
Sign up to save your podcasts
Or
احتفلت روسيا أول أمس التاسع من مايو/أيار بالذكرى الثمانين للانتصار على ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية. وقد حرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أن تكون هذه المناسبة التاريخية فرصة لاستثمارها دعائيا، سواء من حيث الخطاب الرسمي أو من حيث شكل الاحتفال، لتوجيه رسائل إلى الحاضر، أي حاضر رهانات علاقاته الدولية بما يحيل على استثمار مكثف للتاريخ معرفة ووجدانا.
كان خطاب بوتين حماسيا بطبيعة الحال عند استعراضه لبطولات الجيش الأحمر السوفييتي أثناء الحرب العالمية الثانية. وهي حماسة تحيل دون شك على سياق الحرب الحالية على أوكرانيا لمحاولة زيادة التعبئة داخل المجتمع. لا يكتفي بوتين في هذا الإطار باستخدام قصص البطولات السابقة، بل يعيد الحاضر برمته نحو الماضي باعتباره أن النازية مازالت موجودة وأن رسالته ومهمة روسيا في القضاء عليها متواصلتان كما خلال الحرب العالمية الثانية. إنه نوع من تثبيت الماضي وتثبيت التاريخ من أجل إضفاء شرعية على خيارات الحاضر.
من جهة ثانية، ركز بوتين على الدور المحوري للاتحاد السوفييتي في الانتصار على ألمانيا النازية وفي حسم مصير الحرب العالمية الثانية. وهو موقف وجيه من وجهة نظر تاريخية ولا أحد ينكره لا من المؤرخين ولا من السياسيين. غير أن تشديد بوتين على هذه النقطة يمثل نوعا من الاستعارة من الماضي للحديث بالأساس عن الحاضر وعن موقع روسيا منه. فالحديث عن الحسم السوفييتي خلال الحرب العالمية الثانية يحيل على الرغبة في الاعتراف بروسيا اليوم كفاعل رئيسي في العلاقات الدولية. وهي نقطة ما انفك يكررها بوتين دائما وهي ربما الأساس الذي انطلق منه في غزواته المتتالية من جورجيا سابقا إلى أوكرانيا اليوم.
إضافة إلى ما يراد إظهاره حاضرا، فإن من بين وظائف السرد السياسي الرسمي للتاريخ هو التغطية. فالحديث عن جرائم النازية السابقة والتذكير بهول الحرب في الماضي ليس للتذكير بما حصل وبغاية الاتعاظ. بل الغاية على العكس من ذلك هو طمس هذه الممارسات التي مازالت متواصلة في حرب اليوم في أوكرانيا على غرار التدمير الشامل للمدن واستهداف المدنيين وخطف الأطفال وتهجير السكان. فربط مثل هذه الجرائم بجهة معينة وخاصة بالماضي، من شأنه إبعاد الشبهة عن الحاضر وعن المسؤولين فيه.
هكذا تدفع المعرفة التاريخية ثمن الاستعمال السياسي المفرط للماضي في إدارة صراعات الحاضر. ليس هذا هو التاريخ كعلم بطبيعة الحال، بل هو ما يسمى بالتاريخ الأداة، أي ذلك السرد الذي يمكن توظيفه سياسيا من أجل ترميم الشرعية في الحاضر.
4.7
33 ratings
احتفلت روسيا أول أمس التاسع من مايو/أيار بالذكرى الثمانين للانتصار على ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية. وقد حرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أن تكون هذه المناسبة التاريخية فرصة لاستثمارها دعائيا، سواء من حيث الخطاب الرسمي أو من حيث شكل الاحتفال، لتوجيه رسائل إلى الحاضر، أي حاضر رهانات علاقاته الدولية بما يحيل على استثمار مكثف للتاريخ معرفة ووجدانا.
كان خطاب بوتين حماسيا بطبيعة الحال عند استعراضه لبطولات الجيش الأحمر السوفييتي أثناء الحرب العالمية الثانية. وهي حماسة تحيل دون شك على سياق الحرب الحالية على أوكرانيا لمحاولة زيادة التعبئة داخل المجتمع. لا يكتفي بوتين في هذا الإطار باستخدام قصص البطولات السابقة، بل يعيد الحاضر برمته نحو الماضي باعتباره أن النازية مازالت موجودة وأن رسالته ومهمة روسيا في القضاء عليها متواصلتان كما خلال الحرب العالمية الثانية. إنه نوع من تثبيت الماضي وتثبيت التاريخ من أجل إضفاء شرعية على خيارات الحاضر.
من جهة ثانية، ركز بوتين على الدور المحوري للاتحاد السوفييتي في الانتصار على ألمانيا النازية وفي حسم مصير الحرب العالمية الثانية. وهو موقف وجيه من وجهة نظر تاريخية ولا أحد ينكره لا من المؤرخين ولا من السياسيين. غير أن تشديد بوتين على هذه النقطة يمثل نوعا من الاستعارة من الماضي للحديث بالأساس عن الحاضر وعن موقع روسيا منه. فالحديث عن الحسم السوفييتي خلال الحرب العالمية الثانية يحيل على الرغبة في الاعتراف بروسيا اليوم كفاعل رئيسي في العلاقات الدولية. وهي نقطة ما انفك يكررها بوتين دائما وهي ربما الأساس الذي انطلق منه في غزواته المتتالية من جورجيا سابقا إلى أوكرانيا اليوم.
إضافة إلى ما يراد إظهاره حاضرا، فإن من بين وظائف السرد السياسي الرسمي للتاريخ هو التغطية. فالحديث عن جرائم النازية السابقة والتذكير بهول الحرب في الماضي ليس للتذكير بما حصل وبغاية الاتعاظ. بل الغاية على العكس من ذلك هو طمس هذه الممارسات التي مازالت متواصلة في حرب اليوم في أوكرانيا على غرار التدمير الشامل للمدن واستهداف المدنيين وخطف الأطفال وتهجير السكان. فربط مثل هذه الجرائم بجهة معينة وخاصة بالماضي، من شأنه إبعاد الشبهة عن الحاضر وعن المسؤولين فيه.
هكذا تدفع المعرفة التاريخية ثمن الاستعمال السياسي المفرط للماضي في إدارة صراعات الحاضر. ليس هذا هو التاريخ كعلم بطبيعة الحال، بل هو ما يسمى بالتاريخ الأداة، أي ذلك السرد الذي يمكن توظيفه سياسيا من أجل ترميم الشرعية في الحاضر.
26 Listeners
2 Listeners
5 Listeners
3 Listeners
15 Listeners
108 Listeners
0 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
0 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
0 Listeners
1 Listeners
3 Listeners
120 Listeners
1 Listeners
4 Listeners