نص ديع سعادة
صوت أحمد قطليش
موسيقا شوبان
محاولة وصْل ضفَّتين بصوت
كنتَ تريد شيئًا يطير، طلبتَ تبغاً وأضفتَ أخَوات إلى الحمامات في فضاء الغرفة. كنتَ تريد شيئًا يطير شيئًا يخرج من النافذة، فرميتَ نفسك عبر الزجاج. لكنَّ نقطة الدم التي خرجت منك، ظلَّتْ في الداخل.
أنت الذي الآن في مكان آخر وثلاثُ بطَّات تنام أمام بيتك، كنتَ تحدّق طويلاً في الجدران كي تسمع أصوات آبائك المعلَّقين. دعني إذن أتحدَّث إليك، اسمعْ صوتي، صوتي من هذا المكان، الذي هو صوتك من المكان الآخر.
ساعةَ عرفوا ناحَ بعضُهم وبعضُهم ظلَّ صامتًا وهم يرافقوننا إلى مكاننا الأخير. أخذونا في صندوق، محمولَين بثماني أيد وبنظرات كثيرة. كنتَ تنظر إليَّ أنا الحيُّ فيك، وأنظر إليك أنت الميت فيَّ. تريد أن تبتسم لي، وأريد أن أبكيك. لكننا صمتنا، وتركناهم يدفنوننا هناك.
نحن اللذين يتكلمان مع نفسيهما الآن، أنت من هناك وأنا من هنا، نحن الواحد: الحيُّ المتحدّث مع ذاته الميتة، ماذا لدينا بَعْدُ غيرُ الذكرى؟
لم يكن عند أهلنا بطّ. غير أننا، من كثرة ما حلمنا به، جاء أخيرًا ونام على بابنا.
لكنك كنت تغادر.
وصلوا ولم يروا دمًا. الدم ظلَّ في الداخل. ليس في الداخل تمامًا وليس في الخارج تمامًا. على حافتهما. على الزجاج. على الحافة التي ما كانت في الخارج ولا كانت في الداخل.
أنت النائم الآن ولا تهتمُّ بدم. النائم بعيدًا وثلاثُ بطَّات تنام أمام بيتك. لا تجزعْ سأطعمها. في الخزانة حبوب. اشتريتها أنت ذات مساء، حين كنتَ تمشي وحيدًا في المدينة حالمًا بها.
وجاءت.
لكنها، هي أيضًا، لم ترَ دمك.
وجاء غيرها. الناس والأشجار والطيور، ولم يروا دمك. أوصلوك إلى قبرك، وعادوا.
حملوك لأنك لا تستطيع أن تصل وحدك.
وأهالوا فوقك التراب لتختفي.
بين هذه الجدران أمضيتَ حياتك. وُلدتَ في الزاوية، وأقصى رحلة كانت من الجدار إلى الجدار.
النص كامل
http://wadihsaadeh.awardspace.us/Collection6.html