ريبورتاج

صناعة التللي المصرية... حرفة تراثية تصل إلى العالمية


Listen Later

تعتبر حرفة تطريز قماش التل بخيوط مصنوعة من الفضة حرفة يدوية مصرية صميمة توارثتها سيدات جزيرة شندويل بمحافظة سوهاج بصعيد مصر عبر الأجيال منذ عصر الفراعنة، وظلت حتى سنوات مضت قطعة ملابس ترتديها السيدات في الصعيد حتى تحولت إلى قطعة فريدة ترتديها نجمات عالميات، أو واجهة إعلانية لبيوت أزياء عالمية.. فما قصة هذه الحرفة؟ 

بإبرة ليست كمثيلاتها وخيوط مطلية بالفضة وقطعة من قماش التل، وصلت صناعة التل المصرية التي تعود بذورها إلى عصور الفراعنة، إلى العالمية. هذه الحرفة اليدوية التراثية ظلت متوارثة منذ عصور الفراعنة في صعيد مصر حتى ستينيات القرن الماضي.

ولكن عندما ارتدتها الراقصات المصريات في أوائل القرن العشرين امتنعت الطبقات المتوسطة والعليا المحافظة عن ارتدائها مما أدى إلى اندثارها، إلى أن وصلت قطعة منها في تسعينيات القرن الماضي إلى سيدة بريطانية بالخارج جاءت بها إلى مصر لتعرف مصدر صناعتها حتى وصلت إلى قرية شندويل في محافظة سوهاج، كما تحكي لنا السيدة أمل سيّد، رئيسة جمعية المشغولات اليدوية والتراثية بجزيرة شندويل:

من حوالي ثلاثين سنة قاربت هذه الحرفة على الاندثار، إلى أن كان مشروع لليونيسيف حول البحث عن مصدر قطعة مطرزة بالفضة أحضرتها سيدة بريطانية وقد لفت بها العالم كله إلى أن حلّت في شندويل والتقت بسيدة عمرها 80 سنة أخبرتها أن هذه الحرفة كانوا يعملونها من سنين. فأخدت منها القطعة وصنعت قطعة مشابهة لها. فانبهرت السيدة البريطانية وقالت إنهم يريدون إحياء هذا التراث مرة أخرى.  وهكذا بدأ هذا المشروع من 25 سنة مع هيئة اليونيسيف، ودربت هذه السيدة حوالي عشرة سيدات من القرية وانتهى بعدها المشروع بعد انتهاء تمويله وكانت هؤلاء السيدات المدربات بمثابة البذرة التي نشرت هذه الحرفة في القرية.

الدكتورة نوال المسيري، عالمة الأنثروبولوجيا المصرية، خصصت الكثير من أبحاثها لمشغولات التل متتبعة نشأتها منذ عهد الفراعنة في قرية شندويل، التي اتخذت اسمها من الأميرة شند ابنة الحاكم الفرعوني ومن يل التي استقرت بها وبدأت بها تطريز الأقمشة المصرية بخيوط الذهب. 

ثم مع الغزوات وفترات الاحتلال ودخول قماش التُل الفرنسي الى مصر، أصبح التلي أو التطريز المعدني للشبك أو التُل زيَّ العروس لفترات طويلة، ولارتفاع أسعاره استُبْدِل الذهبُ بالفضة واستقر على ذلك حتى الآن، متخذا رسمات أو إيحاءات من العصور المصرية المختلفة، كما تؤكد الدكتورة نوال المسيري:   

كل هذه الرسومات التي يتم تطريزها تمثل بيئة المنطقة، ليس هناك شيء مستورد. فهناك الرسومات الفرعونية وكذلك القبطية والإسلامية. فالأصول الفرعونية موجودة في الأشياء التي استعملوها وكذلك في طريقة العمل بخطوط عرضية مع تكرار هذه الخطوط، وهذا التنسيق فرعوني

كان مشروع اليونيسيف هو البداية لإعادة احياء هذا التراث، وانتقل من شندويل الى سيدات المحافظات الصعيدية المجاورة ومنها الى العالمية كما تقول شيماء محمد، مؤسسة مشروع بيت التلي في سوهاج: 

فخر لي أنني خرجت من القرية التي كنت أعيش بها، إذ كان من المستحيل أن تخرج المرأة أو تسافر أو تذهب الى أي مكان آخر، وها أنا اليوم وصلت إلى العالمية، فأنا أشتغل مع بيوت أزياء عالمية

أصبح التل مصدر رزق لسيدات الصعيد، كما أصبح واجهة إعلانية لدور أزياء فرنسية ومن بعدها أخرى عالمية لترتديها نجمات العالم ويصبح ثمن القطعة الواحدة آلاف الجنيهات. ولم لا؟ فالدقة والخامات والأشهر التي تستغرقها عملية تطريز القطعة الواحدة، انتهاءً بتصاميمها الفريدة، يجعلها تستحق ذلك!

...more
View all episodesView all episodes
Download on the App Store

ريبورتاجBy مونت كارلو الدولية / MCD

  • 4.5
  • 4.5
  • 4.5
  • 4.5
  • 4.5

4.5

2 ratings


More shows like ريبورتاج

View all
خبر وتحليل by مونت كارلو الدولية / MCD

خبر وتحليل

3 Listeners

توب تن by مونت كارلو الدولية / MCD

توب تن

26 Listeners

قراءة في الصحف الفرنسية by مونت كارلو الدولية / MCD

قراءة في الصحف الفرنسية

6 Listeners

قرأنا لكم by مونت كارلو الدولية / MCD

قرأنا لكم

3 Listeners