يواصل الرئيس دونالد ترامب الحكم عبر توقيع القرارات التنفيذية حول قضايا عديدة حساسة داخلية وخارجية،متجاهلا عن عمد دور الكونغرس المحوري، كما يواصل اصراره على طموحاته التوسعية مثل الاستيلاء على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين الى مصر والاردن في استهتار كامل بالقوانين الدولية.
وقّع الرئيس دونالد ترامب فور وصوله الى البيت الابيض على مئات القرارات التنفيذية التي تشمل قضايا حساسة داخلية وخارجية اثار العديد منها جدلا سياسيا وقانونيا حادا ما ادى الى عشرات التحديات القانونية والدعاوى وقيام عدد من القضاة الفدراليين بإصدار الاوامر لوقف تنفيذ قرارات ترامب او تجميدها مؤقتا. يهدف ترامب من قراراته التنفيذية تجاهل الكونغرس ويقول انه يتمتع بانتداب شعبي واسع يعطيه الصلاحية لاعتماد سياسات غير تقليدية مثل شنّ حملة ضد البيروقراطية الاميركية باسم مكافحة ما يسميه "الدولة العميقة" وتطهير جميع الاجهزة والوزارات والتخلص من كبار المسؤولين المحترفين فيها وتعيين انصاره في هذه المراكز.
هذا الاسلوب الاعتباطي والانفراد في صنع القرارات الذي يميز سياسة ترامب الداخلية ينعكس ايضا على سياسته الخارجية كما نراه من تعامله مع الغزو الروسي لآوكرانيا وطموحاته التوسعية ومنها فرض السيطرة الاميركية على قطاع غزة وتهجير سكانه الى الاردن ومصر، وتطوير غزة بعد جرف ركامها الى منتجع سياحي تبني فيه الشركات الدولية "أشياء جميلة، مثل الفنادق والمكاتب والمنازل” على حد قوله.
وتتسم مقترحات ترامب الاولية حول اوكرانيا في انها تتناقض مع سياسة سلفه بايدن ومع بقية دول حلف شمال الاطلسي (الناتو) مثل الرفض المسبق لعضوية اوكرانيا في الناتو، والقول ان استعادتها لجميع اراضيها التي احتلتها روسيا هو امر غير وافعي، وهي مواقف يصر عليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ترامب قال انه يثق ببوتين بينما قام نائبه جي دي فانس بتأنيب الاوروبيين في مؤتمر ميونيخ حيث القى عليهم محاضرة حول الديموقراطية مدافعا عن الاحزاب اليمينية وتلك المعارضة للهجرة وهي الاحزاب التي تدعمها روسيا.
اصرار ترامب على السيطرة على قطاع غزة خلال استقباله للعاهل الاردني الملك عبدالله الثاني قبل ايام وقوله انه سيفعل ذلك باسم "السلطة الاميركية" يبين مدى وعمق رفضه ليس فقط لأكثر من خمسين سنة من الارث السياسي الاميركي في الشرق الاوسط بل مدى استهتاره بالقوانين والاعراف الدولية.
ويتحدث ترامب عن الفلسطينيين في غزة وكأنهم عابرون للقطاع وليس لهم جذور عميقة فيه، ولذلك يمكن تهجيرهم ببساطة "وتخصيص قطعة أرض لهم في الأردن، وقطعة أرض أخرى في مصر،" كما قال بحضور العاهل الاردني، مكرراً التأكيد على رفض حقهم في العودة إلى غزة، بعد إعادة إعمارها.
انتقادات ادارة ترامب ومواقفها من الحرب الروسية-الاوكرانية سوف تضع العلاقات الاميركية-الاوروبية على طريق المواجهة، كذلك يمكن القول ان اصرار ترامب على الاستيلاء على غزة سوف يخلق أزمة خطيرة في العلاقات الاميركية-العربية، وخاصة اذا ادت هذه الازمة الى الغاء المساعدات الاقتصادية والعسكرية الى مصر والاردن اذا واصل البلدان كما هو متوقع رفضهما توطين الفلسطينيين في اراضيهما.
ويتصرف ترامب وكأن تهجير الفلسطينيين الى الاردن ومصر لن تكون له مضاعفات سياسية وديموغرافية سلبية على البلدين، وخاصة الاردن، وهو يعتقد ان المساعدات الاميركية للبلدين سوف ترغمهما على قبول مقترحاته الخطيرة. كما يتوقع ان توافق السعودية على تطبيع العلاقات مع اسرائيل في ظل اصراره على السيطرة على القطاع متجاهلا الموقف السعودي الداعي الى خلق المعطيات التي تؤدي الى بناء دولة فلسطينية قبل البدء بالعمل على تحقيق سلام مع اسرائيل.
واذا صحت توقعات بعض المحللين في واشنطن في ان يعترف ترامب قريبا بسيادة اسرائيل على المستوطنات في الضفة الغربية فان ذلك سوف يضع الدول العربية القريبة من الولايات المتحدة في موقع حرج للغاية.
خلال لقائه بالرئيس ترامب قال الملك عبدالله الثاني ان الدول العربية سوف تلتقي في السعودية قريبا لتضع تصورا مشتركا لمستقبل غزة. ولكن استحالة التوفيق بين مواقف ترامب المتطرفة والموقف العربي الرافض لتهجير الفلسطينيين، يعني ان العلاقات العربية-الاميركية تسير الان على طريق المواجهة.