حكايات من الكتب

‫طول العمر - علوم العمر الطويل وفنونه‬


Listen Later

كان هناك طبيب شاب طموح اسمه بيتر، حلم بأن يكون أفضل جراح سرطان بنكرياس في العالم. عمل بجد، وتفوق على توقعات معلميه ووالديه بدخوله ستانفورد ومن ثم مستشفى جونز هوبكنز. كانت تلك الفترة من أفضل فترات حياته، على الرغم من القلق الذي كان ينتابه بسبب حلم متكرر لم يستطع التخلص منه على مدار عشرين عامًا. في حلمه، كان يرى بيضًا يتساقط من أعلى مبنى، وكان يركض محاولًا التقاط أكبر عدد ممكن منه، لكنه كان يشعر بالفشل والعجز مع كل بيضة تسقط. هذا الحلم كان يعكس واقع مهنته: كان يزيل الأورام ويعتقد أنه "يمسك البيضة"، لكن سرعان ما كان يدرك أن معظم هؤلاء المرضى سيموتون حتمًا بعد بضع سنوات، وأن "البيضة ستسقط على الأرض". هذا الإدراك لعبثية الأمر أحبطه لدرجة أنه ترك الطب بالكامل وانتقل إلى مجال الاستشارات الإدارية. بعد فترة في عالم الأعمال، حيث تعلم أهمية فهم المخاطر، حدث تداخل في الأحداث أعاده إلى الطب بنهج جديد. أدرك بيتر أن الحل ليس في أن يصبحوا أفضل في التقاط البيض بعد سقوطه، بل في منع الشخص الذي يلقي البيض من الأساس، أي "التوجه إلى أعلى النهر لمعرفة سبب سقوط الناس بدلاً من الاكتفاء بانتشالهم منه". تجلّى هذا النهج في فهمه للموت. في جونز هوبكنز، تعلم أن الموت يأتي بسرعتين: سريع وبطيء. الموت السريع، كإصابات الرصاص والطعن، كان الطب التقليدي بارعًا في التعامل معه، حيث يمتلك أطباء الجراحة قدرة مذهلة على إنقاذ الأرواح في الحالات الحادة. أما الموت البطيء، الناتج عن الأمراض المزمنة مثل السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الجهاز العصبي التنكسية والسكري من النوع الثاني، فكان الطب أقل نجاحًا في منعه. أدرك بيتر أن الطب الحديث يتدخل دائمًا في الوقت الخطأ، غالبًا بعد فوات الأوان، عندما تكون "البيضات قد سقطت بالفعل". على سبيل المثال، في حالات السرطان، يكتشف المرض غالبًا بعد أن يكون قد استوطن الجسم لسنوات. وحتى أمراض القلب، قد تكون متقدمة لعقود قبل حدوث نوبة قلبية. هذا دفعه إلى استنتاج منطقي: يجب التدخل مبكرًا جدًا لمنع هذه الأمراض، أو ما أسماه "الفرسان الأربعة". الرحلة الشخصية لبيتر كانت دافعًا رئيسيًا لهذا التحول. في سن السادسة والثلاثين، وبعد ولادة ابنته أوليفيا، اكتشف أن مؤشرات المخاطر الوراثية والشخصية لديه تشير إلى تعرضه للموت المبكر بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية، أسوة برجال عائلته. كما أنه اكتشف إصابته بمقاومة الأنسولين، وهي خطوة أولى نحو السكري من النوع الثاني ومشاكل صحية أخرى. هذه اللحظة على الشاطئ كانت بداية اهتمامه بـ"طول العمر". الهدف من طول العمر، كما يراه بيتر، ليس فقط إضافة سنوات إلى الحياة، بل إضافة حياة إلى السنوات. هذا ما أسماه "فترة الصحة". لقد رأى الكثيرين، مثل والدة صديقته بيكي، صوفي، يعيشون لسنوات طويلة لكن في تدهور جسدي وعقلي مؤلم. ولتجنب هذا المصير، يجب مواجهة "الفرسان الأربعة". يركز بيتر في كتابه على نهج ثوري ومسبق للصحة. يرى أن فشل الطب الأكبر يكمن في محاولته علاج هذه الأمراض المزمنة في وقت متأخر. بدلاً من ذلك، يدعو إلى استراتيجية ثلاثية الأبعاد لطول العمر: الهدف، الاستراتيجية، التكتيكات. الهدف هو العيش أطول وأفضل. الاستراتيجية هي فهم هذه الأمراض وآلياتها. أما التكتيكات فهي الأدوات العملية لتحقيق ذلك. الكتاب يستعرض هذه التكتيكات الأساسية في أربعة مجالات رئيسية، بالإضافة إلى "الجزيئات الخارجية" (الأدوية والمكملات):
  1. التمارين الرياضية: يرى بيتر أن التمرين هو الدواء الأكثر فعالية لطول العمر. ليس فقط لتحسين اللياقة البدنية والقلبية التنفسية والقوة والاستقرار، بل ولتأخير أو عكس التدهور الإدراكي. يشدد على أهمية التدريب بذكاء لتجنب الإصابات، ويركز على القوة والاستقرار والقدرة الهوائية.
  2. التغذية: يرى أن التغذية بسيطة نسبيًا، وأن المشكلة الكبرى هي الإفراط في تناول السعرات الحرارية غير الصحية. يركز على أهمية كمية الطعام المتناولة، وجودته، وتوقيت الوجبات. ويشدد على أن البروتين هو العنصر الغذائي الأهم، خاصة مع التقدم في العمر، للحفاظ على كتلة العضلات.
  3. النوم: يصف النوم بأنه "دواء عجيب"، وأنه أمر حاسم للصحة الاستقلابية والقلبية والأهم لصحة الدماغ على المدى الطويل. يرى أن النوم السيء المزمن هو سبب قوي لمرض ألزهايمر والخرف. يشدد على أهمية بيئة النوم المظلمة والهادئة، وتجنب الكحول والكافيين في أوقات متأخرة.
  4. الصحة العاطفية: يصفها بيتر بأنها العنصر الأهم في العمر الصحي. رحلته الشخصية مع الغضب والخجل والاكتئاب قادته إلى إدراك أن البؤس والتعاسة يمكن أن يدمرا الصحة الجسدية تمامًا مثل الأمراض المزمنة. يدعو إلى "إعادة الإطار" لرؤية الأحداث من منظور الآخرين، وممارسة الوعي الذهني، والعمل على التسامح الذاتي.
أهم نقطة في رحلة بيتر هي أن التغيير ممكن. كان يعتقد أنه "معيب" ولا يمكن إصلاحه، لكنه اكتشف أن العمل الجاد في هذه المجالات، وخاصة الصحة العاطفية، يمكن أن يقلب حياته رأساً على عقب. يهدف الكتاب إلى تمكين القارئ من التفكير بنفس الطريقة، ووضع خطته الخاصة لطول العمر الصحي. في النهاية، أدرك بيتر أن اهتمامه بطول العمر كان مرتبطًا بخوفه من الموت، وأنه بينما كان يركز على صحته الجسدية والعقلية، كانت صحته العاطفية تتدهور. لكنه وجد أن الهدف الحقيقي للحياة هو الفرح في الوجود بدلاً من مجرد الفعل، وأن يكون أبًا وزوجًا وشخصًا صالحًا. هذه هي الرسالة النهائية للكتاب: عش أطول، وعش أفضل، ولكن عش لهدف.
...more
View all episodesView all episodes
Download on the App Store

حكايات من الكتبBy حكايات من الكتب