
Sign up to save your podcasts
Or
في ظلّ حرب لا تزال مستعرة، وتاريخٍ ثقيل ما زالت آثاره حيّة في الذاكرة الأوكرانية، اتخذت كييف قرارًا يصفه كثيرون بأنه خطوة في طريق التحرّر الكامل من الإرث السوفييتي. أوكرانيا، ومنذ عام 2023، لم تعد تحتفل بيوم النصر على النازية في التاسع من أيار/مايو، كما جرت العادة، بل اختارت الثامن من الشهر نفسه، تماشيًا مع التقاليد الأوروبية، ولتعلن من خلاله سردية جديدة للبطولة والمقاومة والانتصار.
في بلدٍ لا تزال نيرانه مشتعلة، وفي ظل حرب تُعيد للأذهان أهوال الماضي، اختارت أوكرانيا أن تُعيد كتابة ذاكرتها الوطنية.
الثامن من مايو لم يعد مجرد تاريخ رمزي في أوكرانيا، بل صار عنوانًا لتحوّل أعمق في فهم التاريخ والهوية. فمنذ عام 2023، وبقرار رئاسي، باتت البلاد تحيي يوم الذكرى والنصر على النازية في هذا التاريخ، تماشيًا مع تقاليد أوروبا الغربية، تطلق عليه يوم الذكرى والمصالحة تكريما لأولئك الذين فقدوا حياتهم خلال الحرب العالمية الثانية.
لكن هذا التحول لم يأتِ فجأة. بل هو نتيجة مسار طويل بدأ بعد الاستقلال، وتبلور بوضوح بعد ثورة الميدان عام 2014، وفق ما يؤكد النائب في البرلمان الأوكراني فولوديمير فياتروفيتش الذي كان من أوائل الداعين لهذا التغيير.
النائب في البرلمان الأوكراني فولوديمير فياتروفيتش:
تتخلّى أوكرانيا أخيرًا عن تقليد الاحتفال بيوم النصر في التاسع من مايو، بالتوازي مع روسيا. إنها تضع حدًّا نهائيًا لما يُعرف بثقافة "الانتصار الهستيري" السوفييتية والروسية الحالية، تلك الثقافة التي نشأ عليها أولئك الروس الذين قتلوا الأوكرانيين في بوتشا، وإيزيوم، وماريوبول. في أوائل الألفينات، حين طرحت لأول مرة فكرة التخلي عن هذا اليوم، لم يكن الأوكرانيون مستعدين لتقبّلها. لكن كل شيء تغيّر بعد حرب 2014. وقد أطلقنا حينها مبادرة لإحياء الثامن من مايو كيوم للذكرى والمصالحة، ثم اعتمده البرلمان رسميًا عام 2015. واليوم، نخطو خطوة إضافية: التخلي نهائيًا عن التاسع من مايو، واستبداله بـ«يوم أوروبا»، كما هو الحال في دول الاتحاد الأوروبي. إنها خطوة تقرّبنا من أوروبا، ومن نصر أوكراني حقيقي آتٍ لا محالة.
من هنا، تولد في أوكرانيا نموذج جديد للذاكرة التاريخية، يجمع بين الروح الأوروبية في احترام الضحايا، وبين الكرامة والمقاومة كقيمة وطنية وفق ما يؤكد السيد أنتون دروبوفيتش - مدير معهد الذاكرة الوطنية في أوكرانيا:
منذ ثورة الكرامة وبعد عامي 2014 و2015، اخترنا بوضوح أن نسلك الطريق الأوروبي، مع إدراكنا أن النموذج الأوروبي أحيانًا يفتقر إلى الحزم. ولهذا السبب، على سبيل المثال، الشعار الجديد "نتذكّر، ننتصر"، الذي تستخدمه أوكرانيا اليوم، يعكس ولادة نموذج جديد لدينا. نموذج يأخذ من أوروبا ما هو صحي وجوهري، لكنه في الوقت نفسه يضع تركيزًا خاصًا على الكرامة، وعلى القدرة على الدفاع عن النفس، وعدم الانحناء أمام أي معتدٍ. لذلك، من المهم بالنسبة لنا أن نتذكر أولئك الذين قاتلوا، وأن نتذكر النصر على النازية، وأن نتعلّم من دروس الماضي.
ومع استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا، لا يُنظر إلى هذه التغييرات الرمزية على أنها شأن ثقافي فحسب، بل كجزء من مقاومة وطنية أشمل، مقاومة تتجاوز الميدان، لتصل إلى عمق الهوية والذاكرة الجماعية.
في أحد مراكز الإيواء، التقينا بـ هالينا، وهي نازحة من منطقة خيرسون، فقدت بيتها في الحرب الحالية تعتبر اليوم عن موقفها بشأن هذا التغيير.
تقول هالينا - مواطنة أوكرانية نازحة:
أنا ادعم بقوة قرار الاحتفال يوم الثامن من مايو باعتباره يوم الذكرى والمصالحة. وباعتبار المأساة التي عشناها في الحرب العالمية الثانية فمن المهم ايضا عدم نسيان ذلك لأن هذا جزء من تاريخنا . نحن اليوم نتعرض لقمع ومساعي لمحو أمتنا الأوكرانية ، لكننا بصمودنا سننتصر في هذا الحرب ونعود للاحتفال بهذا النصر بشكل ونعود معه إلى بيوتنا ونجتمع مع احبابنا مرة أخرى
منذ استقلالها عام 1991، بدأت أوكرانيا تدريجيًا بإعادة النظر في روايات التاريخ التي صاغها الاتحاد السوفييتي. ومع ثورة الميدان عام 2014، واندلاع الحرب في دونباس، اشتدّ الزخم لإعادة تعريف الذاكرة الجماعية، تعريف حدد بوصلته الهجوم الروسي قبل أكثر من ثلاث سنوات.
4.5
22 ratings
في ظلّ حرب لا تزال مستعرة، وتاريخٍ ثقيل ما زالت آثاره حيّة في الذاكرة الأوكرانية، اتخذت كييف قرارًا يصفه كثيرون بأنه خطوة في طريق التحرّر الكامل من الإرث السوفييتي. أوكرانيا، ومنذ عام 2023، لم تعد تحتفل بيوم النصر على النازية في التاسع من أيار/مايو، كما جرت العادة، بل اختارت الثامن من الشهر نفسه، تماشيًا مع التقاليد الأوروبية، ولتعلن من خلاله سردية جديدة للبطولة والمقاومة والانتصار.
في بلدٍ لا تزال نيرانه مشتعلة، وفي ظل حرب تُعيد للأذهان أهوال الماضي، اختارت أوكرانيا أن تُعيد كتابة ذاكرتها الوطنية.
الثامن من مايو لم يعد مجرد تاريخ رمزي في أوكرانيا، بل صار عنوانًا لتحوّل أعمق في فهم التاريخ والهوية. فمنذ عام 2023، وبقرار رئاسي، باتت البلاد تحيي يوم الذكرى والنصر على النازية في هذا التاريخ، تماشيًا مع تقاليد أوروبا الغربية، تطلق عليه يوم الذكرى والمصالحة تكريما لأولئك الذين فقدوا حياتهم خلال الحرب العالمية الثانية.
لكن هذا التحول لم يأتِ فجأة. بل هو نتيجة مسار طويل بدأ بعد الاستقلال، وتبلور بوضوح بعد ثورة الميدان عام 2014، وفق ما يؤكد النائب في البرلمان الأوكراني فولوديمير فياتروفيتش الذي كان من أوائل الداعين لهذا التغيير.
النائب في البرلمان الأوكراني فولوديمير فياتروفيتش:
تتخلّى أوكرانيا أخيرًا عن تقليد الاحتفال بيوم النصر في التاسع من مايو، بالتوازي مع روسيا. إنها تضع حدًّا نهائيًا لما يُعرف بثقافة "الانتصار الهستيري" السوفييتية والروسية الحالية، تلك الثقافة التي نشأ عليها أولئك الروس الذين قتلوا الأوكرانيين في بوتشا، وإيزيوم، وماريوبول. في أوائل الألفينات، حين طرحت لأول مرة فكرة التخلي عن هذا اليوم، لم يكن الأوكرانيون مستعدين لتقبّلها. لكن كل شيء تغيّر بعد حرب 2014. وقد أطلقنا حينها مبادرة لإحياء الثامن من مايو كيوم للذكرى والمصالحة، ثم اعتمده البرلمان رسميًا عام 2015. واليوم، نخطو خطوة إضافية: التخلي نهائيًا عن التاسع من مايو، واستبداله بـ«يوم أوروبا»، كما هو الحال في دول الاتحاد الأوروبي. إنها خطوة تقرّبنا من أوروبا، ومن نصر أوكراني حقيقي آتٍ لا محالة.
من هنا، تولد في أوكرانيا نموذج جديد للذاكرة التاريخية، يجمع بين الروح الأوروبية في احترام الضحايا، وبين الكرامة والمقاومة كقيمة وطنية وفق ما يؤكد السيد أنتون دروبوفيتش - مدير معهد الذاكرة الوطنية في أوكرانيا:
منذ ثورة الكرامة وبعد عامي 2014 و2015، اخترنا بوضوح أن نسلك الطريق الأوروبي، مع إدراكنا أن النموذج الأوروبي أحيانًا يفتقر إلى الحزم. ولهذا السبب، على سبيل المثال، الشعار الجديد "نتذكّر، ننتصر"، الذي تستخدمه أوكرانيا اليوم، يعكس ولادة نموذج جديد لدينا. نموذج يأخذ من أوروبا ما هو صحي وجوهري، لكنه في الوقت نفسه يضع تركيزًا خاصًا على الكرامة، وعلى القدرة على الدفاع عن النفس، وعدم الانحناء أمام أي معتدٍ. لذلك، من المهم بالنسبة لنا أن نتذكر أولئك الذين قاتلوا، وأن نتذكر النصر على النازية، وأن نتعلّم من دروس الماضي.
ومع استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا، لا يُنظر إلى هذه التغييرات الرمزية على أنها شأن ثقافي فحسب، بل كجزء من مقاومة وطنية أشمل، مقاومة تتجاوز الميدان، لتصل إلى عمق الهوية والذاكرة الجماعية.
في أحد مراكز الإيواء، التقينا بـ هالينا، وهي نازحة من منطقة خيرسون، فقدت بيتها في الحرب الحالية تعتبر اليوم عن موقفها بشأن هذا التغيير.
تقول هالينا - مواطنة أوكرانية نازحة:
أنا ادعم بقوة قرار الاحتفال يوم الثامن من مايو باعتباره يوم الذكرى والمصالحة. وباعتبار المأساة التي عشناها في الحرب العالمية الثانية فمن المهم ايضا عدم نسيان ذلك لأن هذا جزء من تاريخنا . نحن اليوم نتعرض لقمع ومساعي لمحو أمتنا الأوكرانية ، لكننا بصمودنا سننتصر في هذا الحرب ونعود للاحتفال بهذا النصر بشكل ونعود معه إلى بيوتنا ونجتمع مع احبابنا مرة أخرى
منذ استقلالها عام 1991، بدأت أوكرانيا تدريجيًا بإعادة النظر في روايات التاريخ التي صاغها الاتحاد السوفييتي. ومع ثورة الميدان عام 2014، واندلاع الحرب في دونباس، اشتدّ الزخم لإعادة تعريف الذاكرة الجماعية، تعريف حدد بوصلته الهجوم الروسي قبل أكثر من ثلاث سنوات.
3 Listeners
26 Listeners
5 Listeners
3 Listeners