والأَكَرْمُ سُبْحَانَه هو الذِي لا يُوَازِيهِ كَرَمٌ، ولا يُعَادِلُه في كَرِمِه نَظِيرٌ، وَقَدَ يَكُونُ الأَكْرمُ بمَعْنَى الكَرِيمِ، لَكِنَّ الفَرْقَ بَيْنَ الكَرِيمِ والأكْرَمِ أَنَّ الكَرِيمَ دَلَّ عَلَى الصِّفَةِ الذَّاتِيَّةِ والفِعْلِيَّةِ مَعًا؛ كَدِلَالِتِه عَلَى مَعَانِي الحَسَبِ والعَظَمَةِ والسَّعَةِ والعِزَّةِ والعُلْوِّ والرِّفْعَةِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ، وأَيْضًا دَلَّ عَلَى صِفَاتِ الفِعْلِ؛ فهو الذِي يَصْفَحُ عَنِ الذُّنُوبِ، ولَا يَمُنُّ إذا أَعْطَى فَيُكَدِّرُ العَطِيَّةَ بِالمَنِّ، وهو الذِي تَعَدَّدَتْ نِعَمُه عَلَى عِبَادِهِ بِحَيْثُ لا تُحْصَى، وهَذَا كَمَالٌ وجَمَالٌ في الكَرَمِ، أَمَّا الأَكْرَمُ فهو المنْفَرِدُ بِكُلِّ ما سَبَقَ في أنواعِ الكَرَمِ الذَّاتِي والفِعْلِي؛ فَهُوَ سُبْحَانَهُ أَكْرَمُ الأكْرَمِينَ، لَهُ العُلُوُّ المطْلَقُ عَلَى خَلْقِهِ فيِ عَظَمَةِ الوَصْفِ وَحُسْنِهِ، ومِنْ ثَمَّ لَهُ جَلَالُ الشَّأْنِ في كَرِمِهِ، وهو جَمَالُ الكَمَالِ وكَمَالِ الجَمَالِ[5]، فاللهُ عَزَّ وَجَلَّ لا كَرَمَ يَسْمُو إلى كَرَمِهِ، ولا إنْعَامَ يَرْقَى إلى إِنْعَامِهِ، ولا عَطَاءَ يُوَازِي عَطَاءَه، لَهُ عُلُوُّ الشَّأْنِ في كَرَمِهِ، يُعْطِي مَا يَشَاءُ لمَنْ يَشَاءُ كيفَ يَشَاءُ بِسُؤَالٍ وغَيْرِ سُؤالٍ، وهو يَعْفُو عنِ الذُّنُوبِ، ويَسْتُرُ العُيُوبَ، ويُجَازِي المؤْمِنِينَ بِفَضْلِهِ، ويُمْهِلُ المعْرِضِينَ ويُحَاسِبُهم بِعَدْلِهِ، فَمَا أَكْرَمَهُ، ومَا أَرْحَمَهُ، ومَا أعْظَمَهُ[6]، وحَسْبُنا مَا جَاءَ في قَوْلِه: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [النحل: 18]، وقَالَ: ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى: 11]، وعِنْدَ البخاري مِنْ حَدِيثِ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتَعَالَى كُلَّ لَيْلةٍ إلى السَّمَاء الدُّنْيَا حينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخرُ يَقُول: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟"