أنا أحاول أن أترك أثرا على صفحات هذه الحياة، فلا تجعلني هدفا لسهام انتقاداتك قبل أن تسمعني على الأقل، أفكاري قد لا تعجبك، لكنني انتظر منك احترامها كما تحترمُ ذاتك
© مؤلِّف كتاب "قاتلي يتدرَّب في شيكاغو"
© www.facebook.com/msmezouar
يقول سغموند فرويد في كتابه "مقدمة لعلم النفس": "مِن بين مقدمات التحليل النفسي، هناك مقدمتان تصدمان جميع الناس وتجلبان له الاستنكار العام، احداهما تصطدم بحكم مسبق ذهني، والأخرى بحكم مسبق جمالي أخلاقي".
هناك برمجة خفية لكلِّ إنسان على حسب البيئة التي ينشأ فيها ويتأثَّرُ بها، قد تتدخَّل الميول والرغبات في الكثير مِن الأوقات مِن أجل محاولة انتزاع بعض المميزات أو القبول عندما يتعلَّق الأمر بما يستقبله الفرد الإنساني يوميا، وهذه بالذات قدرة هائلة على صبر أغوار الحياة، متواجدة لدى كافة أبناء الإنسانية بلا تمييز.
الفرق بين الأفراد يبدأ مِن قدراتهم على الفهم واستعداداتهم للهضم، ليس بالمعطى الحيواني طبعا، بقدر ما هو منسجم مع الأفكار والقدرة على تشكيل الرؤى على اختلافها، وبالتالي إنَّ الإنسان القادر على تكوين رأيٍّ يستقي وجوده مِن منطق ما ذاتيا، هو إنسان قادر على القيادة في أيِّ زمان ومكان.
ما لا يُمكن للفرد الإنساني أن يتخيَّله هو ما قد يعترضه أثناء محاولاته بناء صرحه الخاص، طبعا أنا أشخِّصُ في هذه النقطة بالذات، حال الفرد الذي يتمتَّعُ بقدر رهيب من الاستقلالية، وبالتالي سيكتشف هذا الإنسان مدى قدراته التي لم يكن ولا للحظة ظرفية يدرك أهميتها وفعاليتها في هكذا حالات.
هذه القدرات غالبا ما تكون قد اكتست طابعا لا شعوريا، وهو ما قد يؤسس لبقائها بعيدة عن المُدركات الحسيَّة، تنتظر الفرصة للظهور والتعبير عن وجودها بواسطة لغاتها الخاصة والفريدة من نوعها، وعليه على الفرد الإنسان مهما كان مستواه التعليمي أو عمق ثقافته أو مدى خبرته في الحياة، أن يؤمِن بقدراته، وأن يحاول استغلالها إلى حدودها القصوى، وعندها ستتملكه الدهشة مما سيلمسه في نهاية الأمر.
لا يمكن للراكد أن يبقى كذلك دائما، فله لحظة سيتحرَّك فيها، وعند حلولها على الفرد الإنساني أن يكون مستعدًّا للخوض فيما كان يخشاه، لأنَّ بداية طريق النجاح هي مساحة مواجهة المخاوف التي تكبر في الداخل الإنساني مع مرور الوقت، وعندها يصبح لزاما على الفرد إعادة ترتيب أوراقه بشكل دوري، وإعادة صياغة استعداداته بين الحين والحين الآخر.
في معظم الحالات ينتج عن العاطفة ما يدفع للتفكير، ويقود هذا الأخير إلى ترميم الإرادة الإنسانية، وبهذه الآلية ينطلق محرِّك البحث الذهني للفرد الإنساني، وبانطلاقه يكون قد قطع الشوط الأهم في حياته كلِّها، فليس من السهل أن يضع أيًّا كان ذاته على المسار، وليس من الهيِّن أن يوقد الإنسان نار مجهوده للإبقاء على مدِّها بحطب الاصرار خطوة بعد خطوة.
فلابد مِن ذلك المنعرج الذي يشعر فيه الإنسان بالتعب، بالعجز والضياع، وهذا مصير كلِّ حيٍّ يستخدم عقله، ومع ذلك من الرهيب أن يحمل الفرد الإنساني تلك الطاقة التي تدفعه للتجديد والانبعاث من جديد، وهي ميزة خاصة للقلة من الأحياء، هؤلاء النبلاء الذين يصعدون سلالم المجد وثيابهم مبللة بالعرق النازف منهم، بسبب المشقة التي يتحمَّلونها مِن أجل تجسيد جنونهم على الأرض.
كُن غريبا في محيطك، فأنا متأكِّدٌ بأنَّ أوطان الغربة أوهن بكثير من غرابة الأوطان، احمل ذاتك المنهكة بيمينك، واسحب ما تبقى من اصرارك بيسارك، لكنَّ الأهم، هو أن تكمل سيرك بين الدروب والتلال، بين الغابات والجبال، متبعا نور إيمانك، وهدي طموحاتك، وتذكَّر دائما ما عاناه الأنبياء والأتقياء، العلماء والشرفاء، وقارن ما تذكره عنهم بما تعانيه، ستجد نفسك في حال أفضل بكثير من أحوالهم، وستستمدُّ من آلامهم الأسطورية القوَّة لإنتاج طاقة جديدة، تدفعك نحو أهدافك بشكل غريب، فلا تستسلِم أيها الغريب، وطوبى للغرباء، طوبى للراقين من الأدباء وسلام عليهم أينما ثُقِفوا.