
Sign up to save your podcasts
Or
يقول برغسون: "إنَّ الشعور يتَّسِع باِتساع الحياة"؛ وإلى حدٍّ ما صرتُ أوافق هذا العبقري على هذه الفكرة بالذات، بسبب تلك الرابِطة التي تكوَّنت بيني وبين طوم، حتى أنَّني راجعتُ علاقاتي بالكائنات الحية بشكل جادٍّ جدًّا بعدما تعرَّفتُ على الرفيق طوم، الذي اعتبرُهُ صديقا وفيا ومخلِصا بالغريزة والفِطرة.
قبل أيَّامٍ وبعد عودتي مِن يوم عمل طويل وشاق ذهنيا، طرق أخي الوحيد باب غرفتي، ليُخبرني بالخبر السعيد، والمُتمثِّل في احضاره قطًّا إلى المنزل، وراح يشرحُ لي كيف أنَّه ليس كبقية القطط، كونه منحدرٌ مِن احدى السلالات الانجليزية، وكيف هو واسع الانتشار عند سكان بلاد فارس لأنَّها كانت مستعمرة بريطانية ذات يوم، وما إلى ذلك مِن الحديث، الذي لم يثر انتباهي يومها كثيرا، فالفكرة التي كانت وقتئذ مستحوذة على عقلي، هي أنَّني لا أحبُّ الحيوانات على اختلاف فئاتها، وهذا القط سيسبب لي الازعاج أكثر من أيِّ أمر آخر.
بعد مدَّة قصيرة، صرتُ ألاحظ بأنَّ شرح أخي لوضعية قطِّه الجديد الذي أسماهُ بـ: طوم تيمُّنا بطوم وجيري، كان فعلا مطابقا للواقع، فطوم قط كسول جدا، يألف الإنسان بسرعة، حتى أنَّه أصبح يداعبنا بحنان ولطف، وراح يستحوذ على مساحات مهمَّة من وقتي، بل صار المخلوق الحي الأوَّل الذي أراه وأسمعه عند استيقاظي الباكِر قبل توجهي للعمل، وراح يشاطر أخي غرفته، مرقده، وفي بعد الأحيان أكله ومستلزماته، ويشاهد معه مباريات كرة القدم، وكأنَّه يفهم ما يدور في الملاعب الأوربية، ويقوم بالكثير من التصرفات التي جعلتني أتساءل: هل هناك مشاعر تربطنا بهذه الكائنات الحيوانية؟
يرى الطبيب الفرنسي المهتم بمسائل الطب العقلي إ ي. هنري، مؤلِّف لكتاب "الشعور" (la conscience) في الصفحة رقم 12 بأنّ "الحيوانات العليا التي يُنظم حياتها المرتبطة بغيرها، كما هو الشأن بالنسبة إلى حياتنا، جهاز عصبي (الدماغ) فإننا نسبب إليهم الشعور ونجعلهم كائنات مصاحبة لشعورنا ذاته بقدر ما يتمثلون لنا هم أنفسهم مماثلين لنا عندما تقوم بيننا وبينهم تواصلات، إذا ما جعلتنا نتفاهم جمعت ما بيننا وجعلت بعضنا مثل بعض".
بمعنى أنَّ الصحبة هي التي جعلت الأُلفَة بين طوم وبيني ممكنة، وهي التي رفعت شعوري بالاشمئزاز من هذا الكائن الأجنبي بالنسبة إلي، إلى درجة الرفقة، فصار يرافق استيقاظي الباكر يوميا تقريبا، حتى في صباح عطل نهايات الأسبوع، بل إنَّه يزور غرفتي دوريا، وينام على سريري الواسع أسبوعيا، وفي الكثير من الأحيان يداعبنا بشكل غريب للغاية، مما أدَّى إلى دخول حياتي كجزء ناظم زاد من حضوره المرح خلال أيّامي، ليتحوَّل إلى ملهم لي على فترات خلال كتابتي للكثير مِن أعمالي الفكرية.
يشرح هذا الطبيب الأوربي فكرة تطوُّر العواطف عند الحيوانات باتجاه الإنسان، ليس بسبب حاجتها إلى مَن يحميها بطريقة غير مكلِّفة بالنسبة إليها تحديدا، وإنَّها يتوغَّل في الشرح ليصل إلى مبدأ قدرة الحيوان على الاندماج مع الإنسان، بقدر ما زاد هذا الأخير في اهتمامه به.
فكرة الاهتمام قادتني إلى الفلسفة الإنجليزية المعاصرة التي تتأسّس على ركيزة مفهوم "الرعاية"، وهي بهذه الطريقة تحمل الكثير من التطابقات على المستوى النظري، وحتى في بعض جوانبها التطبيقية – طوم عيّنة حيَّة – لأنَّ الحيوانات في الكثير مِن الأدبيات تتعلَّق بأصحابها، وتقدِّم لهم الكثير من المساعدة بمرور الزمن، لهذا أجد فكرة الألفة بين الحيوان والإنسان كما وردت عند هذا الطبيب الأوربي تتطابق إلى حدٍّ كبير مع برغسون، فكلَّما زاد اهتمام الإنسان بحيوانه زاد بالمقابل تعلّق هذا الحيوان بصاحبه.
لا أريد أن اَتَّجه نحو شرح تلك الرابطة التي نشأت بين بعض زملائي الكتَّاب والقطط أو الكلاب على وجه التحديد، أو أن أشير إلى تلك الرابطة القويَّة التي عاشت طويلا بين الفيلسوف الجزائري/الأوربي جاك دريدا وقطه، لأنني اعتبرها من باب زيادة الإثارة فقط، ولا ذلك الحب الذي يكنُّه الروائي الجزائري أمين الزاوي لفصيلة الحمير كما وضّح ذلك على صفحات جريدة "الحرية" الناطقة بالفرنسية، لكن ما أؤكد عليه فعلا وقولا هو أنَّ تكوُّن رابطة بين الحيوان والإنسان موجودة حتما.
يقول برغسون: "إنَّ الشعور يتَّسِع باِتساع الحياة"؛ وإلى حدٍّ ما صرتُ أوافق هذا العبقري على هذه الفكرة بالذات، بسبب تلك الرابِطة التي تكوَّنت بيني وبين طوم، حتى أنَّني راجعتُ علاقاتي بالكائنات الحية بشكل جادٍّ جدًّا بعدما تعرَّفتُ على الرفيق طوم، الذي اعتبرُهُ صديقا وفيا ومخلِصا بالغريزة والفِطرة.
قبل أيَّامٍ وبعد عودتي مِن يوم عمل طويل وشاق ذهنيا، طرق أخي الوحيد باب غرفتي، ليُخبرني بالخبر السعيد، والمُتمثِّل في احضاره قطًّا إلى المنزل، وراح يشرحُ لي كيف أنَّه ليس كبقية القطط، كونه منحدرٌ مِن احدى السلالات الانجليزية، وكيف هو واسع الانتشار عند سكان بلاد فارس لأنَّها كانت مستعمرة بريطانية ذات يوم، وما إلى ذلك مِن الحديث، الذي لم يثر انتباهي يومها كثيرا، فالفكرة التي كانت وقتئذ مستحوذة على عقلي، هي أنَّني لا أحبُّ الحيوانات على اختلاف فئاتها، وهذا القط سيسبب لي الازعاج أكثر من أيِّ أمر آخر.
بعد مدَّة قصيرة، صرتُ ألاحظ بأنَّ شرح أخي لوضعية قطِّه الجديد الذي أسماهُ بـ: طوم تيمُّنا بطوم وجيري، كان فعلا مطابقا للواقع، فطوم قط كسول جدا، يألف الإنسان بسرعة، حتى أنَّه أصبح يداعبنا بحنان ولطف، وراح يستحوذ على مساحات مهمَّة من وقتي، بل صار المخلوق الحي الأوَّل الذي أراه وأسمعه عند استيقاظي الباكِر قبل توجهي للعمل، وراح يشاطر أخي غرفته، مرقده، وفي بعد الأحيان أكله ومستلزماته، ويشاهد معه مباريات كرة القدم، وكأنَّه يفهم ما يدور في الملاعب الأوربية، ويقوم بالكثير من التصرفات التي جعلتني أتساءل: هل هناك مشاعر تربطنا بهذه الكائنات الحيوانية؟
يرى الطبيب الفرنسي المهتم بمسائل الطب العقلي إ ي. هنري، مؤلِّف لكتاب "الشعور" (la conscience) في الصفحة رقم 12 بأنّ "الحيوانات العليا التي يُنظم حياتها المرتبطة بغيرها، كما هو الشأن بالنسبة إلى حياتنا، جهاز عصبي (الدماغ) فإننا نسبب إليهم الشعور ونجعلهم كائنات مصاحبة لشعورنا ذاته بقدر ما يتمثلون لنا هم أنفسهم مماثلين لنا عندما تقوم بيننا وبينهم تواصلات، إذا ما جعلتنا نتفاهم جمعت ما بيننا وجعلت بعضنا مثل بعض".
بمعنى أنَّ الصحبة هي التي جعلت الأُلفَة بين طوم وبيني ممكنة، وهي التي رفعت شعوري بالاشمئزاز من هذا الكائن الأجنبي بالنسبة إلي، إلى درجة الرفقة، فصار يرافق استيقاظي الباكر يوميا تقريبا، حتى في صباح عطل نهايات الأسبوع، بل إنَّه يزور غرفتي دوريا، وينام على سريري الواسع أسبوعيا، وفي الكثير من الأحيان يداعبنا بشكل غريب للغاية، مما أدَّى إلى دخول حياتي كجزء ناظم زاد من حضوره المرح خلال أيّامي، ليتحوَّل إلى ملهم لي على فترات خلال كتابتي للكثير مِن أعمالي الفكرية.
يشرح هذا الطبيب الأوربي فكرة تطوُّر العواطف عند الحيوانات باتجاه الإنسان، ليس بسبب حاجتها إلى مَن يحميها بطريقة غير مكلِّفة بالنسبة إليها تحديدا، وإنَّها يتوغَّل في الشرح ليصل إلى مبدأ قدرة الحيوان على الاندماج مع الإنسان، بقدر ما زاد هذا الأخير في اهتمامه به.
فكرة الاهتمام قادتني إلى الفلسفة الإنجليزية المعاصرة التي تتأسّس على ركيزة مفهوم "الرعاية"، وهي بهذه الطريقة تحمل الكثير من التطابقات على المستوى النظري، وحتى في بعض جوانبها التطبيقية – طوم عيّنة حيَّة – لأنَّ الحيوانات في الكثير مِن الأدبيات تتعلَّق بأصحابها، وتقدِّم لهم الكثير من المساعدة بمرور الزمن، لهذا أجد فكرة الألفة بين الحيوان والإنسان كما وردت عند هذا الطبيب الأوربي تتطابق إلى حدٍّ كبير مع برغسون، فكلَّما زاد اهتمام الإنسان بحيوانه زاد بالمقابل تعلّق هذا الحيوان بصاحبه.
لا أريد أن اَتَّجه نحو شرح تلك الرابطة التي نشأت بين بعض زملائي الكتَّاب والقطط أو الكلاب على وجه التحديد، أو أن أشير إلى تلك الرابطة القويَّة التي عاشت طويلا بين الفيلسوف الجزائري/الأوربي جاك دريدا وقطه، لأنني اعتبرها من باب زيادة الإثارة فقط، ولا ذلك الحب الذي يكنُّه الروائي الجزائري أمين الزاوي لفصيلة الحمير كما وضّح ذلك على صفحات جريدة "الحرية" الناطقة بالفرنسية، لكن ما أؤكد عليه فعلا وقولا هو أنَّ تكوُّن رابطة بين الحيوان والإنسان موجودة حتما.
448 Listeners