حكايات من الكتب

صور من حياة الصحابيات


Listen Later

الكتاب الذي بين أيدينا هو "صور من حياة الصحابيات" للدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا. هذا الكتاب يقدم قصصًا ملهمة عن نساء مسلمات عظيمات عشن في كنف الرسول الكريم، ويسلط الضوء على أدوارهن المحورية في بناء المجتمع الإسلامي ودفاعهن عن الحق والتضحية في سبيل الله. إنه يقدم نماذج فريدة من الشجاعة، والصبر، والعطاء، والحكمة. دعنا نرى بعضًا من هذه القصص في لمحة: تبدأ الرحلة مع حليمة السعدية، مرضعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. في زمن كان الفقر يطاردها هي وزوجها، وكان ضرع ناقتها جافًا، أُتيحت لها فرصة أن تأخذ طفلًا رضيعًا من مكة لترضعه. لم تكن تدري حينها أن هذا الطفل هو نبي الله. وبمجرد أن أخذت محمدًا، عمّت البركة ديارها. امتلأت ضرع ناقتها باللبن، وعادت حيواناتهم تشبع وتنتج الخير. أدركت حليمة أن هذا الطفل المبارك قد جلب معجزة إلى حياتهم. وعندما عادت به إلى أمه، كانت تحمل قصة بركة لا تُصدق. بعد ذلك، نلتقي بـ صفية بنت عبد المطلب، عمّة الرسول وشخصية قوية لا تعرف الخوف. كانت أول امرأة مسلمة تقتل مشركًا دفاعًا عن دين الله. في يوم أحد، عندما تراجع بعض المسلمين، ثبتت صفية ودافعت عن النبي بشجاعة نادرة. وفي يوم الخندق، عندما حاول يهودي التسلل إلى حصن النساء، أخذت صفية عمودًا وضربته حتى قتلته، وحمت بذلك النساء والأطفال. موقفها هذا أظهر قوة وعزيمة لا تليق إلا بأشد الرجال. ثم يأتي دور فاطمة الزهراء، ابنة الرسول الكريم، المعروفة بجمال خلقها وسمو نسبها. كانت ريحانة الرسول ومصدر سروره. تزوجت من الإمام علي بن أبي طالب في زواج ساده البساطة والبركة. كانت مثالاً للزوجة المخلصة والأم الحنون، وتعمل في خدمة بيتها بيدها. كانت محبوبة جدًا من والدها، الذي كان يقف لها إذا دخلت عليه. رحلت عن الدنيا بعد والدها بستة أشهر، تاركةً إرثًا من التقوى والصبر. وتُروى لنا قصة أسماء بنت أبي بكر، التي عُرفت بـ "ذات النطاقين". هذا اللقب جاء من شجاعتها وذكائها أثناء هجرة الرسول وأبيها من مكة إلى المدينة، حيث شقت نطاقها (حزامها) إلى نصفين لتربط به الزاد. كانت أسماء معروفة بكرمها وجودها. أظهرت صلابة نادرة وثباتًا في الإيمان، وخاصةً في مواجهتها للحجاج عندما أراد أن يرهب ابنها عبد الله بن الزبير. شجعته على الصبر والموت في سبيل الله، وعدم الاستسلام للدنيا. ومن النساء العظيمات اللاتي يذكرهن الكتاب نسيبة المازنية، المعروفة أيضًا بـ "أم عمارة". كانت فارسة مجاهدة، شاركت في العديد من المعارك، مثل أحد واليمامة. في أحد، دافعت عن الرسول بكل شجاعة وتلقت عدة جروح. قال عنها النبي: "ما التفت يميناً ولا شمالاً إلا رأيت أم عمارة تقاتل دوني". وفي اليمامة، أبدت بسالة لا توصف، وقاتلت مسيلمة الكذاب ببسالة حتى فقدت يدها. ولا يغفل الكتاب عن ذكر رملة بنت أبي سفيان، والمعروفة بـ "أم حبيبة". أسلمت رغم معارضة والدها الشديدة، الذي كان من سادة قريش. هاجرت إلى الحبشة (إثيوبيا) للحفاظ على دينها، وتحملت المشاق في الغربة. وفي الحبشة، تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت هذه الزيجة تكريمًا لها على صبرها وثباتها. عادت إلى المدينة حاملةً معها بركة التوفيق. ونتوقف عند الغميصاء بنت ملحان، أو أم سليم، التي كانت مثالاً للحكمة والعقل. كان مهرها للإيمان دليلاً على إيمانها العميق، حيث قبلت أن يكون إسلام أبي طلحة هو مهرها. وعندما توفي ابنها، أبدت صبرًا وحكمة عجيبين، حيث أخفت الخبر عن زوجها حتى تهيأت له نفسيًا، ثم أخبرته بهدوء. كانت أيضًا خادمة وفية للنبي، وعُرفت ببرها وعطاءها. أخيراً، يعرض الكتاب قصة أم سلمة، المرأة الصابرة ذات العقل الراجح والحكمة. تعرضت لمحن عظيمة أثناء الهجرة، حيث فُرّق بينها وبين زوجها وابنها. بعد سنوات من الألم، اجتمع شملها مرة أخرى. وعندما توفي زوجها، تذكرت وصية النبي بأن تقول: "اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها"، فجزاها الله خيرًا بأن تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، فكان ذلك أفضل عوض لها في الدنيا. هذه القصص ليست مجرد حكايات، بل هي صور حية من حياة نساء سطرن بجهادهن وصبرهن وعطائهن أروع صفحات التاريخ الإسلامي، وأثبتن أن المرأة في الإسلام تتمتع بمكانة عظيمة وحقوق وواجبات، وأنها قادرة على العطاء والتضحية في سبيل الله.
...more
View all episodesView all episodes
Download on the App Store

حكايات من الكتبBy حكايات من الكتب