في يوم من الأيام، أدرك مسافر أنه مقبل على رحلة عظيمة. هذه الرحلة ليست رحلة على الأرض الفانية، بل هي رحلة إلى الله، رحلة إلى الدار الآخرة. عرف المسافر أن أي رحلة تحتاج إلى مؤونة أو زاد. فما هو زاد هذه الرحلة الطويلة والشاقة؟ تعلم المسافر أن الزاد الأساسي لهذه الرحلة هو طاعة الله. ليست الطاعة مجرد حركات وسكنات، بل هي أعمال صالحة صادرة من قلب نقي سليم. عرف أن القلب هو مركز كل شيء، وأنه قد يكون حيًّا يستقبل النور ويتأثر بالحق، أو مريضًا تغلبه الشهوات، أو ميتًا لا يستجيب لأي نداء. لكي يكون القلب زادًا نافعًا، عليه أن يُطهّر من الأمراض. تعلّم المسافر أن جزءاً كبيراً من زاده هو حسن الخلق، والابتعاد عن المحرمات، وحفظ اللسان فلا يتكلم إلا بالخير. سمع عن النبي ﷺ أنه سُئل عن أفضل الأعمال أو أفضل الإسلام أو عن شيء جامع يمكن التمسك به، فكانت إجاباته دليلاً للمسافر على طبيعة الزاد المطلوب: الإيمان بالله والاستقامة، إطعام الطعام والسلام على الناس، وربما الإمساك عن الغضب أو حفظ اللسان ولزوم البيت. أدرك المسافر أن من أعظم ما يُنقي الزاد هو الإخلاص لله وحده. فمهما كثرت الأعمال، إن لم تكن خالصة لوجه الله، قد لا تنفع. بل سمع قصة عن يوم الحساب حيث توضع الأعمال في الميزان، وكيف أن كلمة خالصة من القلب قد تثقل الميزان وترجّح كفة النجاة على كفة الهلاك، حتى لو كانت هناك سجلات طويلة من الذنوب. هذا علمه أن الرياء (عمل الخير ليراه الناس) يُفسد الزاد. كان من زاد المسافر أيضاً التقوى (مراقبة الله) والتوكل عليه حق التوكل، بأن يأخذ بالأسباب ويثق في تدبير الله وعطائه. تعلم أن الرزق بيد الله، وأن الله يرزق من يشاء، لكن زاد الآخرة يتطلب منه السعي والاجتهاد. عرف المسافر أن الرحلة مليئة بـالابتلاءات والاختبارات، وأن الصبر والشكر جزء لا يتجزأ من زاده. وأن عليه أن يجاهد نفسه وشيطانه والشهوات التي قد تعيق مساره. في النهاية، فهم المسافر أن الدنيا مجرد مزرعة للآخرة، وأن عليه أن يزرع فيها من الأعمال الصالحة ما يكون زاده يوم القيامة. وأن الهدف من الرحلة هو الوصول إلى الله، والفوز برضوانه وجناته. فالمؤونة الحقيقية هي كل ما يقرّبه من هذا الهدف الأسمى. وهكذا، بدأ المسافر يجمع زاده بعناية فائقة، عالمًا أن هذه الرحلة هي الأهم في حياته، وأن نتيجتها تعتمد على مقدار ونقاء زاده الذي يحمله.