Share فتاوى نور على الدرب لمعالي الشيخ عبد الكريم الخضير
Share to email
Share to Facebook
Share to X
By Nad Khudheir
The podcast currently has 23 episodes available.
لا يجب على القارئ أن يقف عند رؤوس الآي، بل شيخ الإسلام يرى أن الوقوف عند رؤوس الآي مستحب، لكن أحيانًا تكون الآية الثانية متعلقة بالأولى، وقد يكون الوقوف على رأس الآي مخلًا بالمعنى، كما في قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4-5]، وقوله سبحانه: {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [البقرة: 219-220] ، فالثانية لها ارتباط وثيق بالأولى، وحينئذٍ لا يحسن الوقوف على رؤوس الآي، وشيخ الإسلام يطلق السنية في الوقوف على رؤوس الآي، وجاء في وصف قراءة النبي -عليه الصلاة والسلام- شيء من ذلك وأنه كان يمد {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } [الفاتحة: 1] يمد ببسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم [البخاري: 5046]، ويقول: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} [الفاتحة: 1-4] يُقَطِّع قراءته آيةً آيةً [أبو داود: 4001]، مما يدل على أن رؤوس الآي معتبر، لكن ينبغي أن يلاحظ المعنى مع ذلك.
هجر القرآن تركُ قراءته وتركُ تدبره والاتعاظِ به وتركُ العمل به، فيحصل الهجر بهذه الأمور، بالترك إما لقراءته فيمضي عليه الوقت الطويل دون أن ينظر في كتاب الله، أو يترك تدبره، وهذا هجر لمعانيه وهجر للاتعاظ به والادكار والانتفاع به، وترك العمل به هجرٌ لما أُنزل القرآن من أجله، وكل هذا يدخل في الوعيد {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: ٣٠].
يقرر أهل العلم ومنهم شيخ الإسلام أن القرآن قويّ وثقيل ووقعه على القلوب شديد، لكنه نزل على قلبه -عليه الصلاة والسلام- وهو في حال من القوة تحتمل هذا القرآن، وتحتمل هذا القول الثقيل، وكذلك صحابته -رضوان الله عليهم- فهم يستشعرون عظمة القرآن، وفي قلوبهم من القوة ما يحتمل هذا القول الثقيل، فلما ذهب الصحابة وجاء بعدهم التابعون، وهم من الفضل والدين والعلم والاستشعار لعظمة هذا القرآن بالمنزلة الرفيعة العالية، يستشعرون عظمة هذا القرآن وثِقله، ومع ذلك قلوبهم ضَعُفتْ ليست كقلوب الصحابة، فنزل هذا القول الثقيل على قلوب أضعف من قلوب الصحابة، فحصل لهم ما حصل من الغُشِيّ، وقد يحصل لبعضهم من الصَّعق ما يحصل.
القرآن نزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- مُنَجَّمًا على حسب الوقائع والحوادث في مدةٍ هي مدةُ مكثه -عليه الصلاة والسلام- من بعثته إلى وفاته وهي ثلاث وعشرون سنة، فهو منجَّم على حسب الحوادث والوقائع ولم ينزل جملة واحدة، اللهم إلا ما قيل: إنه نزل جملةً واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا كما جاء عن ابن عباس –رضي الله عنهما- [مسند البزار: 5009] وصححه جمع من أهل العلم، ومنهم من يقول: إنَّه موقوف على ابن عباس –رضي الله عنهما- وحينئذٍ له حكم الرفع؛ لأن مثل هذا لا يقال بالرأي، لكن من أهل العلم أيضًا من ضعَّفه، وعلى كل حال نزول جبريل بالقرآن على النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى الأرض كان منجَّمًا على عدد سني مكثه -عليه الصلاة والسلام- من بعثته إلى وفاته ثلاثٍ وعشرين سنة.
الله -جل وعلا- هو أصدق القائلين {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء: ١٢٢]، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء: ٨٧]، لكن التزام قول: (صدق الله العظيم) بعد كل قراءة أمر محدَث لم يُؤثَر عن سلف الأمة وأئمتها، فلا ينبغي اعتياده، وفعله أحيانًا لا بأس به، لكن اعتياده والتزامه محدَث، ما عُرف عن سلف هذه الأمة ولا أئمتها، ولا ورد به نص، وبعض المفسرين كالقرطبي أشار إلى أنه يقال، (ومن حرمته إذا انتهت قراءته أن يُصدِّق ربه، ويشهد بالبلاغ لرسوله صلى الله عليه وسلم) إلى غير ذلك، لكن لا دليل عليه، والتزام أمر مُلحق بعبادة مما لا أصل له لا شك أنه إحداث.
أسباب النزول الغالب عليها الإرسال كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، ويرى الإمام الحاكم في (مستدركه) أن تفسير الصحابي من قبيل المرفوع؛ للتشديد الوارد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في القول في القرآن بالرأي، فيرى أن جميع ما جاء عن الصحابة في التفسير مرفوع، لكن حمله بعض أهل العلم على أسباب النزول، فالصحابي إذا قال: هذه الآية نزلت في كذا، فلها حكم الرفع؛ لأن هذا التنزيل النبي -عليه الصلاة والسلام- طرف فيه ولا محالة، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
طريقتهم في تحزيب القرآن كما جاء في الصحيحين وغيرهما تنطلق من قوله -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عمرو –رضي الله عنهما-: «اقرأ القرآن في سبعٍ ولا تزد» [البخاري: 5054 / ومسلم: 1159]، فهم يحزبون القرآن على ثلاث -يعني من السور- في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني خمس، وفي الثالث سبع، وفي الرابع تسع، وفي الخامس إحدى عشرة، وفي السادس ثلاث عشرة، وفي السابع المفصَّل، فالبقرة وآل عمران والنساء في اليوم الأول، والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة في اليوم الثاني، ثم يونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر والنحل في اليوم الثالث، ثم من الإسراء إلى آخر الفرقان في اليوم الرابع، ثم من الشعراء إلى يس في اليوم الخامس، ثم من يس إلى ق في اليوم السادس، ثم من ق إلى الناس في اليوم السابع، هذه طريقتهم في التحزيب وهي متقاربة، اليوم الأول والثاني على خمسة أجزاء وفي البقية على أربعة تقريبًا تزيد قليلًا أو تنقص قليلًا، المقصود أنها متقاربة، وعلى هذا التقسيم يقرأ الإنسان القرآن في سبع من غير مشقة، ولو جلس من صلاة الصبح إلى ارتفاع الشمس وزاد على ذلك قليلًا لكفاه ذلك، وإن اقتصر على ارتفاع الشمس وخرج إلى عمله ومهنته ثم جلس مدة يسيرة ربع ساعة أو نصف ساعة في وقت آخر أكمل حزبه من غير أن يتأثر عمله في دينه ولا في دنياه، ولكن الحرمان موجود لدى كثير من الناس.
كون القرآن نزل تدريجيًّا منجَّمًا كلما نزل منه تلقاه الصحابة وحفظوه، ثم إذا نزل نجمٌ آخر وقسطٌ آخر من القرآن تلقوه وحفظوه هذا أسهل في الحفظ من كونه ينزل جملة واحدة، فهو يُقرأ على الناس على مُكث كما جاء في القرآن، وهذا يعين على الحفظ، نعم قد لا يدرك بعض الصحابة الذين ماتوا في أول الأمر آخر القرآن أو بعض القرآن بخلاف مَن جاء بعدهم بعد أن اكتمل نزوله، لكن كونه ينزل تدريجيًّا من رحمة الله -جل وعلا- على خلقه؛ ليتلقاه الناس تدريجيًّا مفرقًا منجمًا يحفظوا منه كلما نزل، فهذا من باب الإعانة على الحفظ والفهم.
أما بالنسبة لسجود التلاوة فجماهير أهل العلم على أنه سنة، وقيل بوجوبه، وهو معروف عند الحنفية ويميل إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، ولكن عامة أهل العلم على أنه سنة.
دعاء الختم لم يرد فيه شيء مرفوع، وإنما جاء عن أنس -رضي الله عنه- وغيره أنه إذا انتهى من قراءة القرآن وختمه فإنه يجمع أهله ويدعو ويؤمِّنون [سنن الدارمي: 3517]، وكثير من أهل العلم يرى أن مثل هذا الحكم يثبت بمثل هذا العمل من عمل الصحابة؛ لأن هذا لا يمكن أن يقال من جهة الرأي، وجاء أيضًا «عند ختم القرآن دعوة مستجابة» [شعب الإيمان: 1920]، لكن مع ذلك لا يُتَّخذ عادة؛ لأنه ليس فيه نص ملزم تثبت به الحجية لمثل هذا الحكم، لكن إذا فعله أحيانًا -كما في السؤال: (يكون بين فترة وفترة)- فيُرجى أن تُجاب دعوته، لا سيما وأن أنسًا -رضي الله عنه- من الصحابة الملازمين للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فقد لزمه عشر سنين، وكان يفعله مع أهله وأولاده وذريته يدعو وهم يؤمِّنون، فتُرجى له الإجابة -إن شاء الله تعالى-.
The podcast currently has 23 episodes available.