الفائدة الأُولى: تعميق الجذور.
كيف؟ أَليْس الإنسان إما مصدقًا أو شاكًّا أو مُكذِّبًا؟ ألَيْس اليقين تصديقًا جازمًا لا يخالطه شكٌّ؟
بلى ولكن هذا التصديق بِدَوْره على درجات؛ أنتَ حين تُصدِّق بوجود الله تصديقًا جازمًا حاسمًا لا يخالطه شكٌّ، فقد اجتزْت الخطَّ المطلوب أي أفْلَتَّ من جاذبيَّة الشُّكوك والتَّردُّد-، لكنَّ النَّاس بعدَ ذلك يتفاوتون في التَّحليق.
ومن أهمِّ سِقائها التَّفكُّر الذي حثَّ عليه ربُّنا بِقوْله: ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ﴾
ومن أعظمِ التفكُّر تأمُّل أدلَّة وجود الله عزَّ وجلَّ ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى﴾
أَدرَك إبراهيم الخليل عليه السَّلام تفاوت مراتب اليقين، وهو من هو في قوَّة يقينه ومع ذلك، أراد أعلى درجاته
﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ﴾
أي: لديَّ إيمان ويقين سالم من الشكِّ ﴿وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾
الفائدة الثَّانية: إحسان الظَّنِّ بالله
فطريقتنا في تناول أدلَّة وجود الله تعالى لن تكون جافَّة بل المقصود منها بالإضافة إلى تعميق اليقين بوجوده، هو أيضًا تعميق المحبَّة لله تعالى واليقين بعدْله وحِكْمته ورحمته كُلَّما نظرْتَ في أدلَّة وجود الله، ثُمَّ في أدلَّة صحَّة دينه، تزداد يقينًا برحمته سبحانه أن أقام كُلَّ هذه الشَّواهد، وتقول في نفسك: يا الله، كُلُّ هذه الشواهد! كُلُّ هذه الأدلَّة! ما أرحمك ربِّي بعِبادك!
ستزداد يقينًا بعدل الله تعالى، حين يعاقِب أناسًا كفروا به بعد هذا كلِّه، وتعلَم حقًّا أنَّه ليس للنَّاس على الله حُجَّة بعد هذا كلِّه ولا عُذْر.
الفائدة الثَّالثة: تكوين الدَّافعيَّة
فاليقين بالمفهوم الذي شرَحناه هو قوَّتك الدَّافعة لكُلِّ شيءٍ بعد ذلك، هو المحرِّك الذي بحسب قوَّته تنطلق وتستطيع تجاوُز العقبات، وصعود الجبال.
كُلَّما أحْكمْتَ مسألة اليقين، فإنَّه ليس أمامك إلَّا العمل، والانطلاق بهِمَّة وحيويَّة في طريق الجَنَّة، وتتفجَّر ينابيع طاقاتك المذخورة في خدمة دين الله، والاستقامة على أمره، والدَّعوة إليه بعزْمٍ وثباتٍ ومُثابرة.
كُلَّما سَقيْتَ اليقين تجدَّد النَّشاط وتلاشى الفُتور لذلك فأوَّل وصْفٍ وَصَف الله به المتَّقين في كِتابه الكريم في مَطْلع سورة البقرة: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾، الذين يؤمنون بالغيب هذا هو المحرِّك لكلِّ شيء، في حين إذا كان هناك خللٌ في الجذور، فسيسْري الأثَرُ في الثَّمرة.
الفائدة الرَّابعة: الثَّبات والتَّثبيت
فنحن في زمنٍ هو زمن فِتَن، وكم خَلعَتْ هذه الفِتَن أُناسًا من إيمانهم!
واجب المسلم أن يُحصِّن نفْسه، ويَضرِب جذور يقينه في الأرض ليثبُت أمام عواصف الفِتَن، ويُثبِّت مَن حوله.
تأمَّل معي قول ابن تيمية رحِمه الله: "فعامَّة النَّاس إذا أسلموا بعد كُفْرٍ أو وُلِدوا على الإسلام، والتزموا شرائعه، وكانوا من أهْلِ الطَّاعة لله ورسوله، فهم مسلِمون، ومعهم إيمان مُجْمَل، ولكنَّ دخول حقيقة الإيمان إلى قلوبهم إنَّما يحْصُل شيئًا فشيئًا إن أعطاهم الله ذلك، وإلا فكثيرٌ من النَّاس لا يصِلون إلى اليقين، ولا إلى الجهاد، ولو شُكِّكوا لَشكُّوا ولو أُمِروا بالجهاد لما جاهدوا، وليسوا كُفَّارًا ولا منافقين، بل ليس عندهم من علم القلب ومعرفته ويقينه ما يدْرأ الرَّيْب".
إذًا، هؤلاء أُناسٌ عندهم إيمانٌ مُجْمَل، لكنَّه ليس عميقًا في نفوسهم، فهُم على خطر.
الفائدة الخامسة: إدراك نعمة الله عليك
وأنت ترى الفرق الكبير بين المؤْمِن بوجود الله، والمنكِر له، تستشعر كما لم تستشعر مِن قبْل معنى كثيرٍ من الآيات:
﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ولَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ ولَا الظِّلُّ ولَا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ﴾
تُدرِك بعمقٍ معنى قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللهِ أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ﴾
تدرِكُه وأنتَ ترى تبِعات إنكار الله، كيف يهوِي صاحبه في مكانٍ سحيقٍ؛ فيزيد ذلك تمسُّكَك بدينك، وانحيازًا له وإدراكًا لنعمة الله عليك.
الفائدة السَّادسة: هي إحياء العِزَّة
مع تأمُّل أدلَّة وجود الله تُحسُّ بالعزَّة والانسجام مع نفسك، وأنت تُظهِر شعائر دينك وتدعو إليه؛ لأنَّك تدرِك أنَّك على الحقِّ المبِين، وأنَّ هذا الذي تُظهرُه، وتدعو إليه، وضعُفَ فيه الآخرون من شعائر دينك، دعوتك، أمْرِك بالمعروف، نهْيِك عن المنكر، أنَّها كلَّها مستنِدَةٌ في الأساس إلى الحقيقة العظمى والعليا، التي لا تتردَّد في صحَّتها لحظة
Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.