أريد أن أخبرك أشياء كثيرة.. أريد أن نجلس في العدم.. وأن أبكي طويلا.. وألا أسمع لصوتي أي صدى قد ينقص من حدته شيئا.. لأنه كما يخرج من جحيم جوفي محترقا.. هكذا أريدك أن تسمعه.. أن تعلم أنني .. لست على ما يرام.
أن نجلس في العدم لكي أخبرك أنني ضقت بالحدود.. بالجدران والأماكن وهذا الغلاف الجوي.. وهذه المجرة وهذا الكون .. الذي يتسع لمليارات البشر ولكنه يغص بأنفاسي الخفيفة ..
أن نجلس في العدم لكي أحدثك عن الأوطان خارج حدود الانتماء والإيمان.. إنني أكفر بها جميعا.. الأوطان التي افترشت ثراها والتجأت إلى سمائها واعتنقت حبها بكل جوراحي ولكنها لم تحن علي أبدا.. فلا سرى دفء شموسها في عروقي يوما ولا تفتح لون دمي بأكسجين هوائها أبدا !
أن نجلس في العدم لكي لا أرى .. ولا أسمع.. ولا أشم .. ولا أتذوق ولا أستشعر ماديات الوجود.. أن أطفئ جهاز حواسي كله لكي أزن هذا الكون خارج حدود الإدارك .. لكي أريك أننا نبصر بمقلتي القلب، ونسمع من خلال أذنيه.. ونشم ونحس ونتذوق من الداخل ..
أن نجلس في العدم عل أجسادنا تصير عدما.. وأبصر روحك خارج حدود اللحم والعظم .. بكل شفافية..
أن أبصر هذه الطاقة التي لم تستطع احتواءها صلابتك كلها وحملتها روحك فاحتوتها وآوتها وسخرتها بلسما في سبيل أرواح الآخرين.. روحي التي لشدة هشاشتها أشك في أنها ستبان على الإطلاق أمام جمال روحك..
أن نجلس في العدم كي أخبرك أن لا قيمة لشيء عندي سوى صمتك عندما أشكو، وأسى عينيك عندما أبكي، ودفء روحك يذيب صقيع عالمي .. خارج حدود المنطق.. خارج حدود الاعتياد.. تماما كحدود العدم.