في هذه الخطبة الرائعة والمؤثرة، يقدم الشيخ عبد الحميد كشك أحد أعمق الدروس حول "ما قيمة الدنيا"، حيث يسلط الضوء على حقيقة فانية لطالما غفل عنها الكثيرون، وهي أن الحياة الدنيا ليست إلا متاعًا زائلًا، وأن الإنسان يجب أن يضعها في حجمها الطبيعي بعيدًا عن المغريات التي قد تلهيه عن الهدف الأسمى في الحياة.
يبدأ الشيخ كشك خطبته بمقدمة تثير العواطف، حيث يتساءل عن قيمة الدنيا الحقيقية، ويُذكّر المستمعين بأنها ليست سوى محطة قصيرة في رحلة الإنسان نحو الآخرة. بأسلوبه العاطفي الذي يخاطب القلوب، يطرح الشيخ سؤالًا محوريًا: "ماذا ستقدم الدنيا للإنسان عندما يأتيه الموت؟" ويستعرض كيف أن كل ما في الدنيا من متاع وزينة، من مال ومناصب، لا يمكن أن ينقذ الإنسان من مصيره المحتوم.
ثم يتناول الشيخ كشك بالدقة والبلاغة الآيات القرآنية التي تذكر الفانية من الدنيا، مشيرًا إلى أن المال والولد والشهرة لا يمكن أن تمنح الإنسان السعادة الحقيقية، بل هي مجرد اختبار وابتلاء. يروي الشيخ كيف أن الأنبياء والصالحين كانوا يعرفون حقيقة الدنيا ويزهدون فيها، وكانوا يقدرون الآخرة ويعملون لها بكل جهدهم، مُضحّين بكل شيء في سبيل رضا الله.
تتبع الخطبة عرضًا مؤثرًا لبعض قصص الصحابة والتابعين الذين أظهروا الزهد في الدنيا، مثل الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه، الذي كان معروفًا بكرمه وثروته، ولكنه لم يعلق قلبه بها، بل كان يُنفقها في سبيل الله. يوضح الشيخ كشك كيف أن هؤلاء الصحابة الكرام كانوا يعلمون أن الدنيا ليست سوى مزرعة للآخرة، وأن حياتهم الحقيقية تبدأ في الجنة، حيث النعيم الأبدي الذي لا ينتهي.
الشيخ كشك يركّز على أن الانغماس في ملذات الدنيا يمكن أن يؤدي إلى الغفلة عن الهدف الأسمى وهو العبادة وطاعة الله، مشيرًا إلى أن الموت لا يعرف غنيًا ولا فقيرًا، ولا يعترف بالسلطة أو الجاه، بل يأتي فجأة ليأخذ الإنسان إلى ما قدم من عمل. يطالب الشيخ المستمعين بالتفكر في هذه الحقيقة: "هل نحن مستعدون للآخرة؟"، مؤكدًا أن العمل للآخرة هو الذي يجلب السعادة الحقيقية، وأن المؤمن يجب أن يسعى للعبادة والتقوى بغض النظر عن التحديات التي قد يواجهها في الحياة الدنيا.
الشيخ كشك يُختتم خطبته بتوجيه نصيحة قوية للمسلمين بأن يتجنبوا الغرور بمفاتن الدنيا، وأن يضعوا نصب أعينهم الآخرة والعمل الصالح، ويذكرهم أن الدنيا ليست سوى دار امتحان، أما النعيم الحقيقي فهو في الجنة، التي لا تُقاس بأي شيء من متاع الدنيا.
هذه الخطبة تدمع العين وتخاطب القلب، لأنها تذكّرنا بحقيقة زوال الدنيا وتحثنا على تذكّر هدف حياتنا الأسمى، ألا وهو العمل للآخرة.