الأحيان، وكان السيد سعود بدوره لا يرد لها طلبا؛ تقديراً واحتراما لها.كشفت بعض النقوش المكتوبة على جدران مسجد شجاع بحلة البستان من ولاية عبري إلى أنها توفيت صبيحة عيد الفطر أول أيام شوال سنة 1388هـ/ 1968م عن عُمرٍ يناهز المائة سنة. 

 

 

 

 

 

...more
View all episodesView all episodes
Download on the App Store

مسابقة الدولة البوسعيديةBy إذاعة الوصال


More shows like مسابقة الدولة البوسعيدية

View all
صفر إثنين by Zero Two

صفر إثنين

0 Listeners