الآن نحن في نعمة لا تعدلها نعمة ، نحن أحياء ، والقلب ينبض ، وفينا بقية من العمر ، والتوبة ممكنة ، والإصلاح ممكن ، والاستغفار ممكن ، وفتح صفحة مع الله ممكن ، كل شيء ممكن ، ما دام في العمر بقية ، فإذا جاء ملك الموت انتهى كل شيء .
لذلك ورد في بعض الآثار أن الميت حينما يوضع في قبره أول ليلة ينادى " أن عبدي ، رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت .
( المليك ) يسترد حرية الاختيار التي أعطاك الله إياها .
جيء لسيدنا عمر بشارب خمر ، فقال : " أقيموا عليه الحد ، قال : والله يا أمير المؤمنين ، إن الله قدر عليّ ذلك ، فقال : أقيموا عليه الحد مرتين ، مرة لأنه شرب الخمر ومرة لأنه افترى على الله ، قال : ويحك يا هذا إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار .
في اللحظة التي تتوهم فيها أنك مجبر على كل أفعالك فأنت مخطئ ، أنت مخير فيما كلفت ، لكن لستَ مخيرًا في أمك وأبيك ، ولا في عصرك ، ولا في مدينتك ، ولا في كونك ذكراً أو أنثى ، لكن العلماء أجمعوا على أن هذا الذي اختاره الله لك هو أكمل شيء ، وليس في الإمكان أبدع مما كان ، لكنك مخير فيما كلفت .
فلذلك عند الموت يسترد هذا الاختيار : " مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ "
لا تملك شيئاً ، أما الآن تملك أن تتوب ، تملك ألا تتوب ، تملك أن تصلي ، تملك ألا تصلي ، تملك أن تستقيم تملك أن تنحرف ، أنت مخير ، أما حينما يأتي الموت .