حكايات من الكتب

أطلس - تشريح الجسم البشري


Listen Later

كانت هذه التجربة مبادرة ملهمة من مجموعة من الطلاب المجتهدين في كلية الطب البشري، إيماناً منهم بأن المعرفة الطبية يجب ألا يحول دونها حاجز اللغة الأجنبية، وأن طلابنا يستطيعون أن يكونوا ثنائيي اللغة العلمية. وهكذا، بدأت الرحلة الكبرى، حيث اجتمع فريق يضم اثنين وخمسين مشاركاً من طلاب السنوات الدراسية المختلفة، بالإضافة إلى كادر تدريسي متميز. هؤلاء المتطوعون، الذين تجاوزت ساعات عملهم الآلاف، كانوا كخلية نحل، يعملون في تناغم وتعاون، ليحققوا هذا الإنجاز الضخم. الرحلة لم تكن مجرد نقل كلمات؛ بل كانت مغامرة دقيقة ومعقدة. انقسم الفريق إلى مجموعات متخصصة: فريق للترجمة الذي نقل المحتوى من الإنجليزية إلى العربية، وفريق لترجمة الصور وإرفاقها بالمصطلحات العربية والإنجليزية لتعزيز الذاكرة البصرية. ولضمان الدقة المتناهية، وُضعت ثلاثة مستويات للتدقيق – التدقيق الأول الذي تحقق من توافق الترجمة مع الصور، والتدقيق الثاني المسؤول عن التحقق من سلامة التعبير وتنسيق الكتاب، والتدقيق الثالث الذي راجع المحتوى مع النصوص الأصلية وتأكد من موافقة المصطلحات. وتوّج هذا الجهد الشاق بـالتدقيق الرابع الشامل الذي قام به الأستاذ الدكتور بيان السيد. لقد اعتمدوا بشكل أساسي على المعجم الطبي الموحد لضمان توحيد المصطلحات. تلك الرحلة عبر صفحات الكتاب كانت كاستكشاف لجسد الإنسان بكل تفاصيله المعقدة: أرض الهيكل العظمي: بدأت القصة مع العظام، تلك الركيزة الأساسية للجسم، والتي تُصنف حسب شكلها إلى عظام طويلة، قصيرة، مسطحة، وغير منتظمة، وعظام سمسمانية. اكتشفوا كيف أن العظام ليست مجرد هياكل صلبة، بل أنسجة حية غنية بالأوعية والأعصاب، تحتوي على نقي العظم الذي ينتج كريات الدم. تعلموا عن أنواع الكسور التي يمكن أن تصيبها وكيف يبدأ الجسم بالتعافي. ممالك المفاصل: انتقلوا إلى المفاصل، تلك المواقع التي تلتقي عندها العظام، مصنفة إما إلى مفاصل زليلية تسمح بحركة واسعة، أو مفاصل ليفية وغضروفية ذات حركة محدودة. لقد أدركوا أن كل حركة في جسدنا هي نتاج عمل متناغم لهذه المفاصل. قوى العضلات المحركة: ومن المفاصل إلى العضلات، تلك القوة المحركة للجسد. تعلموا عن العضلات الهيكلية التي تتحكم بها إرادتنا، وعن عضلة القلب المخططة التي تعمل بلا كلل، وعن العضلات الملساء التي تتحكم بوظائف الجسم الداخلية. فهموا كيف تؤمن العضلات الهيكلية الدعم وتحرك العظام وكيف يمكن أن يتأثر تعصيبها. شبكات الأوعية الدموية واللمفية: ثم خاضوا غمار شبكات الحياة: الشرايين التي تنقل الدم الغني بالأوكسجين، والأوردة التي تعيده إلى القلب، والشعيرات الدموية حيث يتم تبادل المواد. وتعمقوا في الجهاز اللمفي، ذلك النظام الصامت الذي يجمع السوائل الزائدة ويصفيها عبر العقد اللمفية، ويلعب دوراً حاسماً في الاستجابة للعدوى وانتشار الأورام الخبيثة. لقد تعلموا مسارات النزح اللمفي الدقيقة في الرأس والعنق والأطراف والجذع. ممرات الجهاز العصبي: كانت الرحلة الأكثر إثارة هي استكشاف الجهاز العصبي المعقد. من الدماغ والحبل الشوكي (الجهاز العصبي المركزي)، إلى الجهاز العصبي المحيطي الذي ينقل الإشارات إلى كل زاوية في الجسد. لقد فهموا كيف تنشأ الأعصاب الشوكية وتتفرع لتغذي العضلات وتمنحنا الإحساس، وكيف تعمل الألياف الحسية والحركية الحشوية. وتفحصوا الأعصاب القحفية التي تخدم الرأس والعنق. استكشاف الأقاليم الكبرى: تجولوا في أقاليم الجسم الواسعة:
  • العمود الفقري، تلك الحامي الأمين للحبل الشوكي، وكيف يمكن أن تتأثر بنيته بالإصابات.
  • الصدر وجوفه، موطن الرئتين والقلب والمريء، وكيف يمكن أن تحدث فيه مشاكل تنفسية أو قلبية خطيرة.
  • البطن والحوض، مملكة الأعضاء الحيوية مثل الكبد، البنكرياس, الكليتين، الأمعاء، والمثانة، حيث قد تظهر حالات مثل الفتوق، أو الأورام، أو الالتهابات.
  • الأطراف العلوية والسفلية، تلك الأذرع والأرجل التي تمنحنا القدرة على الحركة والتفاعل. تعلموا عن العظام الطويلة والمفاصل الرئيسية مثل الركبة والورك والكاحل، وكيف يمكن أن تصاب هذه المناطق بكسور، تمزقات في الأوتار، أو انضغاطات عصبية.
في نهاية المطاف، كانت هذه القصة الكبرى، قصة "غرايز أناتومي بالعربية"، تجسيداً لأمل عظيم في إغناء مكتبتنا العربية بمرجع نوعي وهام، ونموذجاً لعمل طوعي جامعي متقن. لقد كانت هذه التجربة خير زاد تزود به الطلاب والمعلمون، فهي تغذّي آمالهم وتصقل عزيمتهم، وتجعلهم رهان هذا الوطن الواعد في المستقبل، مجهزين بالمعرفة اللازمة لخدمة مجتمعهم ووطنهم.
...more
View all episodesView all episodes
Download on the App Store

حكايات من الكتبBy حكايات من الكتب