في هذه الخطبة المؤثرة والمليئة بالعبر، يستعرض الشيخ عبد الحميد كشك أحد أعمق وأغرب المشاهد التي قد لا يتخيلها العقل البشري، وهي "ماذا قال ملك الموت لربه عندما أمر الله بموته". بأسلوبه الرائع والمهيب، يكشف الشيخ كشك عن لحظة عظيمة في الآخرة تتعلق بملك الموت، الذي هو الموكل بقبض الأرواح، وكيف أنه تعرض لموقف غير متوقع عندما صدر أمر الله بموته.
يبدأ الشيخ كشك خطبته بتوضيح مكانة ملك الموت، الذي يمثل أحد أعظم الملائكة في خلق الله، حيث لا يدير هذا المَلَك فقط قبض الأرواح، بل يحمل مسؤولية عظيمة تتعلق بحياة البشر والمخلوقات جميعها. كما يشير الشيخ إلى أن ملك الموت يُنفذ أوامر الله بلا تردد، ولا يعصي الله في شيء، مهما كانت المهمة التي تُسند إليه. إلا أن الشيخ يكشف عن حدث عجيب ومؤثر عندما يأتي أمر الله بوفاة ملك الموت نفسه.
يُصَوِّر الشيخ كشك لحظة انتقال ملك الموت من دوره كخازن للأرواح إلى نفس المصير الذي يلقاه جميع المخلوقات، وهو الموت. يشير إلى أن ملك الموت، رغم عظمته وواجبه الكبير، لا يستطيع الهروب من قضاء الله وقدره. ولكن المفاجأة الكبرى في هذه القصة هي ما حدث عندما تلقى ملك الموت أمر الله بموته. يقول الشيخ كشك إنه في تلك اللحظة، وعندما سمع ملك الموت أمر ربه، قال شيئًا لم يتوقعه الجميع: "سبحان الله، يا رب، كيف يكون الموت لي وأنا الذي آخذ الأرواح؟". هنا يكشف الشيخ عن مشهد يتنافى مع تصور البشر حول ملك الموت، حيث يظهر هذا الملك العظيم في لحظة عبودية خالصة لله، متواضعًا في مواجهة أمر الله العظيم.
من خلال هذه القصة، يسلط الشيخ كشك الضوء على حقيقة أن كل مخلوق في هذا الكون، مهما كان عظيمًا أو كبيرًا، لا مفر له من الموت الذي هو نهاية حتمية لجميع الكائنات. يُظهر الشيخ كيف أن ملك الموت، الذي كان ينفذ الأوامر الإلهية بلا تردد طوال الوقت، لا يمكنه أن يهرب من لحظة لقاء الله، تمامًا كما لا يستطيع أي إنسان أن يتجاوز هذا القدر الذي كتب له. هذه اللحظة تمثل أعظم درس في التواضع أمام الله، حيث إن كل مخلوق هو خاضع لأمر الله، ولن يستطيع أحد أن يفرّ من هذا القضاء.
ثم يتناول الشيخ كشك التأمل في معنى هذه اللحظة العميقة، مشيرًا إلى أن ملك الموت، رغم عظمته في عالمنا، لا يملك شيئًا أمام قدرة الله. يُفَكِّر الشيخ في هذا المشهد العميق ليُذكّر المستمعين بأنهم جميعًا مخلوقات لله، وأن الحياة الدنيا ما هي إلا رحلة قصيرة، وأن الإنسان مهما بلغ من القوة أو العظمة، فإنه سيواجه مصيره المحتوم في يوم من الأيام.
الشيخ كشك ينهي الخطبة بتوجيه نصيحة قوية للمستمعين بأن يتذكروا الموت في كل لحظة من حياتهم. يُحث المسلمون على أن يجعلوا الموت حافزًا لهم للتوبة والتقوى والعمل الصالح، فالموت يأتي فجأة دون سابق إنذار. كما يُشدد على ضرورة أن يكون الإنسان في حالة استعداد دائم للقاء الله، وأن يكون عمله خالصًا لوجه الله تعالى، ليواجه ذلك اليوم وهو مطمئن إلى عمله.
في هذه الخطبة، يترك الشيخ كشك المستمعين في حالة من الوعي العميق والخشية، مما يجعلهم يتفكرون في حقيقة الموت وقدر الله، ويحفزهم على التوبة والعمل الصالح قبل فوات الأوان، مع تذكيرهم بأن ملك الموت نفسه، رغم مكانته العظيمة، لا يملك سوى الخضوع لأمر الله.