تحدثنا في الحلقة السابقة وتحت عنوان "أحكام مشتركة" عن حكمين وجدنا أن التوراة تتوافق فيهما مع القرآن الكريم، وهما حكم اتجاه القبلة، وأحكام النكاح، ثم بعد أن تحققنا من هذا التوافق، تساءلنا في خاتمة الحلقة: هل يمكن أن يكون هذا التوافق جزئي، بمعنى أن القرآن الكريم تطابق مع الكتب السماوية في بعض الأحكام، لكنه ألغى وبدل البعض الآخر؟!
قبل أن نصل لإجابة محكمة على هذا السؤال الهام، نريد أن نؤكد على أهمية حكم اتجاه القبلة في الدين والذي يعني وجود نصوص مشتركة وواحدة فقط، والذي يصب في اتجاه أنه لا تبديل لأحكام الله فيها عبر الأزمان، فاتجاه القبلة يعطي دلالة في الشكل والمضمون لكون أن الدين واحد في كل تفاصيله، وهذا في حد ذاته إجابة على نفس السؤال، لكننا لن نكتفي بهذه الإجابة، وسنضيف أدلة قرآنية أخرى أكثر بيانًا.
لإحكام الإجابة عن هذا السؤال نتحدث في هذه الحلقة - إن شاء الله - عن الأمر الرباني إلى أهل الكتاب بإقامة التوراة والإنجيل، نثبته من عدة آيات في سورة المائدة والجن وآل عمران، ثم نتساءل عن دلالات هذا الأمر في سياق ما نتحدث عنه.
﴿ إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ ﴾ المائدة [44]
﴿ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ ﴾ المائدة [47]
﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ المائدة [68]
﴿ وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً ﴾ الجن [16]–[17]
﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴾ آل عمران [113]-[115]
﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴾ المائدة [15]