أهملَ الأدب العربيّ وأُعجب بنفسهظاهرة فريدة في تاريخ النثر الفنّييستشهد بما يقول ويعجب بما يكتب حطّم الآخرين من حوله ليفوز بقلب السلطانفجاءه من يحطّم إعجابه بنفسه ويقصيه من البَلاطابن الأثير الجَزَريمَثلٌ سائر لغرور الكاتب والشاعر!

هو القِط الأسوأ حظاً في الأدب العربيربّاه ضريرٌ وعجز عن إطعامهفاصطاد القطُّ حَمام الجيران فاصطادوه وقتلوهولمّا رثاه صاحبه بإحدى عيون القصائد العربيةقالوا إنها برثاء خليفة خذله من حولهوفيما القط يموت ويموت نسبوا قصيدة رثائه لعاشقين قُتلالكنها ظلّت من مفاخر الأدب العربي وأخلاق العربقصيدة رثاء بقطّ رثى فيها المجتمعُ كلّ ضحاياه!!

خليفةٌ لأقل من يوموشاعرُ اليومِ وكلِّ يومخذلته السياسةُ وأخمدت ذكرهوورّطه من حوله فكاد يكون نَكِرَةْفأعادت إليه العربيةُ ما سلبتهُ السياسةليكون سلطان ديوان العرب ملكاً على جبروت الرئاسةابن المعتزّمن جَنة الشعر إلى نار السُّلطة!

كما كان سيبويهعقلا فريداً في تاريخ اللغة العربيةكذلك كانت زوجته إنما بالغَيرة ونار الحُبفأحرقت كتابه الشهير وحوّلته إلى هباءفأغشي عليه أسفاً وألماًولمّا أفاقَ طلّقها وأعاد تأليف كتابه.مفارقةٌ لا تتكرّر:أخطر امرأة في تاريخ العربيةزوجةُ أهمِّ رجلٍ في تاريخ النحو العربي!

بائع جوّال تنقّل في شوارع دمشق مناديا على الخضار والفاكهة ونادى على بضاعته في سوق وعمل في فندق هدَّه الفقرُ وخجل من ثيابه التي عليه أوصله الشعرُ إلى بَلاط الملوك فوصلوهُ فصار من كبار الشعراء قصة الوأواء الدمشقيّ عذّبه الفقرُ وأضناهُ الدهرُ وكرَّمه الشعرُ

"البلطجي" و"جرصا" و"معليش" و"كَمان" و"برضو" عامياتٌ لم تقطع صلتها بالعربية الأُم خَضعت لتحوير أو قلْب أو نَحت أو حذف إنما عربيّتها متصلةٌ بالأم اتصالَ الولد بأمّه لكنّ لهجات عربيات، الآن، أوغلت في سرعة النطق وبالغت في إخفاء مخارج الأحرف فصارت عاميتُها العربية تحتاج ترجمة إلى العربية! وبهذا صارت في آخر الأزمان لساناً عربيَّ الأصلِ يشكو غربةَ اللسان!

بين عامّياتِ الأمسِ وعامّياتِ اليومِ ما صنع الحدَّاد كلماتُ الفصحى الآن كانت عامّياتِ الأمس ولولا رواجها وتداولها بين الناس لما فُهِمت في القرآن الكريم وبلهجات مختلفات ولما فهمنا امرأ القيس ولا عَبيد بن الأبرص ولا قُسّ بنَ ساعدة إنّما في عامّيات الماضي، أُسستِ الفصحى ومن بعض عامّيات اليوم، تُنتَهَكُ وتُمحى!

أصلُها في اللبن وغَدت للعربية العالية وصفاً لكنَّ الفصحى ليست واحدةً مثلما اللغة أكثر من لسان وأحصى الرؤساء أكثر من اثني عشر رُتبةً لها ولهذا لم يكتف أهل العربية بمصطلح واحد عنها فقالوا باللغة العالية وبالفصيح والأفصح، وقالوا بالجيد والأجود الفصحى اسمٌ لمسميات كثيرة ومن اللّبن الفصيح إلى اللغة الفصحى صَنَعَ الأعرابُ حضارةً لا تُمحى من ثقافات العالم

في الشعر العربي تطرق الشعراء إلى مضامين كثيرةلكن قلّما نعثر على قصيدة تكون الوحيدةَ من نوعها في الباب الذي فتحتهإنها قصيدة كتبها محققٌ في التراث العربيأودع فيها، كل ما وصل إليه من أصول تحقيق النصوصسمّاها صاحبها أرجوزةوتسمى في منطق الأدب، قصيدة"موضحةُ الطريق إلى مناهج التحقيق"تختصر وصول الثقافة العربية إلينا.. وتقلّل عناء البحث والكدِّ عليناوهي بذلك آثارها باقية لا تُمحى.. وبخاصة في اليوم العالمي للغة العربية الفصحى

هذا هو اليوم العالمي للغة العربية الفُصحىاحتفالٌ يقرّ بدور لغة العرب والعرب والمسلمين في حضارات العالملكن وفيما العالم يحتفل بدور العرب والعربية في حضارة الجنس البشريهل تساءلنا يوماً: كيف وصلت إلينا الثقافةُ العربية؟فما نقرؤه بثلاثة أيام، حُقِّق بسنوات، وما نفهمه بسهولة ويسرضُبِط وفُسِّر، بشهور طوالرِحلة الثقافة العربية، أكثر من تأليف، أعقد من نشر، أصعب مما نتخيّلفي يوم العربية العالمي.. مجدٌ واحدٌ للمؤلِّفين وأمجادٌ لا تُحصى للمحقِّقين!