
Sign up to save your podcasts
Or
تعود سوريا هذه الأيام على الساحة الإعلامية بأحداث مكثفة تكاد تختصر لوحدها عمق الأزمة منذ مستها موجة الثورات العربية. إنها أزمة الدولة في مواجهة ثقافات ما قبل الدولة والفاعلة بقوية في المجتمع السوري. فبالإضافة إلى حركات الإسلام السياسي المتشددة، وبالإضافة إلى الطوائف الدينية، ها هو لاعب جديد يظهر على الساحة وبقوة في الأحداث الأخيرة بالسويداء، إنها العشائر السورية.
فبعد فصل التطاحن الطائفي السني العلوي، وبعد التطاحن الإثني العربي الكردي، ها هي العشائر تعلن عن دخولها المشهد على أنقاض سوريا الدولة. لكن بعيدا عن آنية الأحداث وطبيعة الفاعلين فيها داخليا وخارجيا، علينا الإقرار بأن سقوط الدولة في سوريا كان منتظرا بالنظر إلى المسار التاريخي لتشكلها دون حتى العودة إلى مرحلة سايكس بيكو.
فحكام سوريا الذين طغى عليهم في المجمل التوجه البعثي منذ انقلاب آذار سنة 1963، لم يعملوا على بناء الدولة، بل عملوا بالأساس على بناء الحكم قصد السيطرة على المجتمع عبر قوة الإكراه الأقصى، أي الجيش. أما الثقافة العليا للنخبة البعثية الحاكمة فهي بدورها ضد الدولة الوطنية باعتبار إيمان البعث أولا بالروابط الإثنية العربية، وهي روابط تقليدية تتجاوز الدولة. وحتى كلمة الدولة (بمعنى الوجود السياسي) تمت التضحية بها لصالح مصطلح "القطر".
لذلك يمكن القول، أن سوريا لم تدخل فعليا في بناء الدولة الوطنية على أساس الهوية الترابية السورية في حدودها المعترف بها، وذلك بسبب رفض الحكام لهذا الإطار الدولتي.
بل أكثر من ذلك، عملت قوى الحكم السابقة وخاصة في مرحلة الأسد على توظيف العامل الطائفي في الحكم. فليس من الغريب إذن إن تعود مختلف الروابط التقليدية الماقبل دولتية إلى السطح من جديد بمجرد ضعف السلطة منذ 2011 أو سقوطها مع بشار الأسد.
لقد كان من المفترض أن تُنهي "الثورة السورية" المرحلة السابقة كي تُبنى الدولة الوطنية لأنها الإطار الوحيد للمواطنة، أي للحريات وللحقوق. غير أن تحول الوضع السوري من إرهاصات ثورة اجتماعية سياسية سنة 2011 إلى حرب أهلية تتنازع فيها قوى تقليدية بدعم إقليمي، أعاد سوريا من جديد إلى مرحلة ما قبل الدولة مع رهانات متعارضة.
فمع رحيل بشار الأسد تطرح اليوم مهمتان، بناء الدولة الوطنية بلحمتها المواطنية، ثم في نفس الوقت بناء نظام تشاركي في إطار الديمقراطية. والمفارقة هنا مزدوجة. فالبناء الديمقراطي يعد نتاجا لمسار تشكل الدولة الوطنية، وهذا لم يحصل إلا جزئيا.
ثم من جهة ثانية، كيف السبيل إلى هذا البناء الدولتي الحديث بديمقراطيته وعلى رأس السلطة، قوة من قوى ما قبل الدولة؟
4.7
33 ratings
تعود سوريا هذه الأيام على الساحة الإعلامية بأحداث مكثفة تكاد تختصر لوحدها عمق الأزمة منذ مستها موجة الثورات العربية. إنها أزمة الدولة في مواجهة ثقافات ما قبل الدولة والفاعلة بقوية في المجتمع السوري. فبالإضافة إلى حركات الإسلام السياسي المتشددة، وبالإضافة إلى الطوائف الدينية، ها هو لاعب جديد يظهر على الساحة وبقوة في الأحداث الأخيرة بالسويداء، إنها العشائر السورية.
فبعد فصل التطاحن الطائفي السني العلوي، وبعد التطاحن الإثني العربي الكردي، ها هي العشائر تعلن عن دخولها المشهد على أنقاض سوريا الدولة. لكن بعيدا عن آنية الأحداث وطبيعة الفاعلين فيها داخليا وخارجيا، علينا الإقرار بأن سقوط الدولة في سوريا كان منتظرا بالنظر إلى المسار التاريخي لتشكلها دون حتى العودة إلى مرحلة سايكس بيكو.
فحكام سوريا الذين طغى عليهم في المجمل التوجه البعثي منذ انقلاب آذار سنة 1963، لم يعملوا على بناء الدولة، بل عملوا بالأساس على بناء الحكم قصد السيطرة على المجتمع عبر قوة الإكراه الأقصى، أي الجيش. أما الثقافة العليا للنخبة البعثية الحاكمة فهي بدورها ضد الدولة الوطنية باعتبار إيمان البعث أولا بالروابط الإثنية العربية، وهي روابط تقليدية تتجاوز الدولة. وحتى كلمة الدولة (بمعنى الوجود السياسي) تمت التضحية بها لصالح مصطلح "القطر".
لذلك يمكن القول، أن سوريا لم تدخل فعليا في بناء الدولة الوطنية على أساس الهوية الترابية السورية في حدودها المعترف بها، وذلك بسبب رفض الحكام لهذا الإطار الدولتي.
بل أكثر من ذلك، عملت قوى الحكم السابقة وخاصة في مرحلة الأسد على توظيف العامل الطائفي في الحكم. فليس من الغريب إذن إن تعود مختلف الروابط التقليدية الماقبل دولتية إلى السطح من جديد بمجرد ضعف السلطة منذ 2011 أو سقوطها مع بشار الأسد.
لقد كان من المفترض أن تُنهي "الثورة السورية" المرحلة السابقة كي تُبنى الدولة الوطنية لأنها الإطار الوحيد للمواطنة، أي للحريات وللحقوق. غير أن تحول الوضع السوري من إرهاصات ثورة اجتماعية سياسية سنة 2011 إلى حرب أهلية تتنازع فيها قوى تقليدية بدعم إقليمي، أعاد سوريا من جديد إلى مرحلة ما قبل الدولة مع رهانات متعارضة.
فمع رحيل بشار الأسد تطرح اليوم مهمتان، بناء الدولة الوطنية بلحمتها المواطنية، ثم في نفس الوقت بناء نظام تشاركي في إطار الديمقراطية. والمفارقة هنا مزدوجة. فالبناء الديمقراطي يعد نتاجا لمسار تشكل الدولة الوطنية، وهذا لم يحصل إلا جزئيا.
ثم من جهة ثانية، كيف السبيل إلى هذا البناء الدولتي الحديث بديمقراطيته وعلى رأس السلطة، قوة من قوى ما قبل الدولة؟
3,480 Listeners
26 Listeners
3 Listeners
6 Listeners
3 Listeners
3,675 Listeners
686 Listeners
14 Listeners
1 Listeners
1 Listeners
3 Listeners
9 Listeners
17 Listeners