تكاثرت الازمات والتحديات على بلادنا وتداخلت ملفاتها وتشابكت لتثقل كاهل الاردنيين، فمن البطالة والفقر والوباء الى نقص المياه وارتفاع الاسعار، وغموض الازمات السياسية، التي لم يعد يجدي معها حلول الفزعة المؤقتة قصيرة النظر والتأثير ولا الظواهر الصوتية واطلاق بالونات الاختبار في الهواء لكسب المزيد من الوقت، كما لم تعد تحتمل البلاد خفة بعض النخب السياسية وبحثها عن المنافع على حساب الصالح العام، التي تعزف على مزاج التوجه العام وليس الحاجة.
عنوان التغلب العريض على كل هذه التحديات هو اشتباك المجتمع مع طروحات الاصلاح العميق الذي يجب أن تطال جميع المؤسسات والسياسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فتبني الاردنيون لهذه الطروحات هو الضامن الوحيد لنفاذها ونجاحها، وبغير ذلك لن تتجاوز هذه نداءات حناجر وأوراق أصحابها.
حشد المجتمع حول مشروع موحد وكسب ثقته في الاستراتيجيات المتبعة لانفاذه هو الملف الاصعب اليوم على طاولة صانع القرار، فقد تمكنت بلادنا من عبور كل الازمات بفضل التفاف الاردنيين حول دولتهم وايمانهم بمشروعها وخطط عملها وبكفاءة المؤسسات التي تدير مشاهد البلاد الاعلامية والسياسية والاقتصادية، اضافة لقدرة النخب السياسية على التغلغل في مفاصل المجتمع لتقوم بدور جسور الثقد التي تعبر الرسائل عبرها من والى عقل الدولة.
مفتاح الحل يكمن في مؤسسة مجلس النواب التي تعرضت في السنوات السابقة لهجوم حاد، أضر بقدرتها على الارتكاز الى ثقل مجتمعي خلفها يمكنها من الضعط على الحكومات والخروج من دوائر التفعيات المتبادلة المغلقة، وتتحول الى الدور التشريعي والرقابي بدل الخدمي، وهذا يحتاج اعادة النظر بقانون الانتخاب ايضا للحد من ظاهرة نائب التنفيعات والتعينات وتعزيز صورة النائب السياسي التشريعي.
بناء مجلس نواب بنكهة سياسية يعكس مزاج الشارع العام وتوجهاته، يمثل الخطوة الاولى في رحلة الحكومة البرلمانية، كما يشكل قناة تمكن الاردنيين من المشاركة في رسم السياسات والتوجهات العامة مما يمنحها ثقلا وفرص نجاح أكبر بسبب عكسها لاحتياجات الشارع وهمومه.
كشفت الازمات الاخيرة عن خواصر رخوة خطيرة في المؤسسات الاعلامية التي تتصدر المشهد الاردني، وعن حالة اغتراب عميق بينها وبين الاردنيين الذين استعاضوا بوسائل التواصل الاجتماعي عنها، ناهيك عن قصرهذه المؤسسات عن مواكبة التطورات التكنولوجية السريعة في ادوات عرض الاخبار واخراجه، وهذا يحتاج افساح المجال للدماء الجديدة الشابة لتجري في عروق هذه المؤسسات بأدواتها ولغتها وسقوفها المرتفعة وبعدها عن شبكات الزبائنية التقليدية.
الاردنيون يمكلون جميع الحلول المناسبة لبلادهم واحتياجاتهم، هذه الحقيقة المجربة تاريخيا يجب على الحكومات وصناع القرار الايمان بها والعمل بمعيتها وفتح قنوات التغذية الراجعة لسماع صوتهم والجلوس معهم على طاولة الحوار لنخرج بوصفة اصلاح ذات نكهة أردنية، وهذا يتعارض مع استيراد الحلول المعلبة الجاهزة التي تأتي على قياس الغير وبلغته ومصطلحاته وخصائصه التي تتماهى مع تجاربه التارخية وخبراته الخاصة وخصائص مجتمعاتهم، التي لا تشبه أهلنا ولا تتماشى معهم وتعمق اغتراب النخب والمؤسسات عن حواضنها المجتمعية الطبيبعة، لذلك لا يثقون بأصحابها ومن دون الثقة وشفافية الطرح وتشارك المعلومات لا يمكن أن ننجح في ادارة الازمات والعبور الى بر الامان.