صوت أحمد قطليش
النص العامي :عفاف الحاجي
النص بالفصحى: أحمد قطليش
لما تطفي الكهربا ليالي
وتصير الرجال بالحارة أشباح
وتصير رؤوس الفتيات عالبلكونات مجرد مجسمات عادمة للضوء..
وتصير مخاريط عينك فعالة جدا لتشوف هالحدّ الأدنى من هباء البهاء الضايل بالجو
اللي جاية من نجمة بعيدة مو عارف أنتَ وين هيّ
ويصير هالمربع الصغير اللي باقي بين جارك الأول والثاني اللي لسّا ما كمّـل السطح اللي عمبعمر عليه بيت مخالف طبعا
وضللك هالمربع الصغير لتطلّ فيه أنتَ عالسما من حارتك الضيقة الصغيرة
وتسميه "المربع المضيء"
وأحياناً بتقول عنه عنق الزجاجة
ويخطر عبالك آثر ابن حسين البرغوثي وهو عم يحكيله "لا تدوس عالظل.. في عوالم كاملة بتعيش بالظل"
صح ما تدوسوا... نحن كلنا هون عايشين بالظل..
لما تطفي الكهربا وتصير حاسة البصر بلا فعالية هالحاسة اللي أنت كنت مسيطر وقادر وقوي فيها...
ويطغى العالم الحسّي عليك.. فجأة بتصير الأصوات شيء مقدس... الروائح.. إحساس الهوا الخفيف اللي يا دوبك عم بيمر... هادا الجو الأصغري اللي عايشته بقعتك
وفجأة بيصير لك أنتَ روح... بتحس فيها... جوا حيطان جسمك
بتطفو روحك.. بيصير حديثها فيضان.. وبيصير وجودها شيء لا يصدّق بحضوره.. وكأن روحك من النوايا الحسنة والمشاعر الفياضة اللي بتوصلها بهالمستوى من الشفافية
كأن روحك... رح تضيء !
وتصير أنتَ بحد ذاتك
نجمة تانية
لما بتطفي الكهربا.. وتحلّق أنت
وتستكين
وتصير روحك نبع جاري
عم بيفيض عالعالم
وبيصير اللغة الأخرى
للتعبير عن كل هالشعور: الصمت العمد
وبتقعد أنتَ
لتصير بحد ذاتك
ممر أفعواني للكون
ليمرّ الكون كله عبرك
ضمن هالجو الروحي العظيم اللي بتعيشه
بتدرك أنه الجو الجميل شيء لا يُحتمل
لا يُطاق
وأنه لازم وعالسريع يشغلوا الكهربا
ويأنقذوك من نفسك
ومن العوالم اللي بتسمعها
بظلّ هالصمت
في المرة الأولى التي وعى فيها وجوده السرمدي ، شعر أنه يطأ أرض القمر الدافئة ، أحس أن خلاياه ترتحل بسرعة هائلة إلى هناك ، إلى الفراغ الكوني العظيم حيث السكون يغمر كل شيء ، أحس بنفسه تتشظى كدائرة كاووسية مضيئة تتسع رويدا .. رويدا لتلمس آخر الأفلاك ، غمره السكون لحظة ، بعد برهة تحولت ذراته إلى عالم العلويات ؛ ثم تأينت ذرات روحه منتشرة بين جداول الزمان .
صارت روحه لوحة تجمع نجوم السماء وتؤلف أسفار الكون، وصار جـــسده نورانيا لدرجة شعر فيها أنه ابن للسماء ، وبأنه ينتمي لها كليا ، ها هي الغميصاء تبارك حريته ، وتعده بالقدرة على التحليق بجناحين ربانيين في أمداء الخلود ، وها هي عيناه البراقتان تنثران الفرح في كل مكان ، على وجوه الأطفال ، وعلى أوراق الشجر اليانعة ، ها هي البسمة تظهر على نسمات الصباح العليل ، إن السماء تعده بالنبوة ، ها هو يرقص فرحا وطربا، سيتحول إلى السماء وسينعم بدفء أمومتها الحنون .