شعر رشا القاسم
صوت أحمد قطليش
أنا ربّةُ بيتٍ بائسة
لا أحفظُ جدولَ أعمالي مسبقاً
أطهو الطعامَ كظرفٍ طارئ
من صحنٍ إلى آخر أركض
أُعِدُّ مآدبَ لعوائلَ كثيرة
أتخيلُ بيتاً يضجُّ بالفوضى
صحوناً كثيرة أتلَفتُ
ملاعقَ
أقداحاً
ممالحَ
شوكاتٍ
سكاكين
أشياءَ لا علاقة لها بالوحدة
أشياءَ تصلحُ أن تكون خارج هذا البيت.
أنا ربّةُ بيتٍ فاشلة
أتأبطُ أوراقي وأينما حلَّت فكرة
كسرتُ صحناً خشية أن تطير
شحارير الكتابة.
أنا ربّةُ بيتٍ نحيفة
وهذا جديرٌ بالمعرفة
أنني لا أتناولُ ما أعدهُ
من مأكولات.
أنا ربّةُ بيتٍ مهملة
لا أعرفُ مقاديرَ للطبخ
أضعُ الأشياءَ فوق بعضها
ثم أرشُّها بما تيسّرَ من الدعاء
لتنجحَ هذه المرة على الأقل.
أنا ربّةُ بيتٍ دائمةُ التنهُّد
طبخي ساخنٌ مهما برّدتُه
إذ إنني، دائماً
ما أنفثُ عليه تأوُّهاتي.
أنا ربةُ بيتٍ حزينة
أثثتُ الحربَ بالأحبة
فأثثتْني بالأشياءِ التي ظلتْ بعدَهم.
أنا ربةُ بيتٍ وحيدة
أطالعُ الأطفالَ العائدين من المدارس
بحزن
وكأيِّ أميّةٍ أتعلمُ كتابةَ كلمةِ طفل
بعنايةِ من يُمسِّدُ شعرَه.
أنا ربةُ بيتٍ غائمة
اغتنيتُ عن الممالح ،
دمعي تلقفَ مهامّهُ في تنكيهِ حياتي.
أنا ربةُ بيتٍ ثرثارة
هواءُ البيتِ ما عادَ فارغاً
وخفيفاً
لفرطِ ما حامَ فيهِ صدى صوتي.
أنا ربةُ بيتٍ منسيّة
نجحتُ في إقصائي عن حياةِ الآخرين
وظفرتُ بالوحدةِ الكاملة
أنا ربةُ بيتٍ لا مبالية
لكثرةِ ما عاثتْ بقلبي المسافات
اعتدتُ فعلَ الحنين، واستسلمتُ للألم
وكأنني غيرُ معنيةٍ به.
أنا ربةُ بيتٍ منهكة
مفاصلي غيّرت رأيَها في الصمود
أتتبعُ الطريق واقفةً
وكلما لوّحَ العابرون لأحد ،
توهمتُهم أشاروا لي.
أنا ربةُ بيتٍ مجنونة
أتركُ إنارةَ المنزل متّقدةً كلَّ ليلة
لأوهمَ الجيران
أن العائلة تشاهدُ فيلمَ السهرة،
وأن العائلةَ
لم تزل عائلة.
أنا ربّةُ بيتٍ ساذجة
لا أتعظُ من الجروحِ التي تسببها
أدواتُ الطهي
أنا العسراء..
كلما ارتدّتْ يدي
انكمشَ على قلبي الوجع،
ذكرتني بالندوب!.
أنا ربّةُ بيتٍ خائبة
أفكرُ بك ..
فتحترق الطبخة.
أنا ربّةُ بيتٍ مهووسة
ولّتني الوحدةُ مهاماً ممتعةً للغاية
كأن أكوي بزّاتِ أبي العسكرية
ولتتأخرَ الحربُ قليلاً، أتعمدُ حرقها!
كأن أغسلَ ملابسَ إخوةٍ سافروا
ولأجدَ مبرراً لانتظارهم
أدلقُ الماءَ عليها باستمرار.!
أنا ربةُ بيتٍ دائماً ما أسهو
أحملُ دزينةَ الملاعقِ ببهجةِ منتصر
فترتعدُ يدي .. كردٍّ تأنيبي
لمن حزمةُ الملاعق هذه؟
نحن الآنَ اثنان
إثنا عشرة ملعقةً لمن..!
ذاكرةُ اليدِ أقوى
كيف تنسى اليد تلويحَها للراحلين؟.