في الحلقة العاشرة من "منهجية التعامل مع الفكر الغربي" للدكتور عبدالوهاب المسيري، يناقش المسيري موضوع "العلمانية والعقلانية"، وكيف تطورت هذه المفاهيم في الفكر الغربي، وتأثيراتها العميقة على الإنسان والمجتمع، وخاصة على المجتمعات غير الغربية. يسلط الضوء على ما يسميه "الأزمة الأخلاقية" التي أفرزتها العقلانية المادية الغربية، ويرى أن هذا النوع من الفكر، رغم إسهاماته العلمية والتكنولوجية، قد أدى إلى إشكاليات جوهرية على مستوى القيم والهوية الإنسانية.
يفتتح المسيري الحلقة بتوضيح مفهوم "العقلانية الأداتية"، وهي العقلانية التي تركز على الوسائل دون النظر إلى الأهداف الأخلاقية أو الإنسانية. يشير إلى أن هذه النزعة المادية تضع الأولوية على تحقيق أقصى قدر من الكفاءة والإنتاجية دون التفكير في الآثار الأخلاقية أو الاجتماعية للنتائج. ينتقد المسيري هذا التوجه بشدة، معتبرًا أنه يؤدي إلى اختزال الإنسان إلى عنصر اقتصادي أو اجتماعي مجرد، بعيدًا عن قيمه الروحية أو الثقافية.
يتناول المسيري أيضًا أثر العقلانية المادية على العلاقات الاجتماعية، حيث يرى أن هذه العقلانية تجعل من العلاقات الإنسانية علاقات نفعية، تقوم على المصالح بدلاً من القيم الإنسانية الأصيلة مثل التعاطف، والتعاون، والمسؤولية الاجتماعية. يؤكد أن هذا التحول إلى النفعية يعمق من اغتراب الأفراد عن أنفسهم وعن محيطهم، ويخلق مجتمعات تفتقر إلى الروابط الأخلاقية المتينة.
كما يناقش المسيري الفرق بين "العقلانية المادية" و"العقلانية المتوازنة" التي تجمع بين التفكير العلمي والنظرة الإنسانية، ويدعو إلى تبني عقلانية متوازنة تنظر إلى الإنسان باعتباره كائنًا معقدًا يجمع بين الجوانب الروحية والمادية. ويشدد على أن تحقيق هذا التوازن هو المفتاح لبناء مجتمع حضاري متكامل، حيث تسهم القيم والأخلاق في توجيه العلم والتكنولوجيا نحو خدمة الإنسانية، وليس نحو استغلالها أو إلحاق الضرر بها.
في هذه الحلقة، يطرح المسيري أيضًا مفهوم "الحرية المتجذرة" مقابل "الحرية المطلقة" التي يروج لها الفكر الغربي. يرى المسيري أن الحرية في السياق الغربي تميل إلى أن تكون مطلقة، مما يخلق حالة من الانفلات الأخلاقي ويضعف من إحساس الأفراد بمسؤوليتهم تجاه المجتمع. بينما يدعو المسيري إلى مفهوم "الحرية المتجذرة"، وهي الحرية التي توازن بين حقوق الفرد وواجباته تجاه مجتمعه، وتشجع على حرية التعبير والإبداع ضمن إطار من المسؤولية الاجتماعية.
يتطرق المسيري كذلك إلى ضرورة إيجاد "أخلاقيات عالمية" تتجاوز حدود الثقافة الغربية وتراعي القيم الإنسانية العامة، بحيث يمكن للمجتمعات المختلفة أن تتبنى التقدم العلمي والتكنولوجي دون التخلي عن هويتها وقيمها. يرى أن مثل هذه الأخلاقيات هي الضامن لعدم انجرار المجتمعات غير الغربية وراء التيارات الغربية بطريقة عمياء، بل تبني طريقًا وسطًا يحترم التراث ويواكب الحداثة.