كانت قاعة المرآيا مخصصة لاحتفالات ماريا تيريزا المقامة ضمن دائرة الأسرة، ومن بينها الحفلات الموسيقية و الكونسيرتات الصغيرة. في عام 1762 أُقيم أول كونسيرت لموزارت والذي لم يتجاوز عمره ست سنوات آنذاك بحضور الإمبراطورة. وبهذه المناسبة كتب والد موزارت الفخور الذي كان يسمي ابنه وولفيرل مايلي: "لقد قفز وولفيرل إلى حُضن صاحبة الجلالة وعانقها وقبّلها بحرارة".

سميت هذه الغرفة وكذلك الغرفتان التاليتان على إسم جوزيف روزا، وهو رسام لوحات مناظر طبيعية. فاللوحة الأولى مباشرة على الجهة اليسرى من الباب الذي اجتزتموه تُصور القصر الأصلي لعائلة الهابسبورغ في منطقة آرغاو السويسرية وإسمه هابيشتسبورغ والذي يعني قصر الصقور. وهنا تشاهدون صورة القيصر فرانز الأول ستيفان فون لوترينغِن وهو محاط بمختلف الحاجيات والتحف التي تعبر على هواياته الفنية والتاريخية والعلمية المختلفة. لقد تم تتويجه قيصرا للإمبراطورية الجرمانية الرومانية المقدسة في عام 1745 بحكمة زوجته ماريا تيريزا، التي كانت تحكم البلدان الخاضعة لتاج الهابسبورغ, بينما كان زوجها يكرس وقته للعلوم و رعاية الأموال.

ها انتم الآن تقفون في رواق الصالة الكبرى الذي استخدمته العائلة القيصرية لحفلات الرقص والأستقبال ومآدب العشاء الفاخرة. كان هذا الرِواق الذي يبلغ طوله اكثر من40 مترا وعرضه 10 أمتار تقريباً يشكل الإطار الأمثل لإقامة حفلات البلاط. إن هذه القاعة المجهزة بمرآيا البلور و المزينة بالزخارف النحتية المذهبة ونقوش السقف تقدم نفسها كتحفة فنية ينعكس فيها عصر الروكوكو. فالنقوش هي من عمل الرسالم الإيطالي غريغوريو غوغليلمي وهي تعبر بالدرجة الأولى عن تمجيد ومدح لعصر ماريا تيريزا. ففي النقش السقفي الأوسط تشاهدون القيصر فرانز ستيفان وماريا تيريزا المتربعين على العرش وهما محاطان بشخصيات تجسد فضائل الحاكم و بتماثيل تعبيرية للبلدان الخاضعة للتاج االملكي. وكانت كل من الثُريتين الكبيرتين المصنوعتين من الخشب المنحوت والمذهبتين مزودة بـ70 شمعة، قبل تزويد القصر بالكهرباء في العام 1901. منذ نهاية العهد القيصري يُستخدم رِواق الصالة الكبرى للحفلات الموسيقية، كما شهد في سنة 1961 اللقاء الأسطوري بين الرئيسين كينيدي وخروتشوف. يقع رِواق الصالة الصغرى على جانب حديقة القصر. لقد تم استخدام هذه القاعة للإحتفالات العائلية وأعياد الميلاد، وهي توفر إطلالة خلابة على حديقة القصر، وعلى طوق المجد المسمى بـ غلورييت والذي تم انشاؤه في عصر ماريا تيريزا. ومن خلال أعمال التجديد الأخيرة إستعادت هذه الصالة إشراقتها البيضاء اللامعة الأصلية من القرن التاسع عشر مرة أخرى.

بامكانكم أن تروا على جانبي القاعة الصغيرة غرفتين صينيتين، الغرفة الصينية البيضوية على اليسار والغرفة الصينية المستديرة على اليمين. حيث كان للإمبراطورة ماريا تيريزا ولع كبير للفنين الصيني والياباني واللذين كانا بمثابة موضة العصر. ورُصعت الكسوة الخشبية البيضاء في الغرفتين بلوحات الورنيش الصينية الثمينة، وتبرز من اطاراتها المذهبة مساند صغيرة موضوعة عليها خزفيات ملونة بالازرق والابيض. وما يستحق لفت النظر إليه هي الأرضية الخشبية، المسماة الباركيه، المطعمة بنقوش فنية رائعة. واستُخدمت الصالتان للعب والمؤتمرات. ففي الغرفة الصينية المستديرة اقيمت المؤتمرات الرسمية السرية، كما كانت تُجري فيها ماريا تيريزا اجتماعاتها مع مستشار الدولة الأمير كاونيتس.

اكتسبت هذه الغرفة تسميتها بفضل اللوحة اليسرى من اللوحتين الكبيرتين: فهي تُظهر حفلة دوارة الفروسية للنساء، والتي أقامتها ماريا تيريزا في العام 1743 في المدرسة الشتوية للفروسية للإحتفال بإستعادة مدينة براغ خلال حرب الخلافة النمساوية. ففي هذه المدرسة التي تعرف اليوم بإسم المدرسة الأسبانية للفروسية لاتزال تُقدم حتى أيامنا هذه عروض للخيول البيضاء المسماة "ليبيتزانا"، وفي وسط الصورة تبدو ماريا تيريزا ممتطية فرسها الابيض ومتصدرة وصيفاتها. وعلى اليسار يمكنكم مشاهدة صورة لكارل السادس والد ماريا تيريزا وهو يرتدي عباءة معطف اسبانية فاخرة.

كانت تقام في قاعة الإحتفالات في عصر ماريا تيريزا طقوس الإحتفالات الصغيرة مثل التعميد وكذلك حفلات الزفاف. تبين سلسلة اللوحات التي تزين هذه القاعة حفلات اقيمت بمناسبة عقد قران الإبن الأكبر لماريا تيريز وخليفها، جوزيف على الأميرة البوربونية إيزابيلا فون بارما. ومن ضمن سلسلة اللوحات هذه أشهر صورة للإمبراطورة ماريا تيريزا والتي تظهر فيها كسيدة أوروبا الأولى في فستان راقي من دانتيل البرابانت. وتبين أكبر هذه اللوحات موكب زفاف الأميرة ايزابيلا يتبعه 98 عربة تجرها الخيول، وكان من السهل التعرف على جميع الضيوف، وهم من أبرز الأرستقراطين في أوروبا، من خلال شعار النبالة لإسرهم المعلق على عرباتهم.

في بداية القرن التاسع عشر تم تزيين جدران الصالون الصيني الأزرق بغطاء الجدران المصنع من ورق الأرز من القرن التاسع عشر الغني بالروسومات اليدوية. انتم الآن تتواجدون على أرض لها أهمية تاريخية مميزة : ففي هذه القاعة جرت في يوم 11 من شهر نوفيمبر/ تشرين ثاني من العام 1918 المفاوضات التي أدت الى إبرام وثيقة تنحي كارل الأول، القيصر النمساوي الأخير، عن إدارة مقاليد الحكم. وفي اليوم التالي تم إعلان الجمهورية النمساوية وبهذا أُسدل الستار على فترة حكم أُسرة هابسبورغ والتي دامت فترة 600 سنة. إلا أن كارل لم يكن راغباً في التنازل، غير أنه أُرغم في نهاية الأمر للذهاب مع عائلته الى المنفى. وقد توفي في العام 1922 وهو لايزال في ال35 من عمره في جزيرة مادَيرا. في حين توفيت زوجته زيتا في عام 1989 وتم دفنها كآخر امبراطورة نمساوية في المقبرة الملكية في فيينا.

أعادت ماريا تيريزا تنظيم وتجهيز هذه الغرفة كقاعة للذكريات بعد الموت المفاجيء لزوجها الحبيب، فرانز ستيفان، والذي توفي بصورة غير متوقعة في العام 1765. ورُصعت كسوة الغرفة المصنعة من خشب الجوز بلوحات الورنيش السوداء والتي جُلبت خصيصا من العاصمة الصينية بيجين وزودت باطارات مذهبة. وظلت ماريا تيريزا مرتدية الوشاح الأسود بعد وفاة زوجها فرانز ستيفان ولم تخلعه ابداً. وبعد وفاة الإمبراطورة تم العثور على قصاصة ورق في كتاب الصلاة، كانت الإمبراطورة قد سجلت فيها الوقت السعيد الذي عاشته في حياتها الزوجية وبكل دقة. نسخة ملقية لكتاب "ايسبري دي لوا" للمؤلف منتيسكيو ويعد الكتاب من أهم الأعمال في عصر التنوير. ولقد إنعكست أفكار عصر التنوير هذه على كل الجهود والإصلاحات التي قام بها القيصر الشاب.

تذكرنا غرفة نابوليون هذه بقيصر الفرنسيين، الذي أقام في هذه الغرفة بعد احتلاله لمدينة فيينا ولمرتين في العام 1805 والعام 1809، وهذه الغرفة كانت سابقا غرفة نوم ماريا تيريزا. لقد كان تزويج ماري لويس، إبنة القيصر فرانز الثاني / الأول، من نابوليون في عام 1810 من أجل تحقيق السلام بين الحاكمين. رجعت ماري لويس الى بلاط فيينا برفقة إبنها بشكل مؤقت بعد سقوط نابوليون وخلال مؤتمر فيينا مابين عامي 1814 و 1815 مُنحت ماري لويس مقاليد حكم دوقية بارما الواقعة في إيطاليا، ولكن فقط بشرط بقاء إبنها الدوق رايخشتات في فيينا. لقد وجدت القوى السياسية الأوربية نفسها مرغمة الى تقويض الدور السياسي للأمير الصغير كأبن لنابليون، والذي كان يسمى في البلاط الملكي " الأمير فرانزي"، حيث ترعرع منعزلاً في البلاط الملكي في فيينا تحت رعاية جده. كما تعلم حرفة مدنية حاله حال جميع أفراد أُسرة هابسبورغ من الذكور ووفقا لعادات وتقاليد العائلة. ويبدو في اللوحة التي أمامكم كجنائني صغير. إلا أنه توفي في العام 1832 وهو لايزال في سن 21 فقط إثر مرض الحربة. والتمثال النصفي يظهره راقدا على فراش الموت، وعلى الطاولة في الجهة المقابلة تشاهدون طيره المحبوب، قُبَرّة متوجة. في غرفة الخزفيات (الغرفة رقم 31) التالية نعود مرة أخرى الى عصر ماريا تيريزا حيث استخدمت هذه الغرفة الصغيرة كغرفة العاب وعمل. فالإطار الأزرق والأبيض من الخشب المنحوت على نمط الخزف المقلد يكسو الغرفة بأكملها ويصل حتى السقف. وقد أُضيفت الى هذا الاطار 213 من الروسومات الحبرية الزرقاء نفذتها ريشة فرانز ستيفان وبعض من الأطفال. إحدى هؤلاء الأطفال كانت ماري كرستين، والتي تظهر على إحدى الصور الشخصية على هذه الرصائع. وكانت ماري كريستسن والتي يطلق عليها إسم المحببة للإمبراطورة، وهي الوحيدة التي سُمح لها بالزواج من الرجل الذي أحبته، وهو ألبيرت فون ساخسِن تِشِن.

تتواجدون الآن في إحدى اثمن صالات القصر المسماة غرفة الملايين. تنسب تسميتها الى كسوة الجدران المصنوعة من خشب الورد الفائق الندرة والمرصعة برسوم المنمنمات الهندية الفارسية. وتصور هذه المنمنمات مشاهد من الحياة الخاصة والرسمية للحكام المغول في الهند في القرنين السادس عشر والسابع عشر. وقد تم قطع الرسومات الأصلية من قبل أفراد الأسرة القيصرية ومن ثم أعادت تجميعها بحيث تكوّن من خلال ذلك نمطا جديدا من الصور المركبة. كما وتمنحنا غرفة الملايين فرصة التعرف على إحدى ألعاب الخدع البصري المألوفة والمحببة في عصر الروكوكو: لقد تم وضع مرايا بلورية على كلا الجانبين من الغرفة بحيث تعكس بعضها البعض وتخلق الوهم عند الزائر بأن فضاء الغرفة لانهائي.