بدأتُ قصتي معكِ برؤية فريدة لم تكن مجرد رؤية عادية. كانت تلك الرؤية التي تتعانق فيها القلوب وتتصافح فيها العيون ألف مرة في اليوم والليلة. رأيتكِ شفافة، متجردة من كل شيء إلا قلبك. حين رأيتكِ، حدث انقلاب في رأسي، انقلابٌ هو الأعنف الذي شهدته حياتي، هدد أركاني. في تلك اللحظة، أردتُ التخلي عن كبريائي لأخبركِ بمدى تأثيركِ. عيونكِ كانت تهدأ ثورتي عليكِ كلما مرّ طيفكِ، فأستسلم لحكمكِ. وقعتُ في شباككِ لأن نظري وقع على شباككِ بلا قصد. شعرتُ أنكِ أنتِ الثورة والثائرة، وأنني مجرد ميدان يقبل بكِ حاكمًا أو محكومًا. ما فكرتُ في مقاومتكِ للحظة إلا وخمدت ثورتي بشيء في عينيكِ، يقنعني ويحببني في البقاء أسيرًا لكِ. حين ناديتِني بصوتكِ، أجبتكِ بكل كياني، معترفًا بأنني وطنٌ مُحتلٌّ يحبّ مُحتلّه. فيكِ، أدركتُ أن الكون كله ينحصر بين جنبيكِ وحدكِ، وأن ما نراه في الآفاق هو مجرد انعكاس لما في نفسكِ. عرفتُ أن حياتي كلها ليست في جواركِ إلا ثوانٍ. لم أكن أمتلك حواسًا أو قلبًا قبل أن أعرفكِ، كأنكِ أنتِ من بثّ الحياة فيّ. أصل الجمال ليس في الشيء الجميل بحد ذاته، بل الجمال يكمن في عيون من يرونه. جمالكِ أنتِ لا يشبّه شيء آخر، هو جمال التوحّد والتفرّد. وشعوري بجمالي مرتبط بحضوركِ. أنا لكِ كالبدر لبحيرته، أغرق فيه شاكيًا جراحي. في خضم معاركي، لستُ أسعى للشفاء إلا لألحق بكِ. بين جنبيّ روحي التي تطير معكِ. أقسمتُ لكِ أنكِ الحبّ الذي لا يجاريه شيء. أدركتُ أن الحبّ شعور كامل، لا يتحكم فيه صاحبه بل هو يتحكم فيه. نحن نحبّ بقلوبنا وعقولنا اللاواعية، ولا نملك السيطرة على هذا الانغماس. إذا وقعنا في الحبّ، نقع بكلّنا. الحبّ ليس مجرد عاطفة، بل هو حرية، أمان، سكينة، وطمأنينة. نحتاج إلى من يملؤنا بالحبّ ويحمينا ، فالفراغ أفضل من الامتلاء بما يؤذي . رغم المسافات التي تفرّقنا، والظروف التي تختبرنا، وصل الروح بيننا لا ينقطع، بل يزداد كلما حاولنا الفرار منه. الهروب من الحبّ يعيدنا إليه في النهاية. الشوق شعور قاسٍ ، هو المرض الذي لا شفاء منه والشفاء الذي لا مرض فيه. المحبون يشتاقون حتى لو كانوا مع أحبائهم ، فما بالك بمسكين يبعد عن رؤية محبوبه . صرتُ أحمل في داخلي أوطانًا من وجوه نحبها وأراضٍ من أوطان تسكننا. جسدي صار أنحف كحال المنفيين، وطبقي أكثر مرارة، لأن وطني نُفي عني، فاستوطنني المنفى. كنتُ أتّكل عليكِ في حفظ الذكريات والتواريخ، والآن بعد رحيلكِ أصبحتُ أحفظ الأرقام وحدها. في كل مرة أشعر بالإعياء الشديد، أشعر كأنني أموت، لكن الموت لا يأتي. أدركتُ أن الحياة تباعد بيننا وتكسرنا، وأن أسوأ شيء هو أن أعيش بلا اعتقاد يملؤني، بلا ذلك الإله الذي نلجأ إليه حين لا نجد ملاذًا آخر. كاننا فقدنا جناحًا، ونحاول الطيران بالجناح المتبقي. أكتب إليكِ ليس لانقطاع الكلام، بل لأنني ما زلتُ في صراع بين قلبي الذي يريد الاقتراب وعقلي الذي ينصح بالابتعاد . تعبتُ من هذا التشتت ، لكني كلما فكّرتُ فيكِ وجدتُ ملامحكِ تظهر كوردٍ على خدّي . يا سيدتي التي بدأتِ في المجيء . الكتابة هي طريقتي للتعبير عن آلامي، هي بندقيتي، الكلمة تخترقني أولاً ثم يصيب شررها الآخرين. هي وسيلتي لأشكو إليكِ حالي . أكتب إليكِ على الورق ، حتى نلتقي يومًا على أرض الواقع . حين رأيتُ شبيهتكِ أكثر من مرة، عرفتُ أن كل شيء فيّ تغيّر عدا نقطة واحدة لا يعرفها غيركِ. يقولون إن النسيان ممكن، وأنا أقسم أن الموت أسهل. كلّ شيء يقسّمنا. الحبّ يمحو نفسكِ لتصبح شخصًا آخر فيه ، يحوّل العنيد إلى شخص يقول "نعم" قبل أن يعرف السؤال. يجعل النظارة السوداء تسقط، فترى الكون كاملاً، كأن الكون وُلد مع الحبّ. يجعل الثغر يضحك بعد طول حزن، وتلمع العيون بعد الدموع، وتصير الدنيا كلها جنة. كلّ منا يريد أن يكون بطلاً في حياة أحدهم ، أن يكون محوره ، أن تكون تفاصيله الصغيرة هي الأهم . نحتاج لمن يجد فينا قيمتنا ، ويشعرنا بأننا لم نكن شيئًا قبله . نحتاج لمن يكون بجانبنا حين تضعف خطانا . أنا لا أبحث عنكِ كامرأة ، بل أبحث عنكِ كمرآة . أريدكِ وطنًا يعوّضني عن وطني المفقود ، شمساً ، نهرًا ، قمرًا ، لغة وأدبًا وفنًا . أتيتكِ مهزومًا، أحمل في قلبي غربة وغصة ، أريدكِ كلّ الذي أفتقده . في الصورة لا أظهر في المنتصف ، أترك مكانًا لكِ بجانبي . في كل شيء أرى نقصًا ؛ الأشياء تبدو ناقصة في انتظار حضوركِ لتكتمل . وأنا كذلك ناقصٌ ، أنتظر اكتمالي بكِ . حين تأتيني ، لن أترك مكانًا بكيتُ فيه وحدي إلا لأضحك فيه معكِ . لن أقطع الطرق الطويلة وحدي . أريدكِ وطناً ، قصراً يؤويني ، حصناً يحميني ، وحياة تعيدني إلى نفسي . ربما نلتقي لمرة واحدة لا تنتهي ، نظلّ نتعرّف على بعضنا في المكان نفسه كأنها المرة الأولى للقاء . الأمل كله أنتِ ، كجزيرة تأتي للغارق . هذه محاولة لتلخيص النصوص على هيئة قصة قصيرة، مع الحفاظ على طابعها الشعري ومضمونها العاطفي والفكري المكثف.